تكلّفه خسائر كبرى ولا تنسجم مع برنامج حكومة السوداني هل يوقّع العراق اتفاقيات “تجنُّب الازدواج الضريبي”؟

132

إياد عطية/

دخلت اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي بين العراق والدول الاخرى التي يجري الإعداد لتوقيعها أولا مع الكويت، دائرة الجدل فقد شهد البرلمان تحركات واسعة لرفض هذه الاتفاقية التي ستكلّف العراق ملايين الدولارات بحسب مختصين بالشأن الاقتصادي، الذين يعتقدون أن هذه الاتفاقية غريبة؛ فهي تفرط بشكل غير مبرر بمستحقات العراق المالية.
والغريب أن هذا القانون يأتي في الوقت الذي ترتفع فيه قيمة الضرائب المفروضة على العراقيين، وهو أمر غير معقول أن تزيد الحكومة الضرائب على كاهل شعبها، وترفعها عن شركات أجنبية تجني أرباحا ضخمة في غير بلدها.
حراك برلماني
النائب في البرلمان كامل العكيلي وصف هذه الاتفاقية بأنها غير مبررة وترعى مصلحة الدول الاخرى ضد مصلحة واضحة للشعب العراقي، واذا ما تمت هذه الاتفاقية فإنها ستكلّف الخزينة عشرات الملايين من الدولارات، واذا مرر قانون تجنب الازدواج الضريبي مع الدول التي لديها شركات عاملة في العراق فإنه سيجعل هذه الشركات تدفع ضرائب في بلدها هي أصلا من حقّ العراق ويعني
أن هذا القانون سيوفر لها العمل بالمجان.
واشار الى أن البرلمان مصمم على الوقوف بوجه هذه الاتفاقية لأنها بالضد من مصلحة الشعب العراقي.
وبينما تتضاعف الضرائب على المواطن العراقي يأتي قانون يحمي الشركات الاجنبية من الضرائب وهو أمر غريب ومناقض لكل المبادئ الاقتصادية ويضر إضرارا مباشرا بالاقتصاد العراقي، لا سيما أن العراق لا يمتلك شركات كبرى تعمل في هذه الدول التي يريد إبرام هذه الاتفاقية معها.
معادلة غير عادلة
وقد حذر رئيس كتلة النهج الوطني (الفضيلة) السابق، عمار طعمة، من التصويت على اتفاقية “تجنّب الازدواج الضريبي” مع الكويت، لـ”تضييعها إيرادات بعشرات ملايين الدولارات سنويا”.
والحق أن مشروع هذا القانون مبني على معادلة غير عادلة ومجاملة لا معنى لها على حساب حقوق الشعب العراقي من دول لم تسامح العراق بدينار واحد على تعويضات دفعها العراقيون في حروب لا يتحمّلون وزرها.
وقال طعمة في بيان حصلت الشبكة العراقية على نسخة منه: إن كتلة “النهج الوطني” في البرلمان العراقي ترى أن المضي بالتصويت على اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي مع الكويت سيحرم البلاد من إیرادات تُقدّر بعشرات ملايين الدولارات سنويا.
اتفاقية مشبوهة
من جهته قال رئيس الكتلة البرلمانية احمد الربيعي خلال مؤتمر صحفي عقده بمبنى البرلمان: إننا سنواجه هذه الاتفاقية وندعو البرلمان الى عدم التصويت عليها.
وأوضح أنه “وفقا لهذه الاتفاقية فإن الشركات الكويتية المستثمرة في العراق ستُعفى من دفع الضريبة المترتبة على أرباحها التي تستحصلها من نشاطها الاستثماري والتجاري في العراق ومن أمثلة ذلك شركة ( كويت – إنرجي)، وكذلك الحال مع الشركات الكويتية العاملة في رخصة الهاتف النقال فإن ضريبة أرباحها سيتم إسقاطها وفقا لهذه الاتفاقية”.
كما أشار الربيعي إلى أن “شركات الخطوط الجوية الكويتية التي تعمل داخل العراق وتستحصل أرباحا من عملها هذا، فإنها سوف لن تدفع ضريبة عن أرباحها اذا كان مركز إدارة تلك الشركة الفعلي متواجداً في الكويت”.
وأكد أن هذه الاتفاقية تمنح امتيازات كبيرة تصب كلها في صالح جنسيات أخرى تنتفع من تشريع القانون على حساب مصالح العراق الاقتصادية، لافتا الى أن القانون الكويتي لضريبة دعم العمالة الوطنية رقم ۱۹ لسنة ۲۰۰۰ الذي يساوي مواطني دول مجلس التعاون بالمواطنين الكويتيين سيتيح لأي مواطن خليجي يتواجد مركز شركاته في الكويت ويمارس نشاطاً اقتصادياً في العراق الاعفاء من دفع الضريبة عن أرباح نشاطه الاقتصادي للسلطات العراقية ويدفعها لدولته، بمعنى أن المستثمرين السعوديين والاماراتيين والقطريين سينتفعون من امتيازات هذه الاتفاقية حتى وإن لم تكن دولهم قد عقدت مع العراق اتفاقيات مماثلة.
كواليتي نت
وبحسب مختصين فإنَّ هذه الاتفاقية ستتيح لشركة «كواليتي نت»، المزوّد الأول لخدمات الانترنت وخدمات الاتصالات المعلوماتية الكويتية التملص من دفع ضرائب كبيرة للعراق تصل الى عشرات الملايين، لاسيما أن الشركة تعمل في العراق من شماله الى جنوبه وتحقق أرباحا كبيرة لا يمكن أن تحققها؛ لا في الكويت ولا في أي دولة خليجية والامر نفسه ينطبق على شركة الخطوط الكويتية والشركة المزودة لوقود الطائرات في مطار بغداد وشركة زين للاتصالات.
وتقول شركة كوالتي إنه بموجب هذا الترخيص يحق لشركة «كواليتي نت» تقديم كل خدمات الاتصالات المعلوماتية من خدمات ربط وشبكات وانترنت لقطاعي المؤسسات والإفراد.
الفائدة المرجوة
ويؤكد اقتصاديون أن اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي بين العراق والكويت ستحرم الخزينة العامة للدولة من إيرادات بعشرات ملايين الدولارات سنويا، ووفقا لهذه الاتفاقية فإن الشركات الكويتية المستثمرة في العراق ستعفى من دفع الضريبة المترتبة على أرباحها التي تستحصلها من نشاطها الاستثماري والتجاري في العراق ومن أمثلة ذلك أن شركة (كويت – إنرجي) العاملة في جولات التراخيص النفطية التي يفترض أن تدفع (35٪) من أرباحها للدولة العراقية، ومع تصويت البرلمان على هذه الاتفاقية فإن عشرات ملايين الدولارات ستخسرها الدولة العراقية، وكذلك الحال مع الشركات الكويتية العاملة في رخصة الهاتف النقال فإن ضريبة أرباحها سيتم إسقاطها وفقا لهذه الاتفاقية.
وقال الخبير الاقتصادي خالد العضاض: إن اتفاقية الازدواج الضريبي هي إحدى النقاط التي أكدت عليها منظمة التجارة العالمية، لتسهيل الأعمال بين الدول والشركات العاملة في أكثر من دولة، وهي بالنتيجة تحقّق معاملة عادلة للشركات الكبرى في مختلف القطاعات، بيد أنه أشار الى أن هذا النوع من الاتفاقيات يجري بين دول تملك شركات كبيرة، وبالنسبة للعراق فليست لديه شركات كبرى تعمل في دول الخليج او الدول المجاورة بعكس هذه الدول، فغياب المصلحة العراقية واضح وخسارة العراق من هذه الاتفاقية واضحة لا شك، وثمة وهم كبير يتعلق بقدرة هذه الاتفاقية على تسهيل العمل وجلب الاستثمارات وهذا أمر ليس صحيحا.
واشار الى أن العراق اذا امتلك شركات كبرى ونظاماً ضريبياً جيداً فيمكنه الانضمام لهذا النوع من الاتفاقيات، لأنه سيعوّض خسارة ضرائب الشركات الاجنبية العاملة بتحقيق مكاسب ضريبية للشركات العراقية، ومساعدتها على العمل في الخارج، لكن أين هي شركاتنا الآن؟
ولهذا فأنا أضم صوتي بقوة الى الأصوات الرافضة لهذه الاتفاقية التي لا يوجد أدنى شك بأنها ستكبّد العراق خسائر كبيرة، ولاسيما اذا جرى توسيعها وهو أمر ممكن مع دول اخرى تعمل شركاتها في العراق.
وبيّن العضاض أنّه عندما يمنح المستثمر غير العراقي ميزة عدم دفع الضريبة داخل العراق فإنَّ ذلك سيجعل تنافس المستثمر العراقي معهم أضعف باعتبار أن أرباحه ستتأثر بدفعه الضريبة بينما لا يدفع المستثمر غير العراقي مثل هذه الضريبة”.
وفي هذا الصدد، كشف الخبير الاقتصادي، وأستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، عن اتفاقية سيتم المصادقة عليها قريبا في البرلمان ستكلّف العراق خسائر سنوية تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
وقال المرسومي في تدوينة: إن “اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي بين العراق والكويت التي ستتم المصادقة عليها قريبا في البرلمان تعني أن أرباح الشركات الكويتية العاملة في العراق مثل شركات زين وكويت انرجي وكواليتي نت وغيرها لن تخضع لقانون الضرائب في العراق وستدفع ضرائبها في الكويت”.
وأوضح “ما يعني خسائر سنوية للعراق تقدر بمئات الملايين من الدولارات وهو ما سيفتح المجال لدول أخرى لعقد مثل هذه الاتفاقيات التي تتعارض مع البرنامج الحكومي للسوداني الذي يستهدف زيادة الإيرادات غير النفطية الى 20% خلال 3 سنوات”.
ثمة إجماع عريض على أن هذه الاتفاقية بالضد من مصالح العراق، لهذا ينبغي أن تتكاتف جميع الجهود للحيلولة ضد تمريرها.
الخارجية تعقد اتفاقيات
وفي الواقع فإنَّ العراق سبق وأن وقّع عددا من الاتفاقيات مع دول اوروبية بشأن تجنب الازدواج الضريبي، وعلى ما يبدو فإن الحكومة مقتنعة بأن هذا القانون الذي تنتهجه أغلب الدول يساعد على المزيد من التعاون التجاري ويرفع فرص الاستثمار في البلاد.
وكان مجلس الوزراء قد قرر بجلسته الاعتيادية الثانية المنعقدة بتاريخ 13/1/2015 الموافقة على تخويل وزير المالية هوشيار زيباري صلاحية التفاوض والتوقيع على مشروع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب من دفع الضرائب المفروضة على الدخل ورأس المال بين العراق والسنغال.
وتقول وزارة الخارجية إنها حصلت على الضوء الاخضر منذ العام 2013 لتوقيع اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي مع الدول التي ترتبط بعلاقات مع العراق وتتحقق فيها الفائدة المشتركة للطرفين.
ووفقا لدائرة شؤون مجلس الوزراء لمكتب الإعلام والاتصال الحكومي فإن التوقيع على مشروع الاتفاقية سيكون بصيغته المعدلة من قبل مجلس شورى الدولة استنادا إلى أحكام المادة 80 البند سادسا من الدستور.
وتضمن القرار قيام وزارة الخارجية بإعداد وثيقة التخويل اللازمة باسم حكومة جمهورية العراق لوزير المالية وفقا للسياقات المعتمدة ورفعها إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء من أجل استحصال توقيع رئيس مجلس الوزراء.