فينوس فائق لـ”الشبكة”: الشعر هوية تختصر شخصيتنا الإنسانية

1٬750

خضير الزيدي  /

فينوس فائق، شاعرة كردية عاشت طفولتها في الجزائر وحياة المراهقة في إقليم كردستان العراق ومرحلة الشباب والنمو الثقافي في بغداد، واستقرت منذ 2007 في هولندا بعد أن تميزت كصوت شعري يدعو لإعلاء قصيدة النثر والاهتمام بها. أصدرت أكثر من سبع مجاميع شعرية بالإضافة إلى روايتين. تكتب بالكردية والعربية وما يميزها أن مواكبة لخطاب التجديد في الأدب العربي والعالمي دون أن تلتفت لأهمية هويتها كامرأة كردية بل كانت من دعاة الاهتمام بانسانية الإنسان قبل هويته القومية، عن منجزها الشعري وكيف تنظر للأدب الكردي العراقي. أجرينا معها هذا الحوار:

الشعر الكردي

** فينوس لنبتدئ من أهمية الشعر الكردي وتجربته الفاعلة وتأثيره في مشهد الشعرية العالمية والعربية.

-من أهم المراحل التي أثرت إيجابا على حركة الشعر الكردي هي مرحلة ما بعد انتفاضة 1991 والانفتاح الحضاري والثقافي على الآخر وتبادل الخبرات عن طريق الترجمات، تفاعل المثقف الكردي مع الآخر العربي، الفارسي، التركي والأوروبي والعالمي بشكل عام وهذا ما ساعده على اكتشاف ذاته الثقافية ضمن المنظومة الثقافية العالمية، وأن يعيد صياغة تعريفه للأدب الكردي ضمن تعريف إنساني أشمل، ما جعله يكتشف مفهوما جديدا في تعاطيه مع المتلقي غير الكردي، من حيث تخلصه من شعوره بالانغلاق على نفسه بسبب سياسات الأنظمة السياسية التي كانت تحكم كردستان، وهذا ولد لديه شعورا بالتجاهل من قبل العالم الخارجي.. لكن تغيير الخارطة السياسية والوضع في كردستان العراق تزامنا مع حركة العولمة التي ألغت الحدود المعرفية في العالم، وانفتاح كردستان على العالم الخارجي وتعرف العالم على “الإنسان” الكردي خصوصاً في المجالين السياسي والثقافي، الشعراء منهم على وجه الخصوص، فانتقل المثقف الكردي توازيا مع كل هذه المتغيرات إلى فضاءات ثقافية أوسع وبدأ بطرح مفاهيم جديدة من خلال نظرة جديدة أوسع، فتجد الدلالات الشعرية الآن تختلف عن الدلالات الشعرية ما قبل تلك المرحلة..

المنابع الثقافية

هل تقصدين حضور الشعر والشعراء في المحافل؟

-نعم، أقصد حضور الشعراء في المحافل الأدبية والمهرجانات العربية والعالمية بكثافة، حيث سابقا كانت المنافذ الثقافية التي يستفيد منها المثقف الكردي محدودة جداً وتقتصر على ما كانت الأنظمة السياسية تسمح بها، ما أثر على إبعاد المثقف الكردي ونتاجاته الأدبية في جميع المجالات عن مرأى ومسمع العالم الخارجي، وفي نفس الوقت حرم المثقف الكردي أيضا من الاطلاع على الحركات والنتاجات الإبداعية الأدبية خارج كردستان وتفاعله معها على نطاق واسع.. لكن الآن تمكن المثقف الكردي من الوصول إلى المنابع الثقافية عالمياً وبالتالي أوصل أيضاً ثقافته ونتاجه الإبداعي والثقافي إلى خارج كردستان..

** أود ان أتساءل: هل هناك ما يمكن أن نسميه بالشعر الكردي؟

-في تقديري ليس هناك ما نسميه بـ (الشعر الكردي وتأثيره في مشهد الشعرية العالمية والعربية)، بل هناك ما يسمى بـ (إثبات تجربة شعرية معينة حضورها)، فنحن اليوم تجاوزنا مرحلة نقل التجربة إلى الخارج إلى مرحلة إثبات حضور، فهناك تعاطٍ وتبادل ثقافي بين كردستان والعالم الخارجي، الآن نتحدث عن إثبات حضور التجربة الإبداعية الذي يعني مواجهة ثقافية وحضارية على مستوى ونطاق أوسع، وهنا تكمن مهمة المثقف ووعيه لأهمية هذه المهمة..

**لكن هناك أسماء مميزة ومؤثرة ولا أريد أن أذكرك بسليم بركات وشيركو بيكه س؟

-هؤلاء أسماء مهمة في الشعر الكردي والعربي معا ولا نختلف على ذكرهما، ومع هذا لدينا أسماء شعرية رائعة تضاهي في إبداعها ما أبدعه شيركو بيكه س ويبدعه سليم بركات، واسمح لي هنا أن أتجنب ذكر أسماء بعينها خوفا من أن أنسى اسم يستحق الذكر..
عرف عنك شاعرة تحمل قصائدها طابعاً احتفائياً واشتياقاً انسانياً، هل هذا لأنك متاثرة بأجواء البيئة المنفتحة (اقصد كردستان العراق) والعيش وسط المجتمع الغربي، أم أن الأمر عائد لهواجس نفسية؟

-لا أنكر أن الأجواء التي ترعرعت وأعيش فيها الآن تتسم بالانفتاح، لكن الجزء الأكبر من الأمر يتعلق بي شخصياً.. على الشاعر أن يكتشف نفسه، وأن يعيد اكتشاف نفسه باستمرار، لكي تظل التجربة الأدبية حيّة وتتنفس بداخله.. أن تكون شاعراً لا يعني أن تكتب فقط، إنما أن تكون شاعرا يعني أن تتعامل مع نفسك وكل ما حولك بشاعرية وبصدق، لا أقصد هنا “افتعال الشاعرية” إنما أقصد أن يكون الشعر مكونا آخر من مكوناتك الجينية، أن تحمله في دمك، فالشعر لا يقاس بغزارة الإنتاج، فقد تكتب قصيدة واحدة فقط، وتكتب عشرات الروايات لكن بنفس شاعر.. الأمر عندي لا يتعلق بكوني ولدت في كردستان العراق أو في القطب الشمالي، بل يتعلق بكم “الخلايا الشعرية”- إذا صح التعبير- التي تتكاثر من خلال كل ما أكتبه. الأمر عبارة عن استثمار لهذه الخلايا الشعرية في إنتاج أدب يعكس شخصيتي بين سطورها.. لأن الشعر في النهاية هي اللغة الوحيدة التي أتقنها عندما أمتلئ..

لغة متكاملة

** تتمسكين بكتابة نص نثري يقترب من الإيحاء والصورة الشعرية المؤثرة ..أود أن أتساءل عن فهمك للشعر ودلالاته جماليا؟

-الشعر في حد ذاته لغة متكاملة ومستقلة، لغة إنسانية أبعد ما تكون من كل الأطر والهويات القومية واللغوية واللونية والدينية. الشعر قطعة فنية، لا تقل عن رقصة فنية راقية، أو لوحة تشكيلية..الشعر في حد ذاته هوية، فهو يختصر شخصيتك كإنسان أولا وأخيراً، عن طريق اللغة التي تكتب به نتعرف على جنسية وقومية الشاعر. فالشعر هنا محاولة لفهم العالم، العقل واللاعقل، الدين واللادين، الشعر هو أنت كشاعر بكل ما تحمله من أفكار وفلسفة وحكمة ونظرة إلى العالم وما وراء العالم والطبيعة، الشعر يقول ما لا يقال، يعبر عن ما لا يعبَّر (بتشديد الباء) عنه باللغة اليومية العادية. وعليه فالشعر عمل فني متكامل، دلالاته تصور أو تنقل لك الصوت، الإحساس من سعادة وحزن، مهمة الشاعر أن يجدد نفسه، بمعنى أن لا يكرر دلالاته الشعرية، وأن يتقن ابتكار دلالات شعرية جديدة لكي يتمكن من تصوير المعنى والصورة الشعرية بشكل جيد. لأن مهمة الدلالات الشعرية هي أن تصور لنا (الصورة الشعرية) من أجل فهم يليق بالقصيدة.

أصدرت أكثر من مجوعة شعرية، هل ثمة خط تجاري بالقياس الى الشاعرات الكرديات من حيث الأسلوبية والصوت والاهتمام بمنجز خاص يبتعد عن التأثير بالأصوات الاخرى؟

-أعتبر نفسي عصامية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فإنني من جيل حقبة تأريخية صعبة جداً، حساسيتي الشديدة وتأثري الشديد بما يحدث حولي من تجارب، جعلتني ألجأ إلى كتابة القصيدة في ظروف اجتماعية وسياسية صعبة استلهمت منها خيالي الشعري وكتبت باكورة نصوصي قبل أن أكتشف تأثري بأي شاعر. لأني بدأت باكتشافي لنفسي أولا، وعندما كنت أدمن قراءة الروايات، قلما تناولت ديوانا شعريا لأقرأه بالكامل… لا أعتقد أن هناك تجربة أدبية حقيقية (لا أقصد التجارب السطحية) تشبه بعضها. فمن يبتكر، يختلق أسلوبه الخاص به، ومن يبدع لا يشبه غيره.. ليس غرورا مني، إنما لا أنتمي لأية مدرسة شعرية، لأن المدارس الشعرية عفا عليها الزمن، ثم أنني لا أجاري أي خط ثقافي معين، إنما أجد نفسي كل يوم في حالة شعرية جديدة أبتكر وألون خطا خاصا بي.. بغض النظر عن “الأسماء” أعجب بكل نص جميل، وبالنهاية هناك منجز أو مشروع أدبي أنشغل به وسأستمر في بنائه..

** إذا طرحت عليك هذا التساؤل هل تتفقين معي : هل أثر الأدب الكردي في جوانب الحياة وجمالها على المراة الكردية أم أن حب المرأة للحياة والتعطش للحرية هو من قادها للشعر؟

-هذا الأمر في حد ذاته يقع تحت خانة المسائل النسبية، لأن لكل إنسان تذوقا، نظرة وفهما مختلفا عن الآخر إلى الأدب وتأثيره على جوانب الحياة وأيضا إلى الحياة بشكل عام وفلسفته وآفاقه الفكرية والفلسفية. القضية عندي تتعلق بـ (هل أنا صادقة في ما أكتب؟) وليس لأنني أتعطش للحرية، فأكتب الشعر.. أنا أكتب لأنني بحاجة لأن أكتب، شعرا كان أم نثرا أم قصة أو رواية.. الخ.. الأدب الكردي شأنه شأن غيره من آداب القوميات الأخرى ترك ويترك باستمرار تأثيره على جوانب الحياة المختلفة في جميع المجالات، ليس على المرأة فقط وإنما على الجنسين على حد سواء، رغم أنني لا أؤمن بأن من شأن القصيدة أن تغير حياة مجتمع بأكمله، إنما هي مرآة لشخصية كاتبها، فهي في النهاية هواية وتنفس من نوع آخر.. المرأة الشاعرة تكتب نفسها من خلال الواقع الذي تعيش فيه، بخلاف الرجل الشاعر الذي يكتب الواقع من خلال نفسه وقناعته بأنه مركز الكون ومنه وإليه يتحرك المجتمع.. أما المرأة فهي تعبر ضمن منظومة ذكورية تسعى إلى تهميشها، وهي تكتب ساعية إلى كسر جميع أنواع القيود، الرجل يكتب مجسدا القيود التي ابتكرها..

** يمكن أن يكون عنوان مجموعتك الأخيرة، (سأرزق برجل من ضلعي الأيمن )، ذات إيحاء روحي يعود بنا لحواء وطابع النشأة الأولى للبشرية؟

-أظن أن أهمية محتوى النص تكمن في العنوان، إضافة إلى أنه كلما كان العنوان جذابا، أغرى القارئ أكثر، لذلك أحب العناوين الصادمة -إن صح التعبير- كما نقول في عالم الصحافة، أن يعض كلب رجلا ليس بخبر، إنما أن يعض رجل كلبا فهو خبر صادم.. عليه فإن اختيار العنوان لكتاب، قصيدة أو رواية لا يقل أهمية عن النص كله.. لنقل أن عنوان (سأرزق برجل من ضلعي الأيمن) هو نوع من تحدي الذات.. إلى أن الرجل والمرأة ولدا من بعضهما البعض، لا أحد منهما يفوق الآخر في أي شيء، كلاهما من نطفة إلهية واحدة.. إنها محاولة لتحقيق المساواة والعدالة بين الرجل والمرأة، بطبيعة الحال لا أعني العدالة التي يتحدثون عنها يوميا، إنما العدالة التي تبتكرها كل امرأة لنفسها وتسعى إلى تحقيقها، كما أفعل أنا من خلال كتابتي للشعر..

** كيف ترين أهمية الشعر في ظل ظروف قاهرة وصعبة يعيشها العالم والمنطقة العربية …هل يمكن ان يترك اثراً فاعلاً في الإنسان ؟

-الشعر هو أضعف الإيمان، خصوصاً في عصرنا هذا، حيث أن لغة الإرهاب تنافس كل اللغات، والبشر منهمكون في محاربة الإرهاب أكثر من قضاء أوقاتهم في قراءة وكتابة الشعر..