أمهات تطحنهنّ الخيبة: طفلـــي ذكــــي ونبــــهٌ جــــــداً.. لكنهُ لا يقرأ!

171

آية منصور /

” ابني ذكيٌ جداً، بل إنه سريع الاستيعاب والنباهة، يتعلم ببديهة لافتة ويتذكر كل شيء من لمحة واحدة، إلا موضوعاً واحداً يؤذيني و(يطشّر) كل ما في ذاكرته حينما يترجمه إلى الواقع، ألا وهو عسر القراءة والكتابة، لا أعلم لماذا (يفصل) عما يريد قوله بـ (صفنة)، وما الذي علي فعله لأستعيد طبيعة طفلي الذهنية بعد أن عاندتني جميع الحلول.”
هكذا بدأت (نور)، وهي أم لطفلين، امتعاضها الممزوج بالخيبة ، بسبب تأخر كبيرهما (حسن)، الذي يبلغ من العمر سبع سنوات، تبدو حزينة وتشعر بخيبة كبيرة، إذ كلما تواصلت المدرسة معها تضع يدها على قلبها، لأنهم يؤكدون لها في كل مرة أن (حسناً) غير قادر على القراءة، وما زال في الصف الأول بسبب عسر القراءة، مع إنه يفهم ما تقوله المعلمة ويتذكره ويحفظه جيداً، لكنه لا يستطيع قراءته بصورة جيدة او تسلسلية منتظمة..
محاولات وأمل لا ينقطعان
عسر القراءة واحد من الاضطرابات الذهنية التي قد تكون شائعة في المدراس، عند الأطفال تحديداً، ومنها صعوبة تعلُم عمليات القراءة والكتابة والإملاء لدى الأطفال، وعلى الرغم من أن كثيراً من الأطفال المصابين بهذا الاضطراب لديهم ذكاء طبيعي ويتلقون التعليم المناسب ودعم الوالدين، لكنهم يواجهون صعوبات كبيرة في إدراك مهارات التعلم. تسترسل (نور) في شرح وجعها والحلول الكثيرة التي جربتها:
“أدخلت ابني في مدارس أهلية متعددة، وبقيت متنقلة به من مدرسة إلى أخرى، عسى أن أجد الحل لمشكلته، لكن دون نتيجة، حتى أن إحدى المعلمات اقترحت أن تتعامل معه بطريقة الحفظ والحديث الشفهي فقط، طبعاً كان هذا حلاً، لكنه ليس دائمياً، لأنه سيحتاج إلى الكتابة والقراءة مستقبلاً، كما أن مسألة أن يحفظ كل حياته تبدو صعبة للغاية، لذا أحاول أن أجعله يحفظ الحروف كما يحفظ الآيات القرآنية والحلول الرياضية، لكن الموضوع يتطلب وقتاً..”
وتؤكد نور أنها تواصلت مع أطباء كثر، أكدوا لها أن الموضوع بسيط، وبالإكثار من الاهتمام سيكون أفضل، بحيث أطلب منه أن يميز شيئاً واحداً جديداً (حرفاً أو كلمة) كل مرة، وبعد إتقانه الحرف الأول وحفظه بشكل ممتاز، سوف انتقل بعد ذلك لتعليمه الحرف الآخر المقابل، مع التشديد على تكرار هذه العملية لأكثر من مرة، مع مراعاة أن تكون فترة التدريب قصيرة حتى يتمكن الطفل من تخزين معلوماته الجديدة بشكل ثابت، أنا مستمرة بهذا الروتين وأتمنى أن ألحظ تغييراً جيداً فيه.
مراقبة أبوية وتجنب العقاب
الدكتورة (سهى المحمداوي)، اختصاصية علم نفس تربوي، شرحت لنا الجانب النفسي الذي يقف خلف هذه الحالة المؤلمة، قائلة:
“يمكن علاج نحو 95% من الحالات إذا قدمنا مساعدة حقيقية وجادة في وقت مبكر، وأن للعامل النفسي دوراً مهماً في تقوية وتعزيز قدرة الطفل على التعلم، ذلك أن معاقبة التلميذ لعدم قدرته على الاستيعاب أو الكتابة لن تحل المشكلة، بل تؤزمها أكثر، إذ نلاحظ أن الكثير من الأطفال يحضرون إلى المدرسة وهم غير قادرين على التعلم، وتزداد حالتهم سوءاً نتيجة التعنيف الذي يحصلون عليه من ذويهم الذين يعنفوهم من أجل التعلم، لكن الأمر يكون عكسياً، أذ أن من الضروري جداً أن يكون التعامل بروية وهدوء مع الطفل، وتعزيز فكرة أنه قادر على التعلم وأن هذا الوضع مؤقت ليس إلا، وأنه سيكون متمكناً من القراءة أمام أقرانه، التشجيع أفضل شيء، ودور الأبوين هو الأهم، حتى من دور المختص لأنه يحتاج إلى دعمهما.” وترى المحمداوي أيضاً أن “هناك العديد من المناهج التعليمية الخاصة بالأطفال المصابين بعسر القراءة، كالتدريب الصوتي العالي الذي من الأفضل أن يبدأ من رياض الأطفال والصف الأول، لكن معظم الآباء لا يكتشفون مشكلات أولادهم الا متأخرين، وهنا يكون التدريب أصعب عليهم، لذا فإن من الأهم أن يراقب الأبوان أولادهما جيداً من خلال عدم انتظار دور المدرسة أو وقتها، وغالباً ما يكون هذا مطباً تقع فيه غالبية العائلات، حينما يدركون عسر قراءة أبنائهم بعد فوات الأوان.”
مؤشرات غريبة يجب رصدها
من أبرز الأعراض التي تظهر لدى مصابي عسر القراءة، كما توضح الدكتورة سهى المحمداوي، هو أن “تحصيل الطفل في القراءة أقل بكثير من عمره العقلي وسنوات دراسته، وصعوبة الطفل في تذكر الجملة الكاملة، وأنه لا يتعلم بسهولة قراءة الجملة مهما كانت بسيطة، كما أنه لا يستطيع التمييز بين الكلمات التي تتشابه في الشكل العام، ولا يتمكن من تطوير لغته، اي أنه يبقى في نفس مستوى القراءة ولا تتحسن قراءته، كما أنه يواجه صعوبة كبيرة في كتابته، حتى للكلمات المكتوبة على السبورة أو الكتاب، أو أية كلمة أمامه أيضاً، ومن أعراض ذلك قراءة الكلمات بشكل معكوس، كتقديم أو تأخير بعض الحروف، والصعوبة في التعبير عما يريده، أو تسلسل الحروف أو الأرقام ، وقد يواجه غالبيتهم مشكلة التأتأة عند قراءة جملة طويلة بعض الشيء، ما يسبب لهم إرباكاً وتأزيماً للوضع، لذا فمن الأفضل منحهم جملاً قصيرة دائماً.”
إشارات صوتية وتدريب مبكر
من جهته، يتحدث طبيب الأعصاب (أحمد البلداوي) عن هذا الخلل وهل له علاج فيقول:
“قد تنشأ لدى المصاب مشكلات تتعلق بتقديره لنفسه، الأمر الذي يؤثر على علاقاته الاجتماعية مع أهله وأصدقائه، لذا فإن التدريب المبكر يقي من جميع هذه الإشكالات التي من الممكن أن تؤثر على الطفل، ويكون العلاج سهلاً بالاستمرار عليه، من خلال جعل الطفل يعتمد في تعليمه على أكثر من حاسة، مثل تعليمه عن طريق الصوتيات، وذلك باستخدام مجموعة من الإشارات وقراءتها بصوت عال، وأن يكون على أقل قدر من التقييد، ذلك أن الضغط وإجبار الطفل على استيعاب ما هو أكبر من قابليته، قد ينتجان نتائج عكسية. ويفضل أيضاً تعليمه كيفية إصدار الأصوات ومزجها لتشكيل الكلمات، وذلك عن طريق فصل الكلمات إلى مقاطع، وتعريفه على الكلمات من خلال الكتب الصوتية بالتزامن مع الكتب الاعتيادية ليتمكن من سماع ورؤية الكلمة في آن واحد.”