جائحة المخدرات

80

نصير الخزاعي/

ربما يكون العنوان غريباً على القارئ بعض الشيء، إذ إن المعتاد استعمال مفردة (الجائحة) للإشارة إلى الأوبئة أو الأمراض المنتشرة في جزء من العالم أو مساحة كبيرة منه، مثل فايروس كورونا أو الطاعون وهكذا. لكن، بحكم عملي في أحد أهم مراكز علاج الإدمان (مركز القناة للتأهيل الاجتماعي)، أجزم بأن المخدرات أصبحت تضاهي الجائحة التي تعيث خراباً في البلاد، بسبب خطورتها أولاً وسرعة انتشارها وسهولة الحصول عليها من فئة الشباب ثانياً. غالبية المدمنين دخلوا هذا العالم المظلم عن طريق أصدقاء السوء، المتعاطين للمخدرات فضلاً عن توفيرهم الجو المناسب للولوج بعيداً في هذا النفق. لذا نوصي ونؤكد على أسرنا الكريمة بضرورة مراقبة ومتابعة وفهم أبنائهم، الذكور والإناث على حد سواء، ومن يرافقون، فضلاً عن حثهم على شغل أوقاتهم بالدروس الأكاديمية، أو إيجاد فرص عمل لهم بعيداً عن هذا الجو المريض، أو حتى عن طريق الكشف عن المهارات التي يمكن تطويرها، مثل الرياضة أو الكتابة أو الرسم وغيرها، بيد أن قبل هذا كله يجب على أولياء الأمور تقليل الضغوطات وتنمية الوعي لدى أبنائهم، فبالوعي وحده يدرك الإنسان مخاطر ما يواجهه من آلام. هل الإدمان نهاية العالم؟ الإجابة هنا يمتلكها المدمن أو المتعاطي وحده، فهو من يحدد مصيره أو نهاية عالمه، فعند الاستمرار بإدمانه والتخلي عن الحياة الطبيعية، ستكون الإجابة “نعم إنها النهاية،” وسيكون في الغالب مخيراً بين طريقين لا ثالث لهما، الموت أو السجن، أما إذا اختار التعافي وترك الإدمان، فإنه إنما يختار المستقبل الذي سنعمل على أن يكون مشرقاً أمامه، عبر مرافقته في رحلة العلاج وتمكينه من التغلب على إدمانه بخطوات معدودة. إن أولى خطوات العلاج والتعافي تتمثل بالدخول إلى المصحة أو المركز العلاجي، مثل (مركز القناة للتأهيل الاجتماعي التابع لدائرة مدينة الطب التعليمية)، فهناك سيجد الراغب بإصلاح نفسه الفرصة لاسترداد حياته التي أوشك على فقدانها، وذلك من خلال عملية سحب السموم من داخل جسمه، التي قد تستغرق أسابيع عدة، لينتقل بعدها إلى إشراكه في برنامج التأهيل الخارجي، على أن يستمر بمراجعة المركز ليوم واحد كل أسبوع، إن كان من أهالي العاصمة بغداد، ويوم واحد كل أسبوعين إن كان من سكنة بقية المحافظات، وفق جدول زيارات ومراجعات يحدد له. في هذه الزيارات يجري تثقيف النزيل وتعليمه بعض المهارات، من خلال محاضرات تمريضية تأهيلية، يشرح فيها برنامج مقاومة اللهفة ومنع الانتكاسة، على سبيل المثال، أو برنامج الدعم الأسري أو التربوي والتثقيفي وغيره، وعند إكماله البرنامج التأهيلي المحدد بعدد من الزيارات يجري ترشيحه للذهاب إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. حين وصول النزيل إلى مرحلة التحويل على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بغية إشراكه في دورات مهنية وحرفية، بحسب الرغبة، سيتمكن عندها من التقديم على قروض مالية تتراوح ما بين 10 الى 50 مليون دينار من دون فوائد أو أقساط شهرية خلال السنة الأولى، لتمكينه من بدء حياة حرة كريمة يستعيد فيها ما فقده خلال المدة التي قضاها في الإدمان. وآخر الكلام فإن باب التوبة مفتوح للجميع، والحكيم هو من يستشعر خطر هذه الجائحة (جائحة المخدرات) ويستنقذ نفسه وأسرته منها قبل فوات الأوان.