الكتابة والرياضة

78

أحمد سعداوي

يقول الروائي الياباني الشهير هاروكي موراكامي، في كتابه (ما أتحدث عنه حين أتحدث عن الجري)، إن “الألم حتمي، لكنّ المعاناة اختيار.” وهي عبارة مثيرة للتأمل تنطبق على قضايا كثيرة في الحياة. وفي سياق الكلام عن رياضة الجري، فإن الركض لمسافات طوال يسبّب الألم، لكن احتماله أو عدم احتماله عائد الى العدّاء نفسه، بحسب موراكامي.
يلخّص موراكامي في الكتاب فكرته الأساسية عن رياضة الجري فيقول “إن كنت تنوي أن تعيش سنواتك بسعادة، فالأفضل أن تحياها بأهداف واضحة، وأن تكون حيّاً بمعنى الكلمة على أن تحياها مشوّش الفكر، وأنا أؤمن أن ممارسة الجري تساعدك في ذلك.”
لم يترك لنا الكثير من الكتّاب حول العالم إشارات واضحة عن ممارستهم للرياضة بجوار الكتابة، وربما موراكامي هو من الأمثلة القليلة على ذلك، فهو مواظب على رياضة الجري ويشترك بماراثونات داخل اليابان وخارجها، ويعزو إليها قوّته البدنية وصحّته الممتازة.
غالباً ما ترتبط الكتابة بأجواء العزلة وعدم الاختلاط، وتُستخدم صور للكاتب التشيكي الكبير فرانتز كافكا بشكل معتاد في الصحافة ومواقع التواصل للإحالة الى شخصية كئيبة تقيم في الظلال الشاحبة. وباستدعاء يوميات كتّاب آخرين، بجوار كافكا، الذي مات بمرض السلّ، مثل ديستويفسكي وفرجينيا وولف، وفلاسفة مثل شوبنهاور ونيتشه، ترتسم علاقة تبدو وثيقة بين الكتابة والإبداع والعبقرية مع الكآبة والمرض الجسدي أو النفسي.
على الجانب الآخر، يمكن أن تجد شخصيات انبساطية تبتسم في الكثير من صورها، وحتى في لقاءاتها التلفزيونية القليلة، وتروي مفارقات مضحكة عن الحياة وطقوس الكتابة، مثل غابرييل غارسيا ماركيز، الذي قدّم تصوراً مضاداً لفكرة شائعة عن ارتباط الكتابة بالمعاناة، قائلاً: “من قال إن على الكاتب أن يعاني من الجوع والفقر ليكتب بشكل جيد؟ أقول إنه ينبغي على الكاتب أن يأكل جيداً ويعيش جيداً ليكتب جيداً.” على الرغم من هذا التصور الإيجابي غير الكئيب، فإن علاقة ماركيز مع الرياضة قد تكون بمتابعة مباريات كرة القدم التي يفضّلها، كما هو معروف عنه.
أما الكاتب الذي لديه علاقة فعلية مع كرة القدم فهو ألبير كامو، الذي كان يلعب حارساً للمرمى في شبابه، وقال ذات مرّة: “كل ما أعرفه عن الأخلاق والالتزام أدين به لكرة القدم.”
الكاتب الأشهر بعلاقته مع الرياضات المختلفة هو أرنست هيمنغواي، الذي مارس الملاكمة في شبابه والصيد بأنواعه، وانعكست هذه التجارب على مؤلفاته الروائية والقصصية.
كان الكاتب التركي يشار كمال يقول إن أول شيء يفعله بعد الانتهاء من رواية جديدة هو الذهاب إلى الطبيب وإجراء فحوصات طبية شاملة، وغالباً ما يجد أن وضعه الصحي قد تردّى، ويحاول بعدها التشافي، لأن الكتابة، على ما يبدو، بالإضافة الى أنها تستوجب ساعات طوال من الجلوس والعزلة، فإنها تعتاش على العادات الغذائية والصحيّة السيئة.
لكن، إن كانت الكتابة تستوجب الجلوس، فإن انبثاق الأفكار الخلاقة التي سنكتبها لاحقاً قد لا يأتي من وضع الخمول، وإنما من الحركة والنشاط، على وفق كلمة لنيتشه “وحدها الأفكار التي تأتينا ونحن نسير، هي العظيمة، ذلك أن الجلوس هو الخطيئة الكبرى ضد الروح.”
من أجل أفكار عظيمة، ومن أجل كتابة تصدر عن جسد سليم وروح نشطة، تعالوا نجري ونهرول مع موراكامي.