جهود عراقية لمكافحة ظاهــرة الاتجـــار بالبشـــر

183

بغداد ـ طه الحسني/
كثفت حكومة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني جهودها على مختلف الصعد، ولاسيما في مجال إنفاذ القانون، بهدف السيطرة على الأعمال التي تصنف في مواقع الاتجار بالبشر، وذلك من خلال إصدار القانون العراقي لمكافحة الاتجار بالبشر لعام 2012 الذي يجرّم العمل القسري وبعض أشكال الاتجار بالجنس.
بعد سقوط النظام السابق، وجد العراقيون أنفسهم في فوضى عارمة أدت الى غياب القانون الذي لم تتمكن القوات الأمنية، كونها الذراع القوية المسؤولة، من تطبيقه بسبب استنزافها طاقتها في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية المتطرفة.
لذلك طفح نتيجة ذلك العديد من الظواهر السلبية والممارسات الممنوعة والخطيرة والدخيلة أيضاً على مجتمعنا المحافظ بطبعه على التقاليد والأعراف الاجتماعية، فقد انتشر بصورة سريعة وعلنية العديد من الممارسات الشاذة التي تصنف ضمن مواقع الاتجار بالبشر، لعدم وجود رادع قانوني أو ديني أو اجتماعي يمنع انتشارها، لذا باتت هذه الممارسات تشكل خطراً جسيماً على المجتمع، ومن بينها تجارة المخدرات وتهريب الأموال وغسلها، الى جانب الاتجار بالبشر وأعضائهم والدعارة، وغيرها من الأفعال الإجرامية التي باتت تؤرق مؤسسات الدولة بكل مفاصلها.
سرقة في وضح النهار
المواطن (علي سلمان الطائي) ذكر في حديثه مع “مجلة الشبكة” أن “أحد أقربائه قد تعرض في بداية العام 2004 الى سرقة أحد أعضاء جسمه، بعد دخوله أحد المستشفيات الأهلية لإجراء عملية الزائدة الدودية، ليفاجأ بوجود جرح كبير في الجهة اليمنى القريبة من أسفل ظهره، وبعد إجرائه الفحوصات المطلوبة تبين له أن الطبيب قام باستئصال كليته اليمنى، بالإضافة الى عملية رفع الزائدة الدودية. وبعد استيعاب الصدمة ذهب الى المستشفى ليسأل الطبيب المعالج عن السبب وراء إجراء عملية الاستئصال، ليجيبه هذا الطبيب (متحججاً) بأنه لاحظ وجود بداية ورم خبيث فيها ما استدعاه لإزالتها بالكامل خوفاً من انتشاره، ليتضح فيما بعد ضلوع ذلك الطبيب بعمليات بيع وشراء الكلى لمرضى الفشل الكلوي.”
تهديد للسلم المجتمعي
المواطن (حامد عبد الغني جليل) ناشد من خلال “مجلة الشبكة” المسؤولين في الأجهزة الأمنية “تشديد الرقابة على تلك العصابات من أجل القضاء عليها، والحد من انتشار هذه الجرائم الخطيرة التي باتت تشكل تهديداً حقيقياً على المجتمع.” مبيناً أنه “فقد ابنه الذي كان يبلغ العاشرة من العمر في حينها، عندما أرسله للتسوق من أحد الأسواق الواقعة في الشارع العام القريب من داره في إحدى مناطق بغداد في العام 2008، لتختفي بعدها آثار ابنه من الوجود، وبعد بحث استمر لعدة أسابيع تمكن من العثور على جثته في الطب العدلي بعد أن قام الجناة بخطفه وسرقة أعضائه البشرية ومن ثم التخلص من الجثة عن طريق رميها في إحدى الساحات الفارغة البعيدة عن الأنظار.”
استعباد البشر
إضافة الى ذلك، شخص العديد من المراقبين وجود مجموعات تتاجر بالعمال من دولتي بنغلادش والباكستان، وتقوم ببيعهم الى المحال التجارية لاستخدامهم في العمل مقابل مبالغ زهيدة، ويتعرض هؤلاء العمال الى الكثير من الإذلال والتعسف وسرقة جهودهم. كما لاحظ المراقبون أن هذه العصابات التي تتاجر بالبشر استغلت الظروف التي تعيشها سورية الشقيقة وقامت بجلب النساء والأطفال السوريين وتوزيعهم في الساحات والشوارع واستخدامهم في أعمال التسول مقابل أجور زهيدة.
قوانين صارمة
المستشار القانوني الدكتور (علي المشهداني)، أستاذ القانون الجنائي، أوضح في تصريح لـ “مجلة الشبكة” أن “الحكومة العراقية عززت جهودها العامة في مجال إنفاذ القانون، وذلك من خلال إصدار القانون العراقي لمكافحة الاتجار لعام 2012، الذي يجرّم العمل القسري وبعض أشكال الاتجار بالجنس، ويشترط بما لا يتسق مع تعريف الاتجار وفقاً للقانون الدولي، مع وجوب توافر عنصر العنف أو الاحتيال أو الإكراه كي يعتبر جريمة اتجار بالأطفال لأغراض الاستغلال الجنسي. وينص قانون مكافحة الاتجار على عقوبات تصل إلى السجن لمدة 15 عاماً وغرامات بالنسبة لجرائم الاتجار التي تتعلق بضحايا بالغين من الذكور، وتصل إلى السجن مدى الحياة وغرامة إذا كانت الجريمة تتعلق بأنثى بالغة أو ضحية من الأطفال، وقد كانت هذه العقوبات صارمة بما فيه الكفاية.”
الحاجة إلى لوائح لتطبيق القانون
أضاف الدكتور المشهداني أنه “فيما يتعلق بمسألة الاتجار لأغراض الاستغلال الجنسي، فهي تتناسب مع العقوبات المقررة لجرائم خطيرة أخرى، مثل الاغتصاب، حيث تُجرم المادة 399 من قانون العقوبات (بغاء الأطفال)، وتنص على عقوبة تصل إلى السجن لمدة 10 سنوات، وهي عقوبة صارمة بما فيه الكفاية، مع أنها لا تتناسب مع العقوبات المنصوص عليها بالنسبة لجرائم الاغتصاب.” مشيراً الى أن “الحكومة ما زالت تفتقر إلى لوائح لتطبيق قانون مكافحة الاتجار، الأمر الذي أعاق قدرتها على تطبيق القانون، وتقديم المتاجرين إلى العدالة، وحماية الضحايا، كما أن وزارة الداخلية قدمت مسودة لتعديل قانون مكافحة الاتجار لعام 2012 شملت أحكاماً لإنشاء محكمة مختصة في كل مجال قضائي استئنافي، وإنشاء صندوق دفاع قانوني لمساعدة الضحايا واشتراط إحالة الضحايا كافة إلى ملاجئ تديرها الدولة والسماح بإصدار تأشيرة إقامة لكل ضحايا الاتجار، وحظر معاقبة الضحايا على أية تهم جنائية ناجمة عن الاتجار بهم، وتشديد العقوبات القانونية على جرائم الاتجار بحيث تسمح بمصادرة الأصول المملوكة للجناة.”