مشاغل الحياة تُفرق العائلة و”صينيَّة” رمضان تجمعها بدلال..

321

آية منصور /

“لمّة الأهل بعد يومٍ طويل شاق حول سفرة الفطور العامرة، وجمالية طبلة المسحرچي وطكـ.. طكـ المحيبس والمربع البغدادي المدلل “بصواني” البقلاوة والكنافة، هي طقوس رمضانية متوارثة تنتظرها البيوت وتنشرح بمجيئها قلوب العيال والأقارب والجيران، فرمضان فرصة للتقارب وصلة الرحم والحميمية العائلية.” كما تعتقد الموظفة وأُم البيت (زينب أحمد).. التي تقول بسعادة:
“عودة زوجي مبكراً من العمل وتناول الطعام معاً كأسرة، لمّة لا يتيحها غير رمضان، مع أنني أحب أن أعيش هذه الطقوس بشكل يومي وليس في رمضان فقط، لكن عملي وعمل زوجي فرضا علينا قيوداً، ذلك أنه يعود متأخراً، وأنا أعود مبكرة، فلا نستطيع الاجتماع لتناول الطعام معاً، لكنه رمضان، ولأجل عين رمضان كل شيء يتغير، لذلك هي فرصة لزيادة أواصر الحب والحميمية بين العوائل، إنه بمثابة علاج عشبي لتقريب الناس بعضهم من بعض، إن العراقيين يحبون رمضان، فهو يذكرهم بأيام كان فيها السلام صنيعتهم الأساسية، تتناقل الأواني بين الجيران، ومن دار إلى آخر، حيث يفطر الأخ عند أخيه، والتكافل الاجتماعي حاضر بقوة بزيارة الأقارب، وبرغم التطور الحاصل في مجال التكنلوجيا ووسائل الاتصال، إلا أنه مازال الكثير من التقاليد والعادات متجذرة ومحط اهتمام لدى العائلات العراقية.”
جمالية صوت الدمام
“ما يهمني حقا هو الاستيقاظ لتجهيز السحور بعد سماع صوت المسحرجي، لا أفضل المنبه، أحب صوت الدمام الذي يوقظ جميع أبناء الحي، ونعم، لربما ليس الجميع نائمين مثل قبل، بسبب هيمنة السوشيل ميديا والهواتف التي تجعلنا سهارى حتى الفجر، مع هذا، فإن لصوت المسحرجي نكهة خاصة لدى العراقيين، حينها أفضل الطبخ مجدداً وكأني أتهيأ للإفطار”.. بهذه المخيّلة الرمضانية الجميلة تعتبر (رغد محمود) أن لرمضان متعة وخصوصية لا تشبهان أي شهر في السنة، تكمل قائلة:
“طبخ العديد من الأكلات في آن واحد، وعلى طاولة واحدة، ليس تقليداً عراقياً فقط، لكنه الأكثر تميزاً، أن تملأ السفرة العراقية بمختلف أنواع الطعام، دون خوف من كرش، أو تهيج قولون، فهكذا هو رمضان يعزز الشهية والمحبة والألفة وتواصل العائلة ويقرب البعيد، ويجمع الأحبة على مائدة الإفطار التي تلم شمل العائلة الذي فرقته مشاغل الحياة الكثيرة والمتعددة وتعزز الترابط العائلي، لذا فإننا نطبخ كل شيء بشكل يومي في رمضان فقط، احتفاء بجلوسنا بعضنا مع بعض.”
لمة السنة الجميلة
ضحكات الصغار، وتجمع الأقارب، والإكثار من الولائم والعزائم، هو ما تفضله وتعشقه (حوراء البكر) في رمضان، مؤكدة أن “وجبة الإفطار تقليد مفعم بالضحكات والعلاقات الاجتماعية الحميدة، وأحد أهم طقوس الشهر الفضيل، لترابط أفراد الأسرة الواحدة وتعميق وشد أواصر العلاقة العائلية، نحن نلتقي 30 مرة في السنة، نبتعد عن خلافاتنا ومشكلاتنا واختلاف أفكارنا، ونندمج تحت سماء رمضانية واحدة، حيث يجتمع الأب والحفيد والجد، نتشارك الأخبار المفرحة، ونحاول قدر الإمكان تجنب الحديث عن الأخبار السياسية، أو الأوضاع التي تحيط بالبلاد، نأمل أن يكون كل شيء على ما يرام، نرفع صوت التلفاز، فيندمج مع صوت ضحكات الصغار، لأن رمضان فرصة لتدليل العائلة، نتعب نعم، ونحتاج إلى بعض الراحة أحيانا، لكن فكرة أن جميعنا سنكون معاً لتناول الطعام هو ما يجعلني سعيدة ومبتهجة، علماً أننا خلال أشهر السنة كثيراً ما يتناول كل فرد من أفراد الأسرة الطعام لوحده، حسب وقت عمله أو دراسته، وكل واحد منهم يطلب وجبة خاصة به، أحدهم يتناول الطعام صباحاً، وآخر في الليل، ونفتقد هذا التواصل الذي تعود مائدة الإفطار لتجمعه في رمضان، التي تخلق أجواءً مثالية مفعمة بالمحبة.”
روحانية واسترخاء نفسي
الباحثة النفسية (إيناس محمد)، توضح عمق العلاقة وخصوصيتها بين أفراد العائلة في رمضان، تقول إن “العائلة العراقية خلال شهر رمضان لديها شغف كبير في تنوع الوجبات وتنوع أواصر التجمعات كذلك، إذ يحرص أفراد الأسرة العراقية كافة على جلسات الإفطار الجماعية التي تلم شمل الأسرة على مائدة إفطار واحدة مع والديهم أو أبنائهم، ويلتزمون بالعودة جميعاً من أعمالهم ومصالحهم التي قد تكون داخل أو خارج المدينة من أجل تناول وجبتي الإفطار والسحور في منزل واحد وعلى مائدة واحدة وفي وقت واحد، كذلك الأبناء المتزوجون الذين يسكنون في منازل مستقلة عن والديهم يحرصون على الحضور والاجتماع وتناول وجبة الإفطار في منزل والدهم أو أخيهم الأكبر.
العامل النفسي مهم جداً في هذه الأيام المباركة، إذ تحرص الأمهات على توفير كل شيء، لرؤية أولادهن وأزواجهن وهم في قمة السعادة، وفي المقابل، يحرص الأبناء كذلك على الحضور مبكرين، فيصبح الأمر بمثابة تقدير غير مباشر من قبل الطرفين، إذ يحتاج أفراد الأسرة إلى الابتعاد عن الروتين اليومي والواجبات اليومية المكررة مثل العمل والالتزامات خارج المنزل، لأن هذه الأجواء الروحانية تجعل الفرد أكثر استرخاء وتوازناً وتقرباً من عائلته، كما تمنحه السكينة التي يحتاجها بعيداً عن ضوضاء الحياة ومشقاتها، إن رؤية أفراد العائلة وهم بخير، يبتسمون ويتناولون الطعام الشهي، تجعل المرء قادراً على إنجاز عمله بشكل جيد، وتبعد الشعور بالوحدة الذي قد يلازمه في حياته العملية اليومية.”