مجسّمات صغيرة وثقت معارك كبيرة

293

زياد جسام /

“صناعة المصغرات” فن صنّفه المتخصصون على أنه ينتمي إلى الحِرَف اليدوية، أكثر من كونه فناً تشكيلياً يعتمد على الموهبة، إذ يقوم هذا الفن على صناعة مجسمات صغيرة بحجم كف اليد، أو أصغر، تحاكي الواقع بتفاصيله الدقيقة.
المعروف عن هذا الفن أنه يستخدم في تصاميم العمارة التي تعرف بـ (الماكيت)، يصنعها المهندسون لتصغير المبنى من أجل توضيح تفاصيل البناء والواجهات وغيرها من الأمور قبل البدء بتنفيذ البناء الحقيقي، إلا أن بعض الفنانين حولوا هذا الفن إلى موضوع يحاكي قضايا إنسانية مهمة، أو ربما إيجاد حلول لبعض المشكلات التي تخص الإنسان، ومن هؤلاء الفنانين الفنان الكربلائي (رضوان ناصر)، فنان فطري تعلم هذا الفن بشكل عفوي فأجادَه ، إذ بدأ ممارسة هذا الأسلوب بصناعة المصغرات عام ٢٠١٥ وركز في نتاجاته على الآليات العسكرية وكل ما يتعلق بها من تفاصيل، مثل الطائرات والجنود والأبنية والشوارع، وذلك بسبب حبّه للعسكرية، إذ تزامن ذلك مع الانتصارات المتتالية للقوات المسلحة العراقية.
يصنع رضوان مجسماته من خامات مختلفة، مثل البلاستك والخشب وغيرهما، ويقوم بتركيبها وتلوينها وتعتيقها لتبدو أكثر واقعية، ثم يصنع لها الواقع المصغر، أو الجو العام، مثل البنايات والشوارع والأرصفة، أو الأرض الصحراوية وغيرها من المواضيع، وهذا ما يسمى “صناعة المصغرات والدايوراما العسكرية”.
نسبة وتناسب
يصنع رضوان ناصر –اليوم- مجسماته بشكل متكامل وبأحجام صغيرة تحاكي الواقع تماماً، لا تتعدى موضوعاته أحياناً حجم اليد، فهو يأخذ بنظر الاعتبار النسبة والتناسب في الأبعاد، فتجد حجم السيارة متناسباً تماماً مع الشارع أو البناية أو الشخوص، وفي أغلب الأحيان يستلهم هذا الفنان أفكاره من المعارك التي يشارك فيها باعتباره جندي مشاة، وهذا منحه خصوصية في الإنتاج النوعي.
لا شك في أن إنتاج الفن مرتبط دائماً بالإبداع مهما كان مستواه، فالقدرة على توظيف خامات بسيطة في محاكاة واقع موجود فعلاً ليتحول من الحقيقة إلى مجسم صغير، فإن هذا ليس بالأمر السهل، أما إذا كان المجسم من الخيال، فهذا يزيد المنتج جمالاً وإبداعاً، كما يمكن من خلاله محاكاة عوالم افتراضية، كثيرة أحياناً، تنفع في تجسيد أعمال سينمائية، وهو ما يحدث بالفعل.
مواقع التواصل
يخاطب رضوان ناصر جمهوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما يعرف بـ “السوشيل ميديا”، ولاقت صور أعماله أصداء كبيرة وانتشاراً واسعاً، إذ وثق من خلال أعماله في صناعة المصغرات معارك كبيرة ومهمة جداً في تاريخ العراق. والظريف في الموضوع هو أن الفنان رضوان كان أحد أفراد مقاتليها، ومنها معركة حصار مصفى بيجي ، أو معركة تحرير نينوى، كما وثق غالبية البطولات التي خاضتها القوات المسلحة العراقية.
ولأن فن المصغرات يعكس العمق الثقافي والإبداعي للمكان والمحيط المراد تصميمه، فإنه يمكّن الفنان من نقل حضارة بأكملها ويضعها بين يدي المتلقي، كمشهد من مشاهد الحرب كما أسلفنا، أو كمبني تاريخي قديم بكل تفاصيله، أو ربما زاوية من غرفة بسيطة في زمن مضى، لم تعد موجودة إلا في الذكريات.