مطاعــــــــــم ومحال تستولـــــــــي على شوارع العاصمة

186

ذوالفقار يوسف تصوير: حسين طالب/

إنه ليس حواراً في أحد أفلام الأكشن التي نشاهدها في التلفاز، ولا نصاً في رواية ما، بل هو مشهد واقعي يدور يومياً بين أي مواطن عراقي ومالك أحد المطاعم أو المحال التجارية الموجودة في العاصمة بغداد. لم أستمر في نقل ما حدث، فكلنا نعرف ما سوف يؤول إليه الأمر في نهاية المشهد، فما الحل يا ترى؟ يبالغ أصحاب المحال التجارية والمطاعم المنتشرة في العاصمة بغداد بأنانيتهم المفرطة كلما تعلق الأمر بمكاسبهم، فبعضهم يتصور أن الرصيف والشارع المقابل لمحله من أملاكه الخاصة، وآخر يعلم بفعله الخاطئ لكنه يستمر مع ذلك، بعضهم ينعدم فيهم حس المسؤولية تجاه البلد، لذلك فإنك كلما جادلت أحدهم عن أن هذا الشارع هو ملك للدولة، يجيبك بسخرية “هي وينها الدولة اللي تحجي بيها؟” أما آخرون فقد تعكزوا على بعض المتنفذين في الحكومة ليمنعوا المواطن بحجة أنهم قد أخذوا الإذن من الجهة الحكومية الفلانية، فمن يخلص الشعب من هذه الظواهر المستحدثة؟
الدولة تشكو الشعب!
صار المواطن العراقي ملك النقد كلما تعلق الأمر بحكومته، لكن هذه المرة نرى العكس عندما يتعلق الأمر بحق الدولة على الشعب في النظام وتطبيقه. (تحسين الشمري – 43 عاماً) يقص علينا واقعته مع هؤلاء ليعطي الجهات المسؤولة الدليل القاطع على مفتعلي هذه الظاهرة ويقول: “كنت في أحد الأيام ماراً بمنطقة الكرادة – داخل في العاصمة، واقتضى الأمر أن أركن عجلتي أمام أحد المطاعم في الشارع الرئيس، قاصداً محلاً للصيرفة في الشارع المعاكس، ولأن الاستدارة بعيدة جداً، حاولت العبور مشياً وتركت سيارتي، إلا أنني فوجئت بأحدهم صرخ بي وهو يقول: “طلّع سيارتك صديقي، ممنوع توكف هنا.” أجبته بأنني لن أتأخر سوى دقيقتين فقط، ليجيبني بمبرراتهم المعهودة “أخي، هذا المكان مخصص فقط لزبائن المطعم، وإذا أتى أحدهم ولم يجد مكاناً خاصاً لعجلته سوف يذهب إلى مطعم آخر، وبهذا أخسر زبائني، حاول أن تجد مكاناً آخر لتصفّ فيه عجلتك.” ابتسمت وقلت له: “لقد دام حديثك أكثر من دقيقتين، افعل بالعجلة ما شئت.” لذلك ركنت عجلتي في ملك الشعب وذهبت نحو مقصدي.
أكسسوارت الشارع
وبالرغم من أن تحسيناً ركن عجلته رغماً عنهم، لكنه كان محظوظاً لوجود مكان له ليقوم بذلك. اما (آية محمود – 33 عاماً) المغلوبة على أمرها، فقد واجهت نوعاً آخر من مفتعلي هذه الظاهرة، ولكن بتطور واحترافية أكبر مما عهدناهما منهم، فها هي أصوات أبواق السيارات تعزف أناشيد الغضب كلما خففت آية السرعة لتجد مكاناً لعجلتها تقف فيه، تحدثنا بوجع ممزوج بالغضب وتقول: “زادت العلامات التحذيرية في هموم المواطن العراقي بعد أزمات الزحام التي يواجهها، فهذا قد نصب علامة كتب عليها (الوقوف ممنوع)، وآخر كتب (موقف خاص)، أما بعضهم فقد اكتفى بكتابة اسم المحل أو المطعم، فإلى أين نذهب؟! هل الحكومة راضية عن هذه الظاهرة، إذ لابد من محاسبة كل من يقوم بذلك، فالوطن للجميع.”
خام برنت
ومثل آية (ماجد الموسوي – 25 عاماً) الذي جعلنا نبتسم حين قص علينا واقعة حدثت له تتعلق بصلب موضوعنا، إذ قال: “الشارع مليء بالوحوش وليس البشر، فهناك من يريد أن يسبقك عند التقاطعات، وآخر يحاول أن يأخذ مكانك كلما أردت أن تركن عجلتك. هذا ما أعانيه كل يوم عند خروجي بالسيارة، لكن في أحد الأيام أدهشني ما رأيت، فعندما أردت أن أقف بسيارتي أمام أحد محال بيع المستلزمات الرياضية، وجدته وقد وضع على الشارع المقابل لمحله براميل نفط مليئة بالرمل، لذا ركنت سيارتي في مكان آخر، وتوجهت إلى صاحب المحل بالسؤال “أخي.. ليش مخلي براميل متروسة رمل عالشارع، شلون إذا أريد أطبك سيارتي واشتري منك؟” فأجابني “إذا صففت سيارتك مقابل محلي فمن سيراه حينها، سوف أجازف وأبيع لمن يأتي إلى محلي ماشياً على قدميه فقط!”
شارع عشرة
وينقسم تخطيط الشوارع في بغداد إلى عدة أنواع، فمنها ذو العشرين متراً، وآخر ذو الثلاثين، لكن هناك نوعاً آخر من الشوارع الذي لا يحبه كل شخص يسكن بغداد ويمتلك عجلة، وهو الشارع الذي يكون بعرض عشرة أمتار، الأصعب من ذلك أن مثل هذا النوع من الشوارع يكون رئيساً وتجارياً، وها هو شرطي المرور (الذي رفض ذكر اسمه لأسباب تخص مديريته)، يحكي لنا معاناته مع أصحاب المحال التجارية في شارع المشاتل الواقع في منطقة الأعظمية، ويؤكد “أن أصحاب المحال هناك يرفضون التعاون معنا عندما يتعلق الأمر بالعجلات التي تقف أمام محالهم، لذلك ترى أن الزحام لا يفارق هذا الشارع، وبرغم العقوبات والغرامات التي نفرضها على هؤلاء إلا أنهم يستمرون بنفس الفعل كل مرة.”