ما الذي تحتاجه الدراما العراقية لتتعافى؟

70

محسن العكيلي/
منذ انبثاق عصر الدراما العراقية في ستينيات القرن الماضي، وما تلاها، ارتكزت تلك الدراما على ثلاثة مرتكزات مهمة: الكتّاب والمخرجون والممثلون. قدمت هذه الركائز باقات من الأعمال التي مازالت راسخة في أذهان المشاهدين، أغنوا بها الشاشة، فضلاً عن بروز الكثير من المواهب الشابة في مجالي الإخراج وكتابة السيناريو، كان التفرد والتمكن من الأدوات صفتين غالبتين على تلك المواهب. في تلك الفترة برزت أعمال برؤى جديدة، وأفكار أطرت الدراما بقالب جديد، ارتكزت على ما يفرزه الواقع الاجتماعي العراقي من قصص، ترجمت إلى أعمال درامية.

لكن، بسبب الظروف الشائكة التي مرت على العراق، تراجع وهج الدراما في السنوات الماضية. انحسار حاول القائمون على إنتاجها معالجته عبر محاولات نجحت -حتى اللحظة- في إنتاج عدد من المسلسلات في العام الماضي، سواء تلك التي خرجت من أروقة شبكة الإعلام العراقي أو من القنوات الفضائية الأخرى.
اليوم، وبعد المنحة التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء لدعم الدراما، يحاول القائمون عليها افتتاح موسم درامي مميز. ولمعرفة آخر مستجدات هذا المشروع، التقت “الشبكة العراقية” عدداً من الفنانين للحديث عنها.
الفنان محمود أبو العباس، رئيس لجنة منحة رئيس مجلس الوزراء للدراما التلفزيونية، قال:
“لابد لنا أن نفرق بين الأعمال التي تنجز عبر الميزانية المخصصة لمديرية الدراما في شبكة الإعلام العراقي، وبين منحة السيد رئيس مجلس الوزراء للدراما التلفزيونية. وقد صدر مؤخراً أمر ديواني بتشكيل لجنة لتسيير أمور المنحة، التي اجتمعت لأكثر من مرة واتخذت توصيات عدة، منها ألا يغيب فنانونا الكبار عن المشاركة في هذه الاعمال. وبعد جهد استمر لعشرة أشهر في قراءة واختيار النصوص، البالغ عديدها 142مسلسلاً، جرى فرز 28 نصاً للدخول في القائمة القصيرة.” متمنياً أن تسهم هذه المنحة في إعادة الدراما العراقية إلى سابق عهدها، وأن تنال الأعمال المختارة استحسان المشاهدين.
ظروف عسيرة
المخرج عزام صالح تحدث عن الظروف غير المستقرة التي أثرت على عملية الإنتاج، إذ قال: “الظروف الإنتاجية كانت عسيرة، والوضع داخل البلد كان لا يشجع المستثمر على الخوض في مثل هذه المشاريع، كما أن الدولة أصبحت عاجزة عن الإنتاج بسبب الأحداث غير المستقرة.” مبيّناً أن “الإنتاج يحتاج إلى أموال وتبويب، وهو مالم يكن لدينا في السنوات الماضية.” مضيفاً: “اليوم، وبعد إطلاق المنحة الحكومية وتمويل شبكة الإعلام العراقي، أعتقد أننا بدأنا بالخطوة الصحيحة لإنتاج دراما عراقية خالصة، لا تخضع لأية أجندة، دراما تحاكي بموضوعية أهم مشكلات المجتمع بإطار درامي صحيح، بعيداً عن الآيديولوجيات التي كانت تنتهج في السابق.”
قصص كثيرة
في حين قال الفنان عادل عباس إن “الدراما العراقية تحتاج إلى قلم جيد وجهة إنتاجية أمينة، وعين مخرج ثاقبة، إذ إن الممثل لا يستطيع بمفرده إنتاج دراما جيدة.” متسائلاً: “لماذا دائماً ما يتحمل الممثل وزر الأعمال السيئة؟” مضيفاً: “لنأتي بمخرج عالمي وكاتب عالمي وجهة إنتاج عالمية، ونختار لهذه الأعمال ممثلين مثل عادل عباس وحكيم جاسم وغيرهم من الممثلين، تأكد حينها سيكون العمل متقناً، وسوف ننافس الممثلين العالميين، وذلك لتوفر شروط العمل الجيد.” موضحاً أن “واقعنا يزخر بقصص تتعدى الخيال، التي يمكن ان تكون أعمالاً عالمية.” مشيراً إلى أن “قناة العراقية الفضائية ترصد الآن ميزانيات كبيرة للأعمال، وتنتج أعمالاً جيدة.” واصفاً هذه الخطوة بالجيدة. أضاف عباس: “أتمنى ألا نتشبث بالماضي، وأن نتناول قصصاً من الواقع العراقي المعاش، القصص كثيرة هنا، في دور العجزة والأيتام مثلاً، ويمكن صياغتها بنص درامي ورؤية إخراجية لتثمر عملاً جيداً.”، مقترحاً على شبكة الإعلام العراقي، وبعد كل موسم درامي، إجراء استفتاء مفتوح لأفضل عمل وأفضل ممثل وممثلة، يجري تكريم الفائزين فيه، لكي يشعر الفنان أن هناك من يهتم به فعلاً.
دعم الدولة
أما الفنانة بتول عزيز، فقد تحدثت عن حاجة الدراما إلى دعم الدولة وأهميته للفنان، شريطة أن تتناول النصوص المختارة قضايا المجتمع العراقي، التي يمكن طرحها للمتلقي العربي. مضيفةً: “دعنا نبدأ بالمؤسسة، وكما قلت إن كان هناك دعم دولة لا يمكن للمُنتج أن يبخس حق الفنان، وكما تعرف إنه يمكن للمنتج المنفذ أن يقلل أجر الفنان المضطر للعمل بأجور زهيدة لغرض المشاركة لا غير، وهو ما يؤثر على بقية الزملاء.”
خلل إنتاجي
من جانبه، قال الفنان مازن محمد مصطفى: “الخلل يكمن في العملية الإنتاجية، إذ إن مسؤولي معظم القنوات لا يضعون ميزانية مناسبة لإنتاج العمل، ولا يمتلكون خطة لتسويق أعمالهم، لكن هذا لا يعني عدم وجود بعض القنوات التي تحترم جمهورها وشاشتها، وتقدم أعمالاً بميزانيات جيدة.” مبيّناً أن “الفترة الماضية أفرزت مجموعة من المخرجين الشباب الرائعين.” مضيفاً: “لا أعتقد أننا نعاني من ازمة نصّ، أو إخراج، الدراما العراقية أفرزت شباباً يكتبون نصوصاً ممتازة تضاهي النصوص العربية، حتى أن بعضها عبر حدود المحلية من خلال المواضيع المطروحة فيها.”