السفير الياباني بغداد لمجلة “الشبكة العراقية” الإمبراطورية والجمهورية : علاقات عمرها 84 عاماً، وتبادل تجاري بلغ 755 مليون دولار..
بغداد – علي كريم إذهيب/
تعد اليابان من أهم الدول ذات الشراكة الاقتصادية والتجارية الكبيرة رغم الأرقام المعلنة بشكل رسمي عن حجم التبادل التجاري بين الطرفين، التي لم تصل إلى الحد الكبير. إلا أن البضائع اليابانية تحتل الصدارة في حجم المبيعات داخل السوق العراقية منذ أكثر من 30 عاماً.
خاضت مجلة “الشبكة العراقية” حواراً موسعاً مليئاً بالأسئلة مع السفير الياباني لدى بغداد (فوتوشي ماتسوموتو)، لتصل إلى الإجابات التي قد لا يعرفها القارئ في العراق واليابان، فكان لها هذا الحوار الذي بدأ بالسؤال عن انطباعات السفير الياباني الأولية عن العراق وطبيعته وشعبه؟
السفير الياباني: بما أنني حافظت على صداقتي مع أصدقائي العراقيين على مدى أكثر من 30 عاماً في مسيرتي المهنية، فإن انطباعي عن الشعب العراقي قد لا يمكن تفسيره بكلمة واحدة. إلا أنني وجدت في صداقتي الطويلة مع العديد من الأصدقاء العراقيين تنوعاً حقيقياً بينهم، من حيث آرائهم التي تعكس أصولهم وعشائرهم وأديانهم وهوياتهم. وفي الوقت نفسه، فإنهم جميعاً يشتركون في سمة مشتركة للعراقيين مثل شوقهم لبلدهم وشغفهم بإعادة بنائه يوماً ما، بالإضافة إلى حبهم للطعام العراقي..
أشعر أن الشعب العراقي عانى من كل المصاعب في السنوات الماضية، لكن الجميع يتطلعون إلى المستقبل الأكثر إشراقاً بعزم راسخ. إن التحدي الذي يواجه العراقيين يكمن دائماً في كيفية خلق الانسجام والسلام من تنوعهم من أجل إعادة بناء بلدهم.
مجلة “الشبكة العراقية”: كم عمر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين العراق واليابان؟ وما الوضع الحالي للعلاقات التجارية الثنائية بين البلدين؟
السفير الياباني: بدأت العلاقات الدبلوماسية بين اليابان والعراق في عام 1939، ويصادف هذا العام الذكرى الخامسة والثمانين لتأسيسها. على الصعيد الاقتصادي، أبرمت اتفاقية التجارة بين اليابان والعراق عام 1964، ويصادف هذا العام الذكرى الستين لإبرامها. وفيما يلي حجم التجارة الأساسية لعام 2023 بين اليابان والعراق:
1- الصادرات اليابانية إلى العراق بلغت 755 مليون دولار أميركي (العناصر الرئيسة: السيارات، أنابيب آبار النفط، المضخات).
2- الواردات إلى اليابان من العراق بلغت 26 مليون دولار أميركي (العناصر الرئيسية: النفط).
وهذه الأرقام ليست بالضرورة عند المستوى المرضي لكلا البلدين. إذ تناقش حكومتا اليابان والعراق سبل تحسين العلاقات التجارية والاستثمارية. على سبيل المثال، وجهنا دعوة إلى وزير التجارة العراقي لزيارة اليابان في المستقبل القريب لتطوير علاقاتنا التجارية والاستثمارية الثنائية.
مجلة “الشبكة العراقية”: كيف تقرأ الرغبة الشرائية للمنتجات اليابانية في السوق المحلي العراقي؟
السفير الياباني: من المحتمل أن يشهد السوق العراقي طلباً هائلاً على المنتجات اليابانية العالية الجودة، بدءاً من السلع الاستهلاكية للاستخدام اليومي مثل القرطاسية ومستحضرات التجميل، إلى المعدات المكتبية ومرافق المصانع للشركات. لقد كانت المنتجات اليابانية مفضلة لدى الشعب العراقي لفترة طويلة منذ السبعينيات، ويعتبر الشعب العراقي المنتجات اليابانية عالية الجودة حتى يومنا هذا. إن هذا التصور لدى العراقيين حول المنتجات اليابانية يمثل ميزة كبيرة للشركات اليابانية. ومع ذلك، فمن الصحيح أيضاً أن المنتجات الصينية والكورية الجنوبية تهيمن على السوق العراقية على نطاق واسع في هذه الأيام.
وبالنظر إلى الوضع المستقر الحالي في العراق، أود أن أحث الشركات اليابانية على العودة إلى السوق قبل أن تتلاشى الذكريات الطيبة للمنتجات اليابانية في العراق.
مجلة “الشبكة العراقية”: سعادة السفير، يتمتع العراق واليابان بإمكانيات اقتصادية وبشرية كبيرة. كيف يمكن تعظيم التعاون الاقتصادي بين البلدين؟
السفير الياباني: يتمتع العراق بإمكانات كبيرة بسبب موارده الطبيعية الوفيرة، إلى جانب ارتفاع معدل النمو السكاني بالإضافة إلى كون غالبية السكان من الأجيال الشابة. وتعد اليابان إحدى القوى الاقتصادية الكبرى في العالم وهي متقدمة تكنولوجياً. لذلك، فإن هنالك مجالاً أمام البلدين لتحقيق النمو الاقتصادي من خلال تعميق التعاون بينهما، ولاسيما في القطاع الخاص.
ويعمل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بنشاط على تعزيز مشاريع التنمية الواسعة النطاق مع التركيز على تمكين القطاعات الاقتصادية والخدمية وتنويع الصناعات وخلق فرص العمل للشعب. ستواصل حكومة اليابان العمل مع حكومة العراق لتقديم الدعم لتنمية العراق، بما في ذلك من خلال قروض الين الياباني لتطوير البنية التحتية الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء.
منذ عام 2003، قدمت اليابان أكثر من 20 مليار دولار أميركي كمساعدة للعراق، بما في ذلك المنح والمساعدات الإنسانية وخفض الديون. وعلى وجه الخصوص، دعمت اليابان تطوير البنية التحتية الأساسية في العراق من خلال مشاريع القرض الياباني بقيمة 11.1 مليار دولار أميركي حتى الآن. وتقدم الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا)، وهي الوكالة اليابانية المنفذة للمساعدة الإنمائية الرسمية، أسعار فائدة أقل بكثير وفترات سداد أطول من تلك التي تقدمها الجهات المانحة الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، أدى انخفاض قيمة الين الحالية إلى خصم كبير على السداد ما يقلل العبء على الموارد المالية العراقية. علاوة على ذلك، ستواصل حكومة اليابان تقديم المساعدة بناءً على طلب العراق مع الأخذ بنظر الاعتبار أن مثل هذه المشاريع تجلب الشركات اليابانية بتقنياتها العالية إلى العراق.
بالإضافة إلى ذلك، قامت (جايكا) بإرسال خبراء يابانيين في مختلف المجالات، بما في ذلك الزراعة والرعاية الصحية والحوكمة إلى العراق للتعاون الفني. كما قدمت (جايكا) للمسؤولين العراقيين فرص التدريب في اليابان بناءً على طلب حكومة العراق.
وستواصل اليابان تبادل تجاربها وممارساتها الجيدة للمساهمة في تنمية العراق. وفيما يتعلق بالأجيال الشابة، تقوم المنظمات غير الحكومية اليابانية بدعم مالي من حكومة اليابان بإسناد قطاع التعليم في العراق منذ مدة طويلة. ونأمل أن تسهم هذه التبادلات الشعبية بشكل أكبر في تنشئة الأجيال الشابة العراقية.
مجلة “الشبكة العراقية”: ما نسبة استثمارات شركات القطاعين العام والخاص اليابانية في العراق، وفي أي مجالات تستثمر ولماذا؟
السفير الياباني: يشارك القطاع الخاص الياباني في توسيع نطاق السلع الاستهلاكية في العراق وكذلك في تطوير قطاع النفط. على سبيل المثال، قد تكون شركة (تويوتا العراق) أكبر شركة يابانية في استثماراتها في العراق، عدا الشركات اليابانية الأخرى في مجالات النفط والغاز. وهم يرون أن هنالك فرصة تجارية في السوق العراقي حيث يتميز بنمو السكان المتمثل في العدد الكبير من الأجيال الشابة وكذلك بالاقتصاد العراقي القوي المعتمد على موارده الطبيعية.
وفي قطاع البنية التحتية، تجري معظم الاستثمارات اليابانية بموجب ضمان الحكومة اليابانية من خلال برنامج القرض الياباني. وهو ليس مجرد قرض، لكنه أداة مفيدة للغاية لجذب الاستثمارات اليابانية لأنه يعمل كنقطة دخول للشركات اليابانية للقيام بمزيد من الاستثمار في العراق، وآمل بشدة أن تتفهم الحكومة العراقية هذه الميزة الكبيرة فيه، إذ نود أن نستمر في استخدام هذا البرنامج بشكل ستراتيجي لتعزيز الأعمال والاستثمارات اليابانية في العراق.
مجلة “الشبكة العراقية”: من وجهة نظركم سعادة السفير، ما الخطط الاقتصادية والتجارية والاستثمارية التي ترونها مناسبة لتنفيذها في العراق؟ ما تعليقكم على الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها حكومة السيد السوداني والنتائج الإيجابية التي شهدها الاقتصاد العراقي؟
السفير الياباني: إن المبادرات الحالية التي تقودها الحكومة العراقية، مثل تشجيع نمو القطاع الخاص وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة وتشجيع الاستثمار الأجنبي، ضرورية لتنشيط الاقتصاد العراقي. ونود أن ندعم هذه السياسات. ونأمل أيضاً أن نرى تقدماً مضطرداً في جهود الحكومة للحد من التضخم وإصلاح القطاع المالي والقضاء على الفساد، مثلاً من خلال تشجيع الدفع الإلكتروني. ومع ذلك، أعتقد أنه ينبغي القيام بالمزيد وخاصة لجذب الاستثمارات الأجنبية من الشركات اليابانية. ونشجع بشكل كبير توفير معلومات شاملة عن جاذبية السوق العراقية مقارنة بالأسواق الأخرى، وأي حوافز مقدمة للشركات اليابانية بالإضافة إلى شرح ملموس عن الوضع الأمني في العراق.
على سبيل المثال، للترويج للشركات اليابانية والاستثمارات في العراق، من المهم جداً مراجعة قانون الشركات وقانون الوكالات التجارية. وبموجب القوانين الحالية، ليس من السهل على رأس المال الأجنبي إنشاء شركة في العراق للقيام بمزيد من الاستثمار. ونحن نعلم أن تعديلات هذه القوانين تُناقش في مجلس النواب العراقي. ونأمل مخلصين أن يفتح هذا التعديل الباب أمام الشركات الأجنبية ليسهم في تنشيط الاقتصاد العراقي بشكل أكبر.
مجلة “الشبكة العراقية”: لنتحدث عن موضوع السياحة بين العراق واليابان. ما المؤشرات على ذلك؟ بخصوص التأشيرة التي تمنحها بلادكم لأهل العراق لزيارة بلدكم فيما يتعلق بالاستثمار أو التجارة أو الاستيراد أو السياحة، حدثونا عنها بالتفصيل؟
السفير الياباني: لسوء الحظ، فإن عدد العراقيين الذين يزورون اليابان ليس مرتفعاً. في عام 2019، بدأنا بإصدار تأشيرات يابانية في العراق، وزار نحو 1,300 عراقي اليابان في ذاك العام معظمهم للسياحة والإقامات القصيرة المدى. ومع ذلك، بسبب تأثير جائحة كورونا، انخفض العدد إلى حوالي العُشر في عام 2020. وفي عام 2023، تعافى عدد التأشيرات اليابانية الصادرة في العراق ولكن ليس بشكل كامل. وبصورة عامة ارتفع عدد السياح الزائرين لليابان من منطقة الشرق الأوسط زيادة سريعة في السنوات القليلة الماضية. وبما أن الحكومة اليابانية تشجع أيضاً الناس في الشرق الأوسط على زيارة اليابان من خلال توفير المعلومات وخلق بيئة سياحية صديقة للمسلمين في اليابان، فإنني أتوقع أن يزداد عدد السياح من العراق أيضاً. آمل أن يصبح المزيد من العراقيين مهتمين بزيارة اليابان.
يدخل العديد من الزوار العراقيين إلى اليابان لفترة قصيرة، وذلك بشكل أساسي لأغراض السياحة. ومن ناحية أخرى فإن عدد العراقيين الذين دخلوا اليابان لغرض الاستثمار والإدارة والتوظيف يشكل أقل من 10% من إجمالي الداخلين. آمل حقًا أن يؤدي تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين إلى تبادل أكثر نشاطاً بين الأشخاص.
العراق معروف على نطاق واسع لدى الشعب الياباني بأنه مسقط رأس حضارة بلاد ما بين النهرين، ويتمتع بموارد سياحية متنوعة، بما في ذلك المواقع الأثرية المختلفة. أعتقد أن العراق لديه إمكانات قوية ليصبح وجهة جاذبة للسياح اليابانيين. وآمل مخلصاً أن يتمكن العراق من رؤية السياح اليابانيين يزورون العراق لأن الوضع الأمني في العراق قد يتحسن أكثر في المستقبل.
مجلة “الشبكة العراقية”: كيف تنظرون إلى قطاع الذهب الأخضر (قطاع الزراعة) في العراق، علماً أن العراق عرف الزراعة منذ أكثر من 7,000 سنة وكان يطلق عليه أرض السواد لكثرة خضرته الشاسعة؟ من فضلك أخبرنا أيضاً عن نجاح اليابان في استخدام التكنولوجيا في تطوير قطاع الذهب الأخضر، وكيف يمكن الاستفادة من هذه التجارب والخبرات في تطوير قطاع الزراعة في العراق؟
السفير الياباني: يعتبر العراق مهد الحضارة مع نهري دجلة والفرات، ما أسهم في الحفاظ على الأراضي الزراعية الخصبة لآلاف السنين. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، أدى بناء السدود بشكل واسع النطاق عند المنبع وتأثيرات تغير المناخ إلى انخفاض كبير في تدفق هذين النهرين، ما أدى إلى تدهور إمدادات المياه. وبدون اتخاذ تدابير فعالة، ستترتب على ذلك عواقب وخيمة على استدامة الزراعة في العراق.
نظراً لعدم توفر الكثير من الأراضي الزراعية في اليابان مع محدودية موارد المياه، فقد طور الشعب الياباني زراعة فعالة وعالية الجودة بطريقة فريدة. يمكن العثور على الجانب الأكثر أهمية في الزراعة اليابانية في الاستخدام الفعال للمياه. نتيجة للجهود الطويلة التي بذلها المزارعون اليابانيون على مر التاريخ، شهدت قيمة تصدير المنتجات الزراعية اليابانية نمواً مضطرداً، حيث وصلت إلى مستوى قياسي قدره 6 مليارات دولار أميركي في عام 2023. وهنالك عدد متزايد من محبي المنتجات الزراعية اليابانية في جميع أنحاء العالم.
منذ عام 2012، أرسلت (جايكا) خبراء إلى العراق بناءً على طلب حكومة العراق لتقديم التعاون الفني. وقد عمل خبراء (جايكا) مع الشعب العراقي وقاموا بتنفيذ المشاريع على أساس الاحتياجات الحقيقية.
اسمحوا لي أن أقدم مثالاً جيداً على مشروع التعاون الفني التابع لـ (جايكا) لتقديم الحكمة اليابانية للمزارعين العراقيين فيما يتعلق بالطرق الفعالة لاستخدام المياه. اقترح الخبراء اليابانيون تشكيل جمعية مستخدمي المياه (WUA) إلى جانب إدخال تقنيات توفير المياه والري، مثل جهاز تسوية الأراضي بالليزر (LLL) وآلة زراعة المحاصيل المتعددة (MCBP).
وقد أسهم إدخال تقنية تسوية الأراضي بالليزر وآلة زراعة المحاصيل المتعددة في زيادة المحصول بمقدار الضعف، مع استخدام نصف كمية الماء المعتادة، ما أدى إلى كفاءة تعادل 4 مرات مقارنة بالري التقليدي. توسع المشروع الذي بدأ في البصرة وذي قار ليشمل 19 مجتمعاً في جميع محافظات العراق. تجدر الإشارة إلى أن (جايكا) تنفذ مشروع القرض الياباني لتوفير وإعادة تأهيل مرافق الري في مختلف المحافظات، بما في ذلك ذي قار وواسط وبابل وميسان وكربلاء. واليابان عازمة على التطوير المستمر للقطاع الزراعي العراقي وقدرات الموارد البشرية وخلق فرص العمل.
مجلة “الشبكة العراقية”: في نهاية المقابلة الصحفية معك سعادة السفير، ما هي أكثر الأكلات العراقية التي تحبها؟
السفير الياباني: المسكوف، اليابانيون يحبون السمك كثيراً ..