العالم لن يستغني عن النفط

466

يحيى الشرع /

أثارت تصريحات وزير المالية علي علاوي الكثير من الجدل بشأن تحذيراته من أن العالم قد يستغني عن النفط، وقد تباين الفهم لدى المراقبين بشأن هذه التحذيرات التي قد يهدف الوزير منها إلى تحفيز العراقيين على فتح أبواب جديدة للعمل وعدم الاعتماد على النفط الذي يشكل 90% من إيرادات الموازنة العامة للدولة، او ربما أن هناك مؤشرات اعتمدها الوزير، لكن قصة تحذيرات استغناء العالم عن النفط ليست جديدة.
بدأ حديث البحث عن بديل للنفط عندما ظهر النفط كسلاح مؤثر وفعال في تغيير الأحداث بعد قرار الدول العربية حظر الصادرات النفطية إلى إنجلترا وفرنسا خلال الحرب مع إسرائيل عام 1973، فقد توقفت الصناعات في أوروبا على الرغم من محاولات الولايات المتحدة الأميركية تعويض أوروبا عن النفط العربي، إلا أن الغرب بدأ يكافح لمعالجة هذه الثغرة في سياجيه الأمني والاقتصادي، فقد تسبب منع إمدادات النفط في وقف عجلة الحياة في دوله وأرغمه على الإذعان للعرب.
وانخرطت الدول الأوروبية واليابان وأميركا بالفعل في البحث عن بدائل للنفط العربي، ورصدت مليارات الدولارات لهذا الغرض، لكن تلك المساعي، وإن حققت نتائج إيجابية على صعد مختلفة، لكنها عجزت تماماً عن الوصول إلى بديل للنفط.
وفي الواقع فإن الجهد الإعلامي الغربي هو الذي تكفل بإقناع العرب بأن العالم سيقترب من الاستغناء عن نفطهم، وتحولت جهود أوروبا إلى البحث عن الطاقة المتجددة لمعالجة أزمة المناخ، ولم تعد تضع أية ستراتيجيات للاستغناء عن النفط.
فشل في قطاع السيارات والطاقة
وعلى الرغم من أن البحث عن الطاقة الكهربائية حقق نتائج إيجابية في الوصول إلى الطاقة النظيفة، لكنها لم تقدم للعالم بديلاً عن النفط، وتحولت عملية إنتاج سيارات تستغني عن الوقود وتعمل بالكهرباء إلى عملية استعراضية باهظة الكلفة يتباهى بامتلاكها أثرياء العالم. فشركة تويوتا مثلاً دخلت سوق السيارات عديمة الانبعاثات الغازية في محاولة لتضييق الهوة مع الشركات المنافسة، ونجحت بإنتاج عدد من السيارات الفارهة التي تعمل بخلايا الوقود، بينما تشارك أيضاً مع شركات يابانية أخرى لإبراز تكنولوجيا الهيدروجين.
لكن على صعيد إنتاج سياراتها التقليدية فقد زاد إلى 800 ألف سيارة على مستوى العالم في شهر كانون الثاني، وهو رقم قياسي بالنسبة لهذا الشهر.
كورونا
بعد انخفاض أسعار النفط خلال أزمة كورونا عادت قصة الاستغناء عن النفط تتكرر على المستوى الإعلامي، واستغرق الكثيرون في رسم سيناريوهات لعالم بلا نفط، لكن ما إن عادت الحياة إلى طبيعتها حتى اكتشف الناس أن هذا العالم لن يستغني عن النفط، بل يزداد احتياجه سنوياً وترتفع معدلات إنتاج النفط مع تزايد الطلب العالمي.
دعوات قديمة
يقول الخبير الاقتصادي بيان فريد “أن المؤسسات الصناعية والإدارية اعتمدت اعتماداً كلياً على النفط، من دون إيجاد بدائل أخرى تكون مساعدة، نعم، أقولها وبكل صراحة، النفط يبقى المصدر الأول والأخير للطاقة، لكن على الحكومة أن تخطط ستراتيجياً لوضع حلول بديلة متحركة لمواجهة المتغيرات والمستحدثات صناعياً وعلمياً بالاعتماد على الخبرات المحلية، فجامعاتنا زاخرة بالمواهب العلمية الرصينة، والخبير والأكاديمي العراقي بات يعمل في دول متطورة تنمي ركائزها وتقدمها.”

فرضية مستبعدة
واستبعد الباحث والخبير الاقتصادي، فراس زوين، فرضية الاستغناء عن النفط بالاعتماد على الطاقة النظيفة أو البديلة، بقوله “إن الحديث عن الاستغناء عن النفط سابق لأوانه وبعيد المنال في الوقت الحالي وعلى المستوى المنظور، الذي قد يصل إلى عشرات السنين المقبلة، وذلك لاعتبارات عديدة من أهمها استخداماته المتعددة، إذ أن دور النفط الخام لا يتحدد ضمن مجال الطاقة فقط، بل إنه يدخل في العديد من الصناعات الرئيسة والحيوية، التي لا يمكن الاستغناء عنها، مثل صناعات البلاستك واللدائن والأسمدة والموصلات الكهربائية، بالإضافة إلى أنه يدخل كمادة أساسية في المواد الخام للعديد من الصناعات، مثل السيارات والطائرات ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، وحتى بعض الصناعات الإلكترونية الدقيقة وغيرها من الصناعات المتعددة، وباختصار لا تكاد تخلو منها معظم المواد التي يحتاجها الإنسان بشكل يومي ومُلِح، بالإضافة الى سهولة نقله وتخزينه، وهما عاملان حاسمان بالمقارنة مع باقي مصادر الطاقة.”
وأضاف: “لعل من المناسب الإشارة الى أن العالم لم يتمكن لغاية الآن من الاستغناء عن الفحم الذي تم اكتشافه مطلع القرن الثامن عشر، وحل محل الخشب كمصدر رئيس من مصادر الطاقة، إذ تصل نسبته الآن قرابة الـ ٢٠% من إمدادات الطاقة العالمية، فكيف يمكن التفكير بالاستغناء عن النفط وهو يعتبر من الاكتشافات الحديثة إذا ما قيس بالفحم ويحتل أعلى نسبة من إمدادات الطاقة العالمية تصل إلى حدود ٤٧% !! وحتى إذا تمكنت بعض الدول الصناعية الكبرى من الحديث عن الطاقة البديلة، او الطاقة المتجددة، او الطاقة النظيفة، او أي شكل آخر من أشكال الطاقة، فإن هناك بالمقابل العديد من الدول التي لا تمتلك التطور التكنلوجي ولا الرفاهية الاقتصادية التي تمكنها من اتباع هذا الخيار البديل وستبقى تعتمد إلى حد كبير على النفط والغاز وحتى الفحم..”
وعلل زوين تصاعد الأصوات بضرورة إيجاد البدائل الى أسباب عديدة، مثل الحفاظ على بالبيئة وضمان عدم استخدم النفط، ماهي إلا ورقة ضغط سياسي تمارسها الدول الكبرى، مبيناً ان هذا التوجه وهذا الانفاق قد يدفعنا نحو السؤال لا عن الاستغناء وإنما عن القيمة الاقتصادية المستقبلية للنفط؟ وما نسبة مساهمته في إمدادات الطاقة؟ وهل سيبقى متربعاً على عرش الطاقة العالمي؟
وللإجابة فأعتقد “أن النفط سيبقى محافظاً على مكانته وقيمته الاقتصادية للعشرين سنة المقبلة في أقل تقدير، ومن الممكن أن نشهد، بعد ربع قرن، بداية تراجع وانحسار (وليس استغناء) في أهمية النفط أمام مصادر الطاقة الأكثر نظافة وأقل تكلفة، وعند تلك النقطة تحديداً ستبدأ المحنة والأزمة الحقيقيتين للدول المعتمدة اعتماداً مطلقا على بيع النفط، ومنها العراق، ليس بسبب الاستغناء عن النفط، فهذا شيء من الصعب جداً افتراضه وإنما من تراجع دور النفط بالتزامن مع الزيادة السكانية الحاصلة.”
وفي أحدث تصريحاته الصحفية، أكد الرئيس التنفيذي لشركة بيكر هيوز لورينزو سيمونيلي “أن الهيدروكربونات ستبقى جزءاً من نظام الطاقة العالمي وأن التركيز ينبغي أن ينصب على كيفية خفض تأثيرها وانبعاثاتها، لأن العالم ليس بوسعه الاستغناء عن النفط.”