الفنان حيدر أبو العباس أحلّق في سماء الفن حراً طليقاً..في الفن لا أخاف المغامرة وجاهز للتحدي..

670

حوار / محسن إبراهيم/
تصوير / علي الغرباوي/

طبيب وشاعر وممثل, يعتبر الطب قصة إنسانية، والشعر متنفساً لما يدور في خلجات النفس, منذ بواكير عمره الأولى سحره المسرح والتمثيل، فقرر أن يحلّق في أجوائه ليعتلي خشبة المسرح في سنيّ عمره الأولى., شارك في العديد من الأعمال المسرحية والتلفازية وحاز جوائز عدة. الفنان حيدر أبو العباس كان ضيفاً على مجلة “الشبكة العراقية”.
*استهلالة مشوارك الفني.. هل كانت بتأثير من خلال الوالد أم بمعزل عنه؟
– مازلت أتذكر جلوسي في الصف الأول بغاية الانتباه والتركيز والحماس أشاهد بدقة تفوق عمري المشهد الأخير من مسرحية (السوق) على خشبة مسرح النجاح، الذي كان يؤديه السيد الوالد محمود أبو العباس، حينها شعرت بإحساس عظيم ألهمني بما سوف أكون، وجوه الحضور من حولي، دموعهم، تفاعلهم وتعاطفهم معه كانت دليلي إلى غايتي في نقل هذا السحر الذي يترجم مشاعر الناس بآلامهم وأفراحهم بكل تلقائية ومصداقية وحرفية، أقرب ما تكون إلى الواقعية، همي ومهنتي.. نعم كان وما زال عرّابي، ملهمي وقدوتي.
*في بداية مشوار كل فنان شاب يكون هناك خياران فإما الكم وإما النوع.. أيهما تفضل؟
– النوع دائماً وأبداً على الصعيد الشخصي، لأني أراقب خطواتي بتأنٍّ وحذر شديدين، ولا ضير في من يتخذون الكم وسيلة لبناء الخبرة وتوسعة دائرة المعارف في البدايات.

*ما الأدوار التي تستهويك، التي تحب تمثيلها؟
– أي دور مختلف، مميز أو مركب، لا أخاف المغامرة، وجاهز دائماً للتحدي، أبحث كثيراً قبل تأدية أية شخصية لأخلق منها كاركتر وكاريزما خاصة بها، تترك أثراً واضحاً عند المتلقي، وصدى ملحوظاً في الشارع العراقي، كجسر الزنجيل (ابن أمي) في مسلسل (حلم وخيال)، أو كريم بن مظلوم، في مسلسل (أحلام السنين)، وعلاء الباشا في مسلسل (مجنون سارة) الذي يعرض حالياً.
* هل يصب تقديم البرامج في مصلحة الفنان؟
– الفنان مفردة شمولية، وتقديم البرامج فن، إن كنت تقصد مصلحة الممثل، فلا ضير.. العديد من الممثلين قدموا برامج ونجحوا في ذلك لتعدد مواهبهم، كإسعاد يونس وأمير كرارة وأحمد حلمي وغيرهم الكثير في عالمنا العربي.. (جيمي فالون) و(جون ستيوارت) عالمياً، الأهم ألا يتقاطع ذلك مع مبادئه الفنية، وأعتقد أن على الممثل الذكي اختيار برامج قريبة إلى بيئته، كاستضافة أصدقائه الفنانين في برنامج حواري أو برنامج ميداني إنساني يقربه إلى الناس، فيصب الموضوع في مصلحته بتعزيز محبة الشارع له. لكن إذا كان في تقديم البرامج استهلاك لتواجده وطاقته الفنية والتمثيلية على حد سواء فهنا يكون السلب، وعليه الابتعاد والتمسك حتى التمكن من اختصاص واحد، فعصفورٌ في اليد خير.
*أين أنت من المسرح؟
– مازلت أتذكر حتى الآن، وحينها لم أكن قد أكملت العشرة أعوام من عمري، وقوفي أمام الراحل القدير عبد الخالق المختار في مسرحية (خمسة أصوات) بمشهد ارتجلت به في عرضه الثاني، وفي الإمارات كانت لي تجارب مهمة مع شباب عاشق للخشبة الأم، حصدت حينها العديد من الجوائز على صعيد التمثيل: (الأسقف فون بوفيه) في مسرحية (جان دارك) في مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، و(مسؤول الانفلات) في مسرحية (مسألة وقت) في مهرجان دبي لمسرح الشباب، ومنذ الطفولة كان تعلقي خاصاً بالخشبة التي زرعت بي هذا الشغف، ونحن حالياً بصدد الاشتغال بعمل مونودراما من تمثيلي؛ مسرحية (انتباه)، تأليف وإخراج محمود أبو العباس في القريب العاجل.
*إلى أي درجة يكون المسرح فيها مهماً في حياة الممثل؟
– إنه أبو الفنون، يؤسس منهجية حقيقية وخبرة عظيمة لدى الممثل من حضور وحركة، صوت وإلقاء، وغيرها من أدوات تأسيس الممثل، وعلى كل ممثل أن يعي فرق الأداء بينه وبين التلفزيون والسينما، دون الدمج أو الاستسهال بأي من هذه المجالات، فلكلٍ أدواته وطقوسه وسحره، ويبقى الشعور، والتقمص والإحساس الحقيقي، هي الغايات العظمى لكل ممثل، حتى يتجرد من ذاته ليعيش شخصية العمل المسندة إليه، هنا ينجح الفنان بأسسه المسرحية في نقل الحالة الشعورية للشخصية بمصداقية عالية ووضوح تام حتى يسمى باسم الشخصية، لا باسمه الحقيقي.
*طرقت باب السينوغرافيا.. حدثني عن هذه التجربة؟
– نعم، في عملين مسرحيين، (الساحل والمصباح) ومسرحية (قطرة) لفرقة محمود أبو العباس المسرحية، و(مسألة وقت) لمسرح دبي الأهلي سابقاً، استهوتني الإضاءة والمتعة البصرية بسبب اهتمامي بالسينما العالمية ومحاولتي دمج التقنيات الحديثة بكلاسيكية المسرح، وحزنا جوائز في السينوغرافيا في مهرجان دبي لمسرح الشباب، ومهرجان الزرقاء لمسرح الطفل، والحسيني الصغير في كربلاء، وإن دل ذلك على شيء فهو الاختلاف والابتكار، ما يولد النجاح، وإن كان نابعاً من خلفية متلقٍّ ومشاهد ومتابع أكثر من خبرة أكاديمية قد تحجم مخيلة المصمم في أي اختصاص كان. بالأخير فإن أول من وضع قانوناً لأي شيء كان مختلفاً وجديداً في وقته، حتى صار دستوراً ودرساً وقانوناً على حدٍ سواء، بعد أن كسب حرب الحداثة والتطوير.
*هل تؤمن أن هناك (واسطة) في الفن؟
– المتلقي العراقي ذكي، ومتجدد، ومتابع جيد، وناقد مهم أيضاً، وذلك بسبب متابعته للأعمال العالمية، إذ إنه يلاحظ ويفهم الفروقات على كل الأصعدة الإنتاجية، والإخراجية، والتمثيلية، والتصويرية.. فلا أعتقد بأن الواسطة ستنفع أحداً في زمن السوشيال ميديا وحرية التعبير.. من كان جديراً بالاستمرار سيجد من يدعمه، ومن لا يستحق الاستمرار سيفهم إنه إما عليه التطوير والبحث والدراسة، أو الابتعاد والعودة لما كان عليه قبل الواسطة.
*موسم رمضاني أو موسم مسرحي.. هل تؤمن أن للفن مواسم؟
– أربعة فصول تقسم السنة الميلادية إلى أركان مختلفة الألوان، تفاصيلها ليست الغاية في تسمية المواسم، بل في اختلافها، من وجهة نظري أن المواسم قد تخدم استمرارية الحركة الفنية والثقافية، فنجد مهرجانات للسينما والمسرح والتلفزيون.. لكني سعيد في كسر النمطية مؤخراً، والحراك الدرامي المستمر على مدار السنة، خارجاً عن معتاد الموسم الرمضاني، ما يسمح للمتلقي العراقي بالمتابعة والاستمتاع خارج السباق وزحمة الأعمال العربية، ونبارك اشتغال المنصات والقنوات على مثل هكذا خطوة تتيح العمل والاشتغال المستمر للكوادر الفنية لاكتساب الخبرة حتى الوصول إلى مستويات ترتقي بالفن العراقي ليضاهي الأعمال العربية والعالمية في منهجيتها وظهورها ووصولها.
*طبيب وشاعر وممثل.. لكل من تلك الأشياء جو خاص، في أي الأجواء تحلّق؟
– للطب قصة إنسانية وغاية أسعدت بها والديّ، وأسكنت أوجاع مرضاي، للشعر متنفس وتعبير صريح لما مررت به، وترجمة حرفية نغمية تعكس ما أحس به بين تجربة وأخرى من سنيّ حياتي، لكني أحلّق في سماء التمثيل حراً طليقاً مستمتعاً حتى أكون “أنا”، فهو رسالتي.. وما نفع الرجل دون هدف وغاية ورسالة.