الرمز وتحولاته في نص (برونايا) للبريسم

108

طالب عمران المعموري

اعتمد الشاعر عبد الحسين بريسم الموروث الديني ووظفه في شعره كغيره من الشعراء، لكونه من أغزر المصادر التراثية التي يستمد الشعراء منها مصادرهم، وذلك لتنوعها وتعدد دلالاتها وعمق تجاربها وقداسة اعتقادها.

يستشف القارئ التحول في موقف الشاعر عبر رحلته الشعرية في هذا النص (برونايا) ضمن مجموعته الشعرية (المنطقة الخضراء – نصوص في استنطاق المكان)، الصادرة ضمن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق 2024، من خلال التحول في استخدام الرموز وتكثيفها، كلها تعبر عن تغير في الحالة الوجدانية للشاعر، فيستحضر ما يناسبه وما يجد فيه توحداً بين ذات الشاعر والرمز:
لا تلمس رداء المندائي الميت
المنشور على حبل النور
لأنه خرج تواً
من النهر
وينمو العشب
هكذا قال رجل الدين
ومضى يمجد يحيى
يحيى
الذي وضع رأسه على حجر
في الطريق
يحدث الملك البابلي
ويكون السبي ليهوذا
الأول
البرونايا
خمسة أيام بيضاء
للملائكة
الموروث الديني للصابئة
هذا النص يتحدث عن الموروث الديني للصابئة المندائيين في برونايا (برونايا هو احتفال ديني يقيمه الصابئة المندائيون)، وهم فرع من الديانات السامية، ويُعتبر برونايا من الأعياد الرئيسة في ديانتهم. يتميز هذا الاحتفال بالتركيز على النقاء والتجديد الروحي، إذ يرتدي المشاركون ثيابا بيضاً ترمز إلى النقاء والبراءة.
يعتبر برونايا أيضاً فترة من التأمل والتفكير في الحياة الروحية والتحول الشخصي. تجري خلال هذا الاحتفال قراءة الصلوات والأدعية، وتناول الطعام المشترك، والتفاعل مع أفراد المجتمع الديني.
تتنوع طقوس برونايا حسب التقاليد والممارسات الدينية لكل مجتمع مندائي، وتعكس قيمه ومعتقداته الخاصة. في النص الذي قدمته، يُظهر الاحتفال ببرونايا كفترة زمنية مقدسة مرتبطة بالنور والروحانية والتواصل مع العوالم السماوية.
الضوء والملائكة
يصف لنا الشاعر في هذا النص تفاصيل هذه الاحتفالية والمعتقدات المرتبطة بها، مثل ارتداء الثياب البيض واستقبال النور والحياة الجديدة، كما يشير إلى الرموز والمفاهيم الدينية المهمة لدى الصابئة المندائيين، مثل النهر والضوء والملائكة. كما أن في النص توظيفاً للرموز الدينية بشكل مميز لتعزيز الطابع الديني والروحاني لاحتفالية البرونايا. على سبيل المثال:
الرداء الأبيض يرمز إلى النقاء والبراءة، ويعتبر رمزاً للتجديد والتحول الروحي. النهر والعشب اللذان يمثلان رمزين للحياة والنمو الروحي والحيوية، الملك البابلي والسبي ليهوذا اللذان يشيران إلى الأحداث التاريخية المرتبطة بتاريخ الديانة المندائية وتجاربها، الملائكة والنور يعبران عن الروحانية والقرب من الله، ويشيران إلى التواصل مع العوالم السماوية، البرونايا وخمسة أيام الضياء ترمز إلى الحدث الديني المهم والمقدس، وتظهر كمظهر للتجديد والبداية الجديدة.
باستخدام هذه الرموز، يجري تعزيز النص بالعناصر الدينية التي تميز الاحتفالية (البرونايا) وتعكس المعتقدات والقيم الروحية للصابئة المندائيين.
النص يتميز بإيقاع داخلي يعتمد على التكرار والتشبيهات واستخدام الجمل القصيرة. يتمثل الإيقاع في تكرار العبارات والكلمات المهمة مثل (البرونايا) و(النور) و(الثياب البيض)، التي تشير الى التركيز على موضوع الاحتفالية الدينية. كما تستخدم التشبيهات مثل (ثياب بيض / رسائل من عالم السواد) لخلق تباين بين النقاء والظلمة، ما يعزز التأثير الروحاني للنص. علاوة على ذلك، يستخدم النص الجمل القصيرة بشكل متكرر مثل “يحيى” و”برونايا”، التي تسهم في إيقاعه وتجعله أكثر قوة وتأثيراً على القارئ.
روحانية النص تتجلى من خلال استخدامه للرموز الدينية والتشبيهات الروحية، ما ينقل القارئ إلى عالم ديني متعمق ومفعم بالتأمل والتسامح. يتناول النص موضوع الاحتفالية الدينية برونايا بطريقة تعكس الإيمان والتفاؤل بالحياة الروحية والنور الذي يجلبه الدين إلى الحياة. يبرز النص أيضاً قيم النقاء والتجديد والتحول الروحي من خلال الرموز مثل الثياب البيض والنهر والعشب، ويعزز التواصل مع العوالم السماوية من خلال ذكر الملائكة والنور. بالإضافة إلى ذلك، يسلط النص الضوء على التاريخ الديني والتجربة الروحية للصابئة المندائيين من خلال ذكر الملك البابلي والسبي ليهوذا. كل هذه العناصر تجعل النص ينبثق بروحانية تعكس الإيمان والتفاؤل بالحياة والتواصل مع العالم الروحي.
بوابات النور
وفجر الحياة
السنة المندائية ٣٦٠
يوماً
وأضفتها أنا
خمسة أيام البرونايا
لتكون متصلة بالضياء
لا يمر فيها الظلام
ثياب بيضاء
رسائل من عالم السواد
الى ملكوت النور