أسباب ومعالجة ونتائج إدمان المخدرات.. خطر يفتك بالمجتمع
ايناس كريم/
تهاجم آفة المخدرات مجتمعاتنا بشراسة كبيرة، وتشكل فئة الشباب الضحية الأولى للوقوع في فخ الإدمان المدمر لعقولهم ومستقبلهم. في مواجهة ذلك، كانت النتائج مثمرة بعد فتوى المرجع الأعلى السيد علي السيستاني في تحريم تعاطي المخدرات ووضع خريطة لمكافحتها، لأننا نعرف تأثير هذا الرجل الجليل في الناس ومدى استجابتهم إليه.
فبعد عشرة أيام من صدور الفتوى وخريطة المحاربة للمخدرات، قمت بنشر بيان خاص أوضحت فيه دخول عشرات المتعاطين إلى المستشفيات ومراكز العلاج من الإدمان، منهم من تحدثت معهم بشكل شخصي، وما إن أبادر بسؤالهم “ما الذي دفعك لقرار التشافي من الإدمان؟” أجد أن السبب الرئيس هي فتوى المرجع السيستاني، بتحريم المخدرات وضرورة التخلص منها، فيا لتأثير هذه الفتوى التي ستنقذ كثيرين وتعزز محاربتنا للمخدرات، تجارة ومتعاطين.
أسباب الإدمان
لمحاربة هذه الظاهرة، لابد من الوقوف على أسباب انتشارها والترويج لها، فالبحث عن الأسباب والدوافع يعد الأساس الحقيقي لعلاج هذا المرض واستئصاله اجتماعياً. وهي تتلخص في “ضعف البيئة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.” فالمشكلات الاجتماعية التي تظهر نتيجة التوسع والكثافة السكانية والبطالة تعد عاملاً أساسياً في ظهور الفقر وما يصاحبه من تدهور المستوى المعيشي، وبروز مشكلة البطالة، الذي يكون دافعاً لانتشار المخدرات، كما أن التفكك الأسري هو الآخر يكون حافزاً للتعاطي أيضاً للهرب من جو المشكلات الأسرية، ومحاولة للابتعاد عنها.
كذلك يعد أصدقاء السوء ضمن الأسباب الرئيسة والمهمة في الدفع نحو تعاطي المخدرات، إذ يلعب الصديق دوراً في تحديد مسار الشخص ويؤثر عليه وعلى أفكاره وسلوكه، فصديق السوء المتمثل بالرذيلة والأخلاق المتدنية والتسكع في الشوارع وعدم الالتزام بتعاليم الأسرة والدين، له الأثر الكبير في انجراف الكثير من الشباب نحو التعاطي مع أصدقائهم والمضي معهم في طريق الإدمان.
علامات المدمن
هناك علامات عدة من الممكن للأم والأب التعرف عليها في حال تعاطي أحد أبنائهما، أو أي فرد من الأسرة، للمخدرات، منها: فقدان الشهية، مع نقص شديد وملحوظ في الوزن، وظهور علامات الأرق والإجهاد على الشخص المدمن، واحمرار العينين، مع تساقط الدموع بشكل لا إرادي، والرغبة الشديدة في النوم ليلاً ونهاراً، وأحياناً ارتفاع درجة حرارة الجسم، والغثيان والقيء والسعال المتكرر، مع الإغفاء بشكل مستمر.
أما العلامات النفسية فتتمثل بشعور المدمن بالانطوائية والعزلة، والإهمال في الشكل والمظهر العام والنظافة الشخصية، وإذا كان المدمن طالباً فإنه يهمل في دروسه ولا يستطيع استيعاب المناهج الدراسية. كذلك الإهمال في العمل إن كان موظفاً أو عاملاً، إذ لا يستطيع أن ينجز أية مهام مهما كانت بسيطة، مع اتباعه أسلوب الكذب في كل المواقف لكي يخرج منها، وقيامه بالحيل والخدع للحصول على المال لشراء المواد المخدرة، كذلك ضعف الذاكرة بشكل تدريجي، الذي يصاحبه القلق والاكتئاب والميل إلى تعاطي الحبوب المنومة للهروب من المواجهة مع الأهل.
مساعدة المدمنين
توفير الجو النفسي والصحي للمدمن يتطلب تعاملاً خاصاً معه كما يأتي: التحدث مع مدمن المخدرات بشأن مشكلة الإدمان قبل تقديم يد المساعدة، أو خيارات علاجية لإدمانه، والتعامل مع الموقف بعناية ودقة وحذر، وتجنب إحداث أية مواجهة أو جدل، فعادة يبدأ المدمن بالدفاع عن الأمر ويغضب بسهولة، وبالتالي يجب الاقتراب منه والتعامل معه برأفة وتعاطف، مع سؤاله ما إذا كان يفكر في الحصول على أية مساعدة، فقد يكون متردداً أو بحاجة إلى من يدفعه لذلك، وتجنب معاتبته، أو تهديده، أو ضربه، فهذا سوف يبعده وينفره من العلاج، كما يجب التحدث عن الآثار السلبية للإدمان من وجهة نظر الشخص المدمن نفسه، أي عن الجوانب التي تهمه، فقد لا يكون مهتماً بصحته الجسدية، أو بعمله، إلا أنه شديد الاهتمام حول إمكانية تسببه بالأذى لشخص يحبه نتيجة إدمانه.
لذا ينبغي الحديث معه عن مخاوفه، وعدم انتظار وصوله إلى الحضيض والبدء بالاهتمام به والتحدث معه، وبالتالي نجعله يدرك أننا سوف نقدم له كل الدعم في رحلته للتعافي، فقد يكون الشخص المدمن غير مدرك لمدى حب أسرته وأصدقائه له.
تعامل مدروس
عند التحدث مع المدمن، على المعالج أن يحضّر نفسه جيداً، مع عدم توقع أنه يمكن تغييره بشكل فوري، فذلك سيحتاج الى فترة من الوقت، فالمدمن في بدايته لا يعترف بوجود مشكلة لديه في هذا الشأن، بالتالي فإنه يشعر بعدم وجود رغبة لديه في تغيير نفسه أو أفعاله والخوف من العواقب، مثل الذهاب إلى السجن أو خوفه من فقدان وظيفته ودراسته أو حياته.
كذلك ضرورة تجنب التحكم بالمدمن، وأن يمتلك المعالج تأثيراً إيجابياً، فللأحبة والأصدقاء تأثير كبير في حياة الشخص المدمن، لذلك من الخيارات الإيجابية المتاحة جمع مجموعة من الأحبة لإجراء تدخل مدروس ومخطط له بشكل دقيق، والتركيز على مساعدته في معرفة الأسباب التي أدت للإدمان لديه، فهذا يشعر الشخص بالحب والدعم.
كما لابد من الاشارة إلى أن الإدمان هو أحد الأمراض النفسية التي تتطلب إشرافاً وتوجيهاً طبياً من ذوي الخبرة للحصول على أفضل النتائج، مع إدراك إمكانية حدوث انتكاس والعودة إلى الإدمان مرة أخرى، بالتالي لا بد من الحصول على الدعم الكامل من أشخاص مختصين بهذا الشأن، اضافة إلى الدعم من أفراد عائلته وأصدقائه. كذلك مساندة المدمن على القيام بأنشطة وهوايات أخرى يحبها، لكي يتمكن من التعامل مع ضغوطات الحياة دون اللجوء إلى المخدرات مرة أخرى، تشجيعه مثلاً على التطوع في عمل يحبه، أو ممارسة رياضة جديدة، أو تعلم لغة ما، وغير ذلك.
وأخيراً فإن على المعالج الداعم الاهتمام بنفسه صحياً ونفسياً لكي يتمكن من تقديم الدعم الصحيح والقوي للشخص المدمن خلال رحلة العلاج.