حوراء النداوي: “قسمت” حكايات جدّتي التي أصبحت رواية

4٬549

حيدر النعيمي /

حوراء النداوي، شابة عراقية شبّت وترعرعت في الدنمارك، استطاعت في عز البرد هناك أن تشعل حرارة الانتماء لوطنها وشعبها، فدرست آداب اللغة العربية بإتقان مذهل وصارت تتفنن في حفظ القصائد لكبار الشعراء حتى أصبحت تتبارى مع والدها اياد بنيان الذي علّمها سحر اللغة وجمالها لفتت الانتباه اليها عند كتابتها لروايتها الأولى “تحت سماء كوبنهاكن”، حين رُشحت لجائزة البوكر كأصغر روائية وبنتاجها الأول.

جاءت الى بغداد برفقة زوجها لاعب المنتخب السابق نشأت أكرم حيث وقّعت روايتها الثانية “قسمت” التي نالت استحسان كبار الروائيين والنقاد.
قسمت

* جئتِ الى بغداد تحملين روايتك الثانية “قسمت”، كيف تصفين هذه الزيارة التي تختلف كلياً عن باقي زياراتك كونها كانت احتفائية بك كروائية يشار إليها بالبنان؟

– جئت بعد نصيحة من زملاء لي في الوسط الثقافي كي أروج لنتاجي الثقافي، وأنا بصراحة كنت بعيدة كل البعد عن الترويج، وأعتبرها نصيحة موفقة بعد ترويج روايتي في كل من بغداد والبصرة، وقد نفدت الرواية خلال أسبوع واحد من مجيئي لبغداد واضطررت الى أن أجلب نسخاً إضافية منها من بيروت لتلبية الطلب عليها، وهذه الطلبية نفدت أيضا خلال يومين.

قهوة وكتاب

* كيف رأيت الاختلاف في تسويق روايتك مابين بغداد والبصرة؟

– في بغداد كان توقيع روايتي في مكان ثقافي وهو مقهى “قهوة وكتاب”، وبالتالي شمل المهتمين فقط، أما في البصرة فكان التوقيع في شارع الفراهيدي، وهو مكان مفتوح لا يشمل المثقفين فقط بل حتى غير المهتمين جاؤوا الى حفل التوقيع، والإقبال بصورة عامة في بغداد أكثر ولكن ما لفتني أن القراء في البصرة مهتمون جداً ومتابعون جيدون.

* روايتك الثانية “قسمت” تتحدث بواقعية وذات طابع حزين ويتجذر هذا الألم في الدواخل وكأنه جرح غائر لايطيب، لقد جاءت مختلفة عن روايتك الأولى “تحت سماء كوبنهاكن” التي كانت رومانسية حالمة … هل هذا نضج أدبي ؟

– كتبت روايتي الأولى، وأعتبرها بسيطة الأركان، كل شيء كان حولي، لم أتعب نفسي في البحث، بينما روايتي الثانية على مدار عام وانا أكتب فيها لأني كنت أبحث عن المعلومة بشكل محموم حتى أوظفها وأبني عليها، وهذا التحول في الكتابه لأنني أرى أننا مسؤولون عن الكتابة عن أربعين عاماً لم توثق وبالتالي يجب أن نوثق هذه الفترة التي فيها الكثير من الأحداث وهذا جزء من الهمّ.

عالم الرواية

* كيف كانت ردود الفعل على روايتك؟

– الأصداء من روائيين كبار قرأوا الرواية، كانت ردود أفعالهم ايجابية جداً وشككت في لحظة من اللحظات أنهم يشجعونني للاستمرار لكوني ما زلت أرى نفسي في بداية طريقي بعالم الرواية.

* كم استغرق التحضير لهذه الرواية؟

– سبع سنوات، وقد سافرت الى ايران وقرأت كتباً بالفارسية رغم أن لغتي الفارسية ضعيفة نوعاً ما، فقط لأبحث عن معلومات، كما زرت بغداد خمساً الى ست مرات فقط لكي أجمع معلوماتي حيث زرت مناطق الكفاح وباب الشيخ والميدان والدهانة التي لها جزء كبير في الرواية.

* ماذا وجدت داخل بيوتات هذه الأزقة هل وجدت أكثر من رواية؟

– العراق مادة خصبة ومعلومة كبيرة جداً وبذرات لروايات أخرى، مجرد طريقة بناء البيوتات لوحدها تثير فيّ أشياء كثيرة.

* هل تساقطت دموعك أثناء الكتابة؟

– نعم، عندما كنت أكتب في فصل التهجير، وكثيراً ما تركت الكتابه فيه لأنه كان يؤذيني جداً.

* كم نسبة المطابقة في حياة عائلتك مع هذه الرواية؟

– أكيد هنالك شيء منها في الواقع كـ”روح” وليس التفاصيل وأخذت من جو العائلة والذي أغلبه كان مسفراً بنسبة جيدة بما يقارب ثلث الرواية منهم.

* كيف اخترت أسماء الرواية؟

– كنت اثناء زياراتي لبغداد أجلس مطولاً مع جدتي لأمي وهي أصلاً تحكي لي الكثير من القصص وأغلبها عن قصص التهجير الذي تعرضوا له وكانت تنطق بأسماء غريبة علي مثل “تيري”، والتي هي بطلة الرواية، وكنت أستفسر منها عن هذه الأسماء فتقول أن هذه كانت أسماء لنساء كبيرات في ذلك الوقت مثل “نازارا وقيم”.

تفكير عميق

* في حوارنا السابق كنت بحجاب واليوم بدونه، هل القرار وليد لحظة أم بعد تفكير عميق أم أنه موقف؟

– وليد تفكير عميق، نحن كشباب هنالك دائماً مرحلة نمر بها وهي “مرحلة التدين”، حالي حال الكثير من الشباب الذين مروا بهذه المرحلة فأنا حججت مرتين ومعتمره لأكثر من مرة وكنت متدينه جداً، وكل جمعة أذهب الى صلاة الجمعة، مررت في هذه المرحلة من حياتي وكنت أرتدي الحجاب لقناعتي فيه. ثم بعد ذلك اصبحت عندي قراءات أكثر وتفكير أعمق، شعرت أن هذا التشدد غير صحيح فخففت شيئاً فشيئاً ممارساتي الدينية المكثفه الى أن خلعت الحجاب، وما توصلت اليه أن الحجاب واجب اجتماعي وليس دينياً، فعندما اذهب الى النجف او الكاظمية او كربلاء عليّ لبس الحجاب ولكنه في أماكن أخرى غير مطلوب، ويبقى في رأيي أن الاحتشام مطلوب.

* بعد زواج أربع سنوات ونصف تقريباً وولادة ابنكم “شمم”، مالذي تغير بينك وبين زوجك اللاعب السابق نشأت أكرم؟

– نحن من النوع الذي تزيد أواصر العلاقه بيننا مع الوقت فتزيد صداقتنا وتفهمنا للأشياء، أعتبر أننا محظوظان.

* ماذا أعطاك نشأت أكرم؟

– الثقة، وخصوصاً في الاستمرار بالكتابة ووفر لي كل شيء أحتاجه ودعمني كثيراً.

* كيف كان قرار اعتزال نشأت أكرم، ماهي المشاعر التي انتابته؟

– كنت في الخارج وهو هنا ببغداد عندما اعتزل، أنا نفسي فوجئت حيث رأيته وهو ينشر بوستاً يعلن فيه اعتزاله اللعب، وقتها عرفت أنه يمر بأزمة نفسية من طريقة كتابته للبوست واستمر شعوره بالمرارة لمدة طويلة. نشأت يمتاز بالواقعية والقوة، ويعرف أنه الوقت المناسب لاتخاذ القرار وكان الأهم لديه أنه هو من قرر ولم يسمع أحد يطالبه بالاعتزال وهو كان راضياً عن قراره جداً.

* دمعة نشأت قريبة في لحظات … ؟

– إنساني جدا هو، ودمعته تنزل في المواقف الإنسانية وآخرها كان عندما كلمته، كان يبكي بحرقه بسبب لقائه مع شباب من جهاز مكافحة الإرهاب كانوا فاقدين لأعضاء من أجسادهم فقال لي ياحوراء أنهم شباب بعمر الورد وصار يبكي كثيراً عليهم.

* لو أسندت إليك كتابة مقدمة لكتاب السيرة الذاتية لنشأت فماذا ستكتبين؟

– نشأت ليس لديه يومان على بعض متشابهين .

* اذن نستطيع أن نطلق عليه “نشأت أكرم صاحب الأيام المختلفة” او “المختلف نشأت أكرم”؟

– بالفعل هذان أفضل عنوانين له .

* لو خيّر لك إهداء روايتك الثانية “قسمت” لشخص غير موجود، لمن سيكون؟

– لجدي والد أمي كنت سأقول له هذا الكتاب هدية مني اليك فهو يتحدث عن قوميتك “الكرد الفيليين”.

* أخيرا ماذاً تحبين أن تقولي؟

– إن أحببتم أن تعرفوا شيئاً عني فاقرأوا رواياتي.