العراق الأزلي
رئيس التحرير /
لا توجد دولة في العالم تقريباً لم تتغير خارطتها استناداً الى الحروب والمعاهدات، لسبب او لآخر، وصولاً الى ما هي عليه الآن، ولا توجد دولة في العالم، إلا نادراً، لا تضم إثنياتٍ وأدياناً ومذاهب مختلفة..
لست وحدي، إنما كثيرون يتعجبون من الذريعة التي تقول بأن العراق “دولة مصطنعة” وأنه لم يكن موجوداً قبل سايكس بيكو!! وفي كتاب (اسم العـراق، أصله ومعناه عبر العصور التاريخيـة، سالم الآلوسي، ط1) شروحات كافية للاسم (العراق) وتاريخ كل اسم، والشرح الأقرب الى النفس هو أن “اسم العراق يرجع في اصله الى تراث لغوي قديم، أصله سومري، ومن أقوام آخرين من غير السومريين كالساميين الذين استوطنوا السهل الرسوبي منذ أبعد عصور ماقبل التاريخ، وأن (عراق) مشتق من كلمة تعني (المستوطن) ولفظها (اوروك uruk) وهي الكلمة التي سميت بها المدينة السـومرية الشهيـرة الوركاء.”
طبعا، مع مرور الزمن وبدء كتابات الرحّالة، أصبحت هناك إشارة الى العراق العربي والعراق الأعجمي. ونعرف أن (الأعجمي) تعني من ليس عربياً. إذن فإن الأقوام غير العربية التي سكنت شمال العراق منحت (أعجميتها) لشمال العراق.. هو العراق الممتد حتى قبل بدء التاريخ وسيستمر الى انتهائه، وكل من سكنه ويسكنه هو عراقي قبل أي انتماء آخر… مهما كانت الأزمات التي نواجهها، ومن بينها المحاصصة المقيتة، لابد من أن تنتهي ونعود كما كنّا شعباً واحداً من الجبل الى البحر، ومن البساتين الى الصحراء.. نعرف جميعاً أن الظروف التي مر بها العراق حاولت تقطيع أوصال المجتمع العراقي بمصطلح المكونات الذي أولد المحاصصة، فأصبح بيننا من يعمل لأجل العراق والشعب، ومن يعمل لأجل عائلته وعشيرته وأجندته الخاصة، وهؤلاء الى زوال، تماماً كما المحاصصة.
ما أريد قوله الآن إن الشائعات عن كركوك والانتخابات، وغيرها من الأزمات الحقيقية والمختلقة، كثيرة سواء على مواقع التواصل الاجتماعي او في الفضائيات المؤدلجة او التي يبحث أصحابها عن المال الحرام وإن على حساب استقرار العراق وحقن دماء أبنائه.
توقفوا عن مشاهدة فضائيات السوء التي تسببت في الكثير من مآسي العراق ومشاكله، وتوقفوا عن قراءة صحف السوء، وقوموا فوراً بحظر صفحات التواصل الاجتماعي التي لا يحسن أصحابها سوى بث الحقد والتفرقة والحث على العنف، وتوقفوا عن مشاركة أخبار أو فيديوات مسيئة الى هذا المذهب او تلك القومية بحجّة الاستنكار، إن هذه المشاركة تفعل فعل النار في الهشيم. توقفوا، إن لم يكن لأجلكم، فلأجل غد أطفالكم..
لن يكون العراق عراقاً إلا بعربه وكرده وتركمانِه وسريانِه وآشورييه وشبكِه وصابئته ويزيدييه وكلدانِه وأرمنِه وبهائييه. قد نختلف، وإن طال الاختلاف، ففي الأخير لا يصحّ إلا الصحيح، إننا نحن بمختلف إثنياتنا وأدياننا ومذاهبنا، بتنوعنا، صنعنا ثقافة مميّزة للعراق، مميّزة بثرائها، ثراء التاريخ العراقي بحضارته.. لنستمر معاً في العراق الأزلي.