حامد الحلفي عالم الذرة الذي أنقذ حياة مئات المرضى
جبار عبد الله الجويبراوي /
لا أحد في محافظة ميسان لا يعرف، أو لم يسمع، بالحاج معيدي الحيال الحلفي الباهلي صاحب مكائن الطحن والجرش في محلة الماجدية في مدينة العمارة، ذلك الرجل المحسن الذي كانت المواكب الحسينية تقف عند بابه في العاشر من محرم في كل عام يكرم شعراءها ويقيم وجبات الطعام الفاخرة للمعزين وأصحاب المواكب بعد انتهاء مراسيم العزاء في العاشر من محرم الحرام.
أنجب هذا الرجل مجموعة من الأولاد البررة: المرحوم عبد المطلب والعقيد الركن الشهيد عبد الواحد والشيخ علي، وعالم الذرة حامد، الذي عرفنا انه أوفد إلى الاتحاد السوفيتي عام 1960 للدراسة فحصل على شهادة الدبلوم العالي الذهبي في الفيزياء عام 1966، وكنا نلاحظه عندما يعود في العطلة الصيفية ليقضي معظم وقته في متنزه الماجدية قبالة داره الذي يطل على نهر الكحلاء وهو يستقبل أصدقاء طفولته وأبناء محلته..
مازال الرجل حيا يرزق
مرت الأيام والسنون وكنت أشاهده برفقة زوجته الروسية وأطفاله الصغار. وكنت أعتقد إن هذا العالم النووي هرب من العراق، أو نُفذ فيه حكم الإعدام كما نُفذ بشقيقه العقيد الركن عبد الواحد رميا بالرصاص، بعد أن حكموا عليه سبع سنوات ثم أعدموه بحجة تآمره على النظام الدكتاتوري، وهو في سجنه، كما إن ابن أخيه اُعدم هو الآخر لانتمائه إلى حزب الدعوة وأربعة من أفراد أسرته لقوا حتفهم (ثرما) حسب تعبير العالم الحلفي نفسه…
كثيرا ما كنت أجالس شقيقه الشيخ (علي) وهو من شخصيات مدينة العمارة ومن أعمدتها ولم أتجرأ في يوم من الأيام، عن السؤال عن مصير الدكتور (حامد) خوفا من إثارة شجونه..
ولكن بعد عام 2003 عرفت كل شيء عنه بعد رؤيتي له في عدة مقابلات تلفزيونية وصحفية، فما زال الرجل حيا يرزق ولم يترك وطنه ـ العراق ـ
اتهام بالشيوعية يعطل الرتبة
تخرج حامد الحلفي عام 1967 في دورة الضباط الاحتياط الدورة (21) الوجبة الأولى ولم يمنح الرتبة بسبب اتهامه بالشيوعية لأنه خريج موسكو..
وكان أهم وآخر عمل قام به في عام 1986 عندما امتنعت بريطانيا عن تزويد العراق بالنظائر المشعة لمكافحة الأمراض السرطانية وصار المرضى في المستشفيات العراقية يموتون بالمئات، فقام الحلفي بتشغيل (مفاعل 14 تموز النووي) معلنا افتتاح بوابة الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في الزراعة والصناعة والطب والنفط.
يقول الحلفي قرأت سورة الفاتحة لكل الأئمة المعصومين لأن تشغيل المفاعل لأول مرة مصحوب بالمخاطر إلا أن العملية تمت بسلام والحمد لله.
ولإنتاج النظائر المشعة يحتاج المفاعل الى كادر من أربع وجبات للاشتغال مدة (24) ساعة مستمرة، ولم يكن بين المتخرجين من ذوي الاختصاص غير الدكتور حامد الحلفي والدكتور صاحب تقي الشيخ فاقترح الحلفي على زميله الدكتور صاحب أن يتقاسما الوقت بينهما كل واحد منهما يعمل (12) ساعة لتزويد المستشفيات بما تحتاج اليه من النظائر المشعة وتحيلها إلى عُدد صيدلانية لمعالجة مرضى السرطان.. وفعلا عملا ليلا ونهارا وأنقذا أرواح الكثير من المرضى العراقيين. كما صار المفاعل يزود تركيا وإيران وباكستان (أعضاء حلف بغداد المنحل) بالنظائر المشعة مجانا..
العودة الى موسكو
وبالعودة الى سيرته ففي عام 1976عاد الحلفي إلى موسكو ثانية لنيل شهادة الدكتوراه فحصل عليها بامتياز عام 1979، وبعد عودته إلى العراق عُين في الطاقة الذرية بشرط عدم تبوئه منصبا إداريا بسبب إعدام شقيقه العقيد الركن عبد الواحد معيدي، وذلك أثر شهادة مرتضى سعيد عبد الباقي سفير العراق في موسكو، فأصبح رئيس لجنة تسلم المفاعل النووي، بعد اغتيال العالم يحيى المشد (مصري الجنسية) في باريس في 13 نيسان 1980 . وصار عضوا في لجنة إنشاء أول محطة كهرونووية، إذ لا يتم تشكيل اللجان من دونه لأنه صاحب الاختصاص الوحيد في تلك اللجان كما ذكرنا سابقا. ولديه تجربة في تشغيل المفاعل النووي في أيلول عام 1986..
فكيف تم اختياره وهو غير مقبول لدى السلطة؟
بالرغم مما حل به وبشقيقه العقيد الركن عبد الواحد، وما كُتب على اضبارته بالخط الأخضر (عائلة مجرمة) فقد توسط له همام عبد الخالق نائب رئيس لجنة الطاقة الذرية لدى رئيس اللجنة وهو الرئيس السابق صدام حسين لقبول عضويته لأنه صاحب الاختصاص الوحيد في ذلك الوقت فوافق صدام مضطرا.
بكى مرتين
بكى الحلفي في حياته مرتين، الأولى عند إعدام شقيقه العقيد الركن عبد الواحد عام 1980 والثانية عندما ضربت الطائرات الإسرائيلية (مفاعل تموز النووي) فحولته إلى ركام في السابع من حزيران عام 1981 وما زال الدكتور حامد يتمنى تجريم إسرائيل وتعويضها مبالغ المفاعل ليعيده أو يشرف على إعادته. “ وإن غدا لناظره لقريب.”
ببلوغرافيا
1940 ولد الدكتور حامد الحلفي الباهلي في مدينة العمارة
1959 تخرج في الدراسة الثانوية
1960السفر إلى الاتحاد السوفيتي للدراسة والحصول على شهادة الدبلوم العالي الذهبي في الفيزياء عام 1966
1974اصبح رئيسا لمشغلي المفاعلات النووية
1979 حصل على شهادة الدكتوراه امتياز في الهندسة النووية من جامعة موسكو
2004 أصبح عضوا في منظمة النخب والكفاءات العراقية التي كان يرأسها الشيخ همام حمودي
2006 راتبه التقاعدي سبعمائة وستة وعشرون ألف دينار فقط
2007 عضو في هيئة مستشاري رئيس الوزراء
* قدم إلى المؤتمرات العلمية أكثر من (300) بحثا في مجالات الطاقة.
* نشر (27) كتابا تأليفا وترجمة
* من مؤلفاته:
1ـ الأسلحة النووية والوقاية منها،2ـ المنشآت النووية، 3ـ الثرمودايتمك، 4ـ مدخل إلى الهندسة النووية، 5ـ الصواريخ المقاتلة.