الإعاقة ونظرات الشفقة دمرتا حياتي!

233

صفحة تُعنى بالمشكلات الأسرية التي تصل المجلة عن طريق البريد الإلكتروني أو أرقام هواتف المجلة نضعها أمام مجموعة من المتخصصين بقضايا الأسرة والمجتمع لإيجاد حلول لها.
المشكلة…
عرضت (ش.الحائرة) في رسالتها التي بعثها الى صفحة (افتح قلبك)، مشكلتها التي قلبت حياتها رأساً على عقب، إذ تقول:
أنا شابة جميلة في الخامسة والعشرين من العمر، تعرضت قبل سنتين إلى حادث سير، فقدت على إثره إحدى قدميّ، في البداية اسودت الدنيا في عينيّ وشعرت بنهاية أحلامي والعالم، لكن بعدها استجمعت رباطة جأشي وقررت أن أبدأ التحدي وأكمل دراستي، وفعلاً أكملت الإعدادية ودخلت الجامعة، وكنت سعيدة جداً لأنني سوف يصبح لدي أصدقاء وأحبّه، لكن الفرحة –للأسف- لم تكتمل، بسبب سلوكيات بعض الموجودين في الجامعة، من أساتذة وطلبة، وحتى الموظفين والعاملين، إذ أن الجميع تقريباً كانوا يتعاملون معي على أساس أني معاقة جسدياً، مع العلم بأن إعاقتي هي فقط فقدان إحدى قدمي، ولستُ مصابة بتخلف عقلي، وحتى بعض الناس في الشارع أسمعهم يقولون “هاي البنية شكد حلوة بس حرامات رجلها ماكو”.. لأنهُ -في نظرهم- الذي ابتلي بإعاقة، فإن حياته قد انتهت، ولا يحق له العيش كالأسوياء بسلام! علماً بأنني أعيش مع أهلي الذين يعتنون بي، ولم يشعروني بعجزي أبداً، لكني متعبة نفسياً من تعامل بعض الأساتذة والطلبة معي، فمرة يتعاملون معي بأسلوب العطف، ومرة أخرى كأني متخلفة عقلياً. أما في الشارع فأحياناً أتمنى لو أني امتلكت أجنحة لأطير بها نحو البيت سريعاً، كي لا أسمع أو أرى نظرات وكلام الاستعطاف من الناس. لذلك قررت أن اترك الجامعة وأبقى في البيت لينتهي كل هذا الدمار النفسي، انصحوني رجاءً وسوف أعمل بما تنصحونني به، ولكم مني كل الحب والاحترام.
الحل…
د.شيماء العباسي، اختصاص علوم نفسية وتربوية، أجابت على المشكلة قائلة:
ابنتي العزيزة، إن الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه، والذي أصابك هو من الله عز وجل، قولي دائماً الحمد لله على كل حال وأي حال. ابنتي الشجاعة، إن فقدان قدم أفضل من خسارة حياتك، فلا تنزعجي من أي شيء في الدنيا ولا تخسري حياتك ودنياك، بل تعاملي مع الآخرين كأنك إنسانة طبيعية، وأنت كذلك ياعزيزتي.
نصيحتي لك، وأتمنى أن تعملي بها، عندما ترين أو تسمعين أي كلام أو نظرات، ابتسمي، واعلمي أنك بهذه الطريقة في معاملة الآخرين سوف تصنعين السعادة، فإنك بالتأكيد قبل الحادث التقيتِ مع أطفال لا تعرفينهم في الشارع وابتسمتِ لهم فابتسموا لك أو عبستِ في وجههم فخافوا منك. الآن انظري إلى وجهك الجميل في المرآة وابتسمي، ولاحظي كم يصبح أجمل بالابتسامة. وتذكري قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) :”ابتسم ولو كان القلب يقطر دماً، وتوقع خيراً مهما كثر البلاء”.. فلا داعي لأن تكوني حساسة أكثر من اللازم، لأن هذه الحساسية المفرطة أدت بك إلى انهيار نفسي وكآبة وأبعدتك عن الحياة الاجتماعية الطبيعية. فكري قليلاً وانظري إلى الأشخاص الذين وضعهم أصعب بكثير من وضعك وقولي الحمد لله أن إصابتي كانت خفيفة. أنت إنسانه قوية وشجاعة ومؤمنة بقدر الله وحكمه، كما أن لك عائلة ساندة وداعمة، وتذكري دائماً أن هناك عباقرة أفادوا البشرية بعلمهم ونظرياتهم وهم من ذوي الإعاقة، أحدهم عالم الفيزياء العبقري ستيفن هوكينج، الذي كان مشلولاً بالكامل لا يتحرك منه سوى رأسه، لكنه في نفس الوقت جعل العالم كله يرى إبداعاته واكتشافاته المميزة التي لو حاول فيها آلاف بل ملايين من البشر الأصحاء، فلن يكونوا قادرين على اكتشافها وإبرازها مثله.
عليك الآن أن تكتشفي موهبتك الدفينة، واجعلي من حولك يتمنون أن يكونوا مثلك. الكثير منا يتمنى أن يكون معاقاً، او فاقداً لأحد أعضاء جسمه، على أن يكون مثل هوكينج عالم الفيزياء. اعلمي أن رأس الإنسان هو أغلى ما يملك، فيه أفكاره وتطلعاته ومواهبه، فلا تضعفي أو تنهاري أمام كلام أو نظرات الآخرين. أخيراً أقول لك ابنتي الشجاعة: ضعي ثقتك بالله تعالى، وتذكري دائماً أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، بينما الشيطان عدو يوهمه أن ذلك شؤم، وتذكري أن الإعاقة في العقول وليست في الأجساد.