الدينار العراقي.. بين رفع الأصفار وتخفيف التضخم

187

زياد الهاشمي
تصوير / حسين طالب

تتجدد النقاشات بين فترة وأخرى حول مسألة إلغاء الأصفار من الدينار العراقي، بين مؤيد لطرح نسخة رشيقة من الدينار تساعد في التخلص من أعباء ارتفاع الأسعار ومتاعب التعامل بدينار مثقل بالأصفار، وبين متردد يرى أنه من المبكر الحديث عن هذه الخطوة، قبل البدء فعلياً بعمليات الإصلاح النقدي والمالي التي يحتاج إليها الاقتصاد العراقي قبل أي شيء آخر.

بشكل عام، يمكننا القول إن عملية إزالة الأصفار من العملة قد تحقق العديد من المزايا الاقتصادية، من بينها تخفيف الضغوط التضخمية الكبيرة التي تثقل كاهل الاقتصاد، واستعادة الثقة بالعملة الوطنية والنظام النقدي بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، من شأن هذا التغيير أن يسهل العمليات المحاسبية والمعاملات النقدية بين المواطنين، فضلاً عن خفض التكاليف المرتبطة بإدارة وصيانة المعروض من العملة من خلال تقليل حجم التداول النقدي، وقد دفعت هذه الفوائد المتنوعة العديد من البلدان إلى تبني عملية إزالة الأصفار من عملاتها، ولاسيما الدول التي تأثرت بشدة بالتضخم، أو التي تسعى إلى فتح صفحة اقتصادية جديدة تصحح أخطاء الماضي، ومن تلك البلدان دول في أميركا الجنوبية وإيران وتركيا، ودول أخرى في إفريقيا وشرق آسيا، بما يقرب من 70 حالة من عمليات حذف الأصفار من العملات المحلية منذ عام 1960.
بالعودة إلى الدينار العراقي، فإننا نجد أن الضغوط التضخمية المتراكمة على مدى العقود الثلاثة الأخيرة أسهمت بشكل مباشر في خسارة الدينار قيمته بشكل كبير، مقارنة بقيمته خلال السبعينيات والثمانينيات، إذ تشير بعض البيانات إلى أن الدينار العراقي شهد في الفترة من العام 1990 إلى العام 2007 انخفاضاً مذهلاً في قيمته بلغ نحو 400000 %، ولتوضيح هذا في مثال مبسط، فإن السلعة التي كانت تكلف المواطن 100 دينار في عام 1990 أصبحت تكلفه 400 ألف دينار في العام 2007، رافقت ذلك زيادة مستمرة في طباعة العملة وتوسيع المعروض النقدي، فحتى العام 1980، كان إجمالي المعروض النقدي في العراق نحو 25 مليار دينار. وبحلول تسعينيات القرن العشرين، ارتفع هذا الرقم إلى 40 مليار دينار، وبعد تغيير النظام عام 2003، ارتفعت الكتلة النقدية إلى 6 تريليونات دينار، وبحلول العام 2010، تجاوز هذا الرقم 27 تريليون دينار، وحتى يومنا هذا، تجاوز الرقم 100 تريليون دينار، وكانت أكبر ورقة نقدية متداولة في العام 1990 هي من فئة 25 ديناراً، أما الآن فلدى البنك المركزي العراقي فئات مصدرة بمبالغ 25000 و50000 دينار.
الأستقرار الأمني
في ضوء الاستقرار الأمني والاقتصادي الجديد في العراق، الذي عززه موقف مالي قوي ناتج عن عائدات النفط الضخمة، التي أدت إلى احتياطيات كبيرة من العملة الصعبة، تدعو بعض الأصوات إلى الشروع في عملية تهدف إلى ترشيق الدينار العراقي من خلال إزالة ثلاثة أصفار من قيمته الاسمية، إذ يعتقد أصحاب هذا الرأي أن إزالة الأصفار من شأنها أن تحقق فوائد عديدة يحتاج إليها الاقتصاد العراقي على وجه السرعة، ومن أهمها استعادة دور الدينار كمخزن موثوق للقيمة، الأمر الذي من شأنه أن يعزز ثقة الجمهور بالدينار العراقي بالنظام النقدي ككل، وتقليل الطلب على العملة الصعبة، والمساعدة في التخفيف من ظاهرة (الدولرة) المزعجة التي استنزفت الكثير من السيولة النقدية.
اشتراطات جوهرية
بالرغم من وجاهة هذا الرأي، إلا أن العراق – بشكل عام – لا يزال يحتاج إلى المزيد من الوقت والجهد والتخطيط الستراتيجي قبل الإقدام على مثل هذه العملية، إذ إن من الضروري أن نفهم أن إزالة الأصفار من العملة لن تكون بمثابة الحل السحري والعلاج الناجع للقضايا المعقدة التي يعاني منها النظامان النقدي والمالي العراقيين، ولن تقضي هذه الخطوة تلقائياً على التضخم أو تحل المشكلات الاقتصادية الأساسية، فقد أظهرت تجارب تاريخية أن العديد من البلدان لم تجنِ فوائد كبيرة من جهود مماثلة لترشيق العملات. ففي بعض الحالات عاد تدهور قيمة العملة بعد مدة قصيرة، وعادت تلك العملات إلى مراكمة الأصفار من جديد (مثلما حدث في البرازيل التي ألغت أصفار عملتها سبع مرات)، فقد تؤدي مثل هذه التداعيات إلى المزيد من الزيادات في الأسعار والضغوط التضخمية، وبالتالي تقويض الأساس المنطقي وراء تبسيط الدينار.
ولكي تحقق عملية حذف الأصفار النتائج المرجوة منها، فإن من الضروري أن تسبقها عملية تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل وفعال يتطلب إعادة هندسة وهيكلة جميع جوانب الاقتصاد، وتحريك وإطلاق عجلة الإنتاج والصناعة والتنمية والخدمات، مع إجراء مراجعة وتقييم شاملين للسياسات النقدية والمالية وإعادة النظر بطبيعة العلاقة بين كلتا السياستين وكيفية تحسينها وتطوير الستراتيجيات المناسبة لإدارة المرحلة الانتقالية. هذه المتطلبات وغيرها تعد من الاشتراطات الجوهرية البالغة الأهمية المطلوب تحقيقها قبل الإقدام على عملية ترشيق الدينار وتخليصه من أصفاره، وإعطاء الدينار الجديد القدرة على المحافظة على قيمته للمديات المتوسطة والطويلة ليحقق الهدف المنشود في أن يكون الدينار مخزناً حقيقياً للقيمة.