من مطبخ عاشوراء.. الهريسة ثواب وتحقيق مراد

828

#خليك_بالبيت

انجي محمد /

مهما كانت الظروف التي مرت بالعراق عامة وكركوك خاصة، كان وما يزال الإمام الحسين (ع) يوحّد الجميع في الحزن الذي يكون دافعا إلى الارادة والاصرار وفي تهيئة أطباق المأكولات وتوزيعها سواء بين المواكب أو على الجيران كثواب لأبي عبد الله الشهيد وآل بيته الاطهار وصحبه الميامين الذين استشهدوا معه في واقعة الطف المؤلمة.
المعروف في كركوك والمحافظات الشمالية، تكون الهريسة الطبق الاساسي وإن بدأ البعض مؤخرا يحضر القيمة والتمن أيضا، وكما يتباهى النجفيون بأن القيمة التي يطبخونها لا يُعلى عليها، فان الكركوكليين يتباهون بالهريسة التي يحضرونها في ليلة التاسوعاء من محرم ليتم توزيعها يوم عاشوراء ومن ثم كل جمعة حتى الاربعينية. ولا بدّ من القول إن أهالي كركوك بمختلف دياناتهم ومذاهبهم يشاركون في تحضير الهريسة وطبخها سواء في المساهمة بمكونات الطبخة او في العمل وحتى حين منعت سلطات النظام السابق شعائر إحياء عاشوراء، كان الجميع يحيونها سرّاً وكانت الهريسة تحضر داخل البيوت وليس علنا كما هو الآن وكانت توزع بين الجيران.
تاريخيا
واستنادا إلى الروايات المتوارثة، فإن السيدة زينب (عليها السلام) حين أنهك الجوع (السبايا) وبينهم الصغار في الشام، قامت بتجميع الحبوب في الموقع الذي احتجزوا به ورغم قلتها، طبخت لهم طبقا يشبه الهريسة وذلك في سنة (٦١ هجرية) بعد استشهاد الحسين وآل بيته وأصحابه (عليهم السلام) ومنذئذ أصبحت الهريسة فقرة من فقرات شعائر إحياء واقعة الطف . علما أن المصادر التاريخية تقول إن ما تشبه الهريسة كانت تطبخ في العراق، لا سيما أن الحضارات العراقية القديمة كانت أول من أوجدت القرى وزراعة الحنطة، المكون الاساسي الهريسة.
هريسة عاشوراء
الهريسة طبق يتناوله العراقيون على مدار السنة، لكنها في عاشوراء تختلف كمية وإضافة بعض المكونات الاخرى. وإن كان طبق الهريسة الاعتيادي يتكون من الحبية (القمح المقشر والمسلوق والمجفف) والحمص والماء وتقدم بعد رشّ الدارسين عليها وصب سمن حار وهناك من يتناولها برش السكر عليها، ففي عاشوراء، أولا الكمية تكون كبيرة وتطبخ في قازان الذي نشاهد العشرات منه أمام الحسينيات والمساجد والبيوت، وكل قازان، حسب الحجم، يستوعب ١٠-١٥ كيلو غرام حبية ويضاف اليها كيلو عوامات من اللحم وبضعة كيلوغرامات من الحمص وتختلف هريسة عاشوراء في كركوك بإضافة كميات من الجوز واللوز بقشورها والزبيب. يتم تنقيع الحبية والحمص لفترة محدودة ثم توضع مع باقي المكونات في القازان بعد انتهاء صلاة العشاء وتكون النار قوية، وهناك من يستخدم الحطب، ويتم مزج المكونات بالمدراخة.
المراد
ومن يريد طلب مراد (رجل أو امرأة) يقوم بدرخ المكونات لمرات عدة باتجاه عقرب الساعة وهو يطلب مراده بأدعية وينهيها بقوله: (بجاه النبي والأئمة الأطهار، عليهم جميعا الصلاة والسلام)، أما الذين تحقّق مرادهم فيساهمون بالمكونات ومن بينها الجوز واللوز والزبيب، او يقومون بطبخ قازان هريسة خاصة بهم، وعند التوزيع، الذي يجد في صحنه حبات جوز أو لوز، يحتفظ بها للبركة في أمواله.
ورغم حزن ليلة التاسوعاء، لكن التحضير الجماعي لقازانات الهريسة وترديد الادعية والصلاة عن الائمة الاطهار وذكر ثورة أبي عبد الله الشهيد يخفف بعض ذلك الحزن الذي يوحد الجميع. ولا بدّ من الاشارة إلى أن الغالبية من الذين ساهموا بتحضير الهريسة هذه السنة كانوا ملتزمين بالارشادات الصحية لمواجهة كورونا، لا سيما التباعد الاجتماعي.
النذر
يتذكر أهالي كركوك هريسة السيدة المسيحية الراحلة (ام عباس) التي كانت قد نذرت أن تطبخ الهريسة وتوزعها في كل عاشوراء طوال حياتها بعد أن تحقق مرادها بإنجاب (عباس) بعد سنوات من مراجعة الاطباء. وفي هذه السنة ساهمت السيدتان أم عمر وأم كرار بشراء مكونات. الهريسة وإضافتها إلى قازان. جارتهما أم علي بعد أن تحقق مرادهما..أما السيدة أم علي فمثلها مثل الاف من النساء والرجال في كركوك يطبخون الهريسة ويوزعونها كثواب للإمام الحسين الشهيد ومن استشهد معه من آل بيته الاطهار وأصحابه (السلام عليهم جميعا).. وقال السيد أبو حيدر (٧٠ سنة) إنه ومنذ عقود يطبخ الهريسة كثواب، لكنّه في السنوات الاخيرة بدأ يطلب مراداً بأن يتخلص العراق من الفساد والمحاصصة وحين يتحقّق مراده فإنه نذر بمضاعفة الكمية التي يطبخها سنويا.