باب المعظم..اتخذه هولاكو معسكراً ونوري السعيد مقرا لسكنه
عبد الجبار العتابي/
الباب المعظم.. تلك المساحة التي تمتد من الرصيف الشرقي لرأس شارع الرشيد الى الطرف الآخر من رأس شارع الجمهورية، والتي تتميز بمقاهيها الصغيرة ومطاعمها والمحال التجارية التي تحتوي على كل شيء، وحيث يجتمع طلبة الجامعات والأدباء والعمال جنبا الى جنب.
العمال الذين يعمل أغلبهم في الخياطة، بينما حظيت مقهى الآداب التي كانت ملتقى الأدباء والمثقفين بشهرة واسعة، أما العابرون من هناك فلا بد أن يستوقفهم المكان بروائحه الطيبة وجمالياته الملفتة للنظر لأنه جزء لا يشبهه جزء آخر في بغداد وكأنه محطة استراحة لابد منها.
تأملات في معنى الاسم
عند الوصول الى المكان الذي يشتهر بكونه (الباب المعظم)، لابد من تأمل الاسم بحثا عن معنى له، وبالتأكيد يتم ربطه على الفور بـ (الباب الشرقي) من خلال كلمة (باب) التي تتكرر هنا وهناك ولأنهما البابان الشمالي والجنوبي لشارع الرشيد، ومن ثم لابد لمن يرتفع سقف الفضول لديه أن ينظر في الأرجاء لاستطلاع المكان الذي صار الآن زاخراً بالعديد من الأشياء التي تتوزع ما بين القديم والجديد فضلا عن الزحام الذي صار علامة فارقة فيه، ويحاول رسم صورة متكاملة للمكان ولكنه بكل تأكيد لا يستطيع لأنه تغيّر كثيرا واختفت العديد من الأسماء القديمة لتحل محلها أسماء جديدة، فليس المكان الآن يشبه ما كان عليه قبل 25 سنة في الاقل، حتى وأن كانت عذابات الحصار الاقتصادي قد اطبقت على الناس، وبدأت (البسطيات) تغزو طرقاته وأرصفته خاصة في ساعات الصباح، وتحت ظلال مجسر المشاة الذي ما زلت أذكر، على طرف منه، ذلك الرجل العجوز الذي يمارس مهنة التصوير الشمسي على مدى سنوات وكنت أتطلع الى الناس وهم يجلسون على كرسي صغير أمام آلته لالتقاط صور لمعاملاتهم، وكنت أعتقد أنه آخر مصور شمسي في بغداد، فيما كان شرطي المرور بالمرصاد لكل من يعبر الشارع ولا يصعد المجسر فيحرر له على الفور مخالفة بعشرة دنانير!!.
مجمع الكليات
كما لابد أن يسترعي انتباه المارة السوق المحصورة بين بناية الأقسام الداخلية وكلية الهندسة وهما طريقا مرور يؤديان الى (كراج الباب المعظم الكبير) ومجمع الكليات التابع لجامعة بغداد، أحدهما بمحاذاة سياج كلية الهندسة وقد اشتهر بمكتباته ومحال بيع القرطاسية التي تمارس عملية الاستنساخ التي بلغت ذروتها خلال التسعينات ومعها ازدهرت ظاهرة الاستنساخ لا سيما للكتب الممنوعة حيث كان يجري تداولها في الخفاء وقد كانت حركة الطبع والنشر مقيدة تخضع لإجراءات رقابية صارمة من قبل السلطات، وتمتد على أطراف الطريق العديد من المقاهي الصغيرة التي يلتقي في أغلبها الأدباء والصحفيون، اما الطريق الآخر فهو سوق عامرة بالبضائع البسيطة التي يبيع مفرداتها شباب منهم خريجو جامعات ونسوة اضطرتهم الظروف لهذه الأعمال، تقف على طرف من الطريق بقايا دار سينما اسمها (الشرق).
الباب المعظم – باب السلطان
الباب المعظم هو أحد معالم مدينة بغداد المهمة، وحسب قول العلامة محمد بهجت الاثري عن بغداد بدايات القرن العشرين: كانت حدود الرصافة أواخر العهد التركي تبدأ من المحل الذي يعرف بالباب المعظم حيث تقوم وزارة الدفاع (سابقا)، أي كان هذا الباب بابا عاليا ضخما ينفذ منه الى ربض المدينة أي أطرافها ويمتد منه طريق ينتهي الى الأعظمية وما وراءها. هذا من الجهة الشمالية من المدينة.
وقد أكد المؤرخون أن هذا المعلم كسب شهرة واسعة قديما وحديثا بسبب الحوادث التي جرت فيه وعدد الأسماء التي اطلقت عليه دون سائر الأبواب الثلاثة الأخرى في سور بغداد الشرقية،ويذكر المؤرخون أن الباب في البدء كان بابا معقوداً ولم يلبث أن أصبح منطقة ورقعة جغرافية مهمة في خارطة بغداد. ومن اسمائه: باب بغداد , الباب الشمالي , الباب المعظم , باب الاعظمية , باب السلطان , باب سوق السلطان.
معسكر المغول
كما يذكر المؤرخون عن أخبار الغزو المغولي لبغداد سنة 656هـ ،فيقولون: أن هولاكو كان على رأس القوات المغولية يقود الجيش بنفسه فجعل معسكره الى شمال بغداد وعسكر الجناح الأيمن من الجيش قبالة المدينة أي الجهة الشمالية مواجهاً لباب سوق السلطان او باب السلطان والجناح الأيسر من الجيش قبالة باب كلواذى (من التراث العربي ج 1 ص 290)،ويذكر المؤرخ الفارسي حمد الله المستوفي الذي دون كتابه في سنة 740هـ (1330م) ليسجل ” كان الدخول لمدينة بغداد من الباب الوحيد في السور الشمالي المعروف بـ (باب السلطان) فقط (عن: لاسترنج ص 239 , مما يدل على غلق الأبواب الثلاثة الأخرى.
ومن الحوادث التاريخية المتصلة بـ (الباب المعظم) أن فاتح في بغداد 11 / 3 / 1917 قائد الجيش البريطاني الجنرال (ستانلي مود) دخل بغداد من جهة الباب المعظم على ظهر فرس الى (خليل باشا جاده سي/ شارع الرشيد) ولم يدخلها من الباب الشرقي (باب كلواذى) وذلك لدواع وأسباب منها: اظهار قوة وعظمة بريطانيا وجيشها, ولكون الجانب الشمالي من بغداد والباب المعظم تمثل الجزء الأهم والأعظم من بغداد من النواحي العسكرية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية لوجود عدد من المؤسسات والمواقع والدوائر في هذه المنطقة مثل: قلعة بغداد , بناية القشلة والسراي والجوامع والمدارس والأسواق وبيوت كبار العسكريين والمدنيين فيها واخيرا اعلانا لنهاية السيطرة العثمانية على العراق. بقى الباب المعظم قائما حتى عام 1923 حتى اقدمت أمانة العاصمة على هدمه لتوسيع الشارع العام.
محلة السور
لكن المكان يضم منطقة اطلق عليها (السور) ،ما زال الناس حتى الآن يعرفونها بهذا الاسم، هي مجرد زقاق او عكد طويل، جهة منه ازيلت تماما وقد تحولت الى معامل مختلفة فيما الجهة الأخرى ما زالت تحتفظ بطرازها البغدادي القديم بالرغم من أنه تهدمت دور منه وأجزاء من دور أخرى وبنيت بدلا عنها دور جديدة، فالملامح القديمة شاخصة على شبابيكه الملونة وشناشيله وطابوقه وخشبه العتيق والروح البغدادية، لكنه زقاق مهمل بدءا من أرضيته الى كل شيء فيه، وبصراحة التجوال فيه يؤدي الى وجع في القلب لأنه مثل كل الشوارع الخلفية البغدادية المضطهدة.
نوري سعيد
هذا الزقاق كان يسكن في أحد بيوتاته رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري السعيد خلال الثلاثينات لذلك في عام 1932 اطلق على الشارع الذي يبدأ من دار نوري السعيد نحو السدة الى منعطف الشيخ عمر اسم شارع نوري السعيد، هذا البيت هدم من ضمن ما هدمت من دور.
ويشير المؤرخون الى أن خارج الباب المعظم يقف بعض السابلة من الباعة وبالأخص بائعات اللبن، ولا يوجد في بغداد تبليط في الشوارع ولا تزفييت ولا أرصفة ولا جادات.
عالم من التناقضات
في البحث عن ماضي الباب المعظم يمكن الاستعانة بما كتبه القاص غائب طعمة فرمان في روايته (خمسة أصوت)، حيث قال :(عجيب باب المعظم هذا، لو فكر الناس بما فيه لقالوا هذا عالم من المتناقضات، فيه السجن المركزي (وزارة الصحة الآن) ووزارة الخارجية (عيادة طبية حكومية)، مقبرة ومكتبة عامة (الكلية التقنية الطبية)، مستشفى وبهو للاستقبال. دار المجانين وقاعة للتمثيل، كلية للبنات وأخرى للأولاد، مستشفى أطفال ومتحف طبيعي وأشياء أخرى تتعايش ببرود عجيب).
وبالفعل.. يزخر الباب المعظم بالكثير من المعالم وأن تلاشى العديد منها، والباحث في أرجاء المكان لابد أن يقف متأملا بقايا سور الباب المعظم والذي هو حاليا يفصل بين قاعة الشعب وجامع الأزبك، وقد بوشر بأنشاء هذا السور (سور بغداد الشرقية) وخندقه العظيم لأول مرة سنة ( 488هـ / 1095 م ) على يد الخليفة المستظهر وأكمل بناءه في عهد الخليفة المسترشد سنة (517هـ /1123 م) ، وقد جدده كل من الخليفة الناصر لدين الله العباسي سنة (1180 – 1225 هـ) وبقي قائماً حتى الأحتلال البريطاني للعراق عام (1917 م) أي أنه ظل قائماً ما يقارب 800 عام . وقد جعل للسور أربعة أبواب ومنها هذا الباب الأول وهو الباب الشمالي وقد سمي بأسم الباب المعظم لأنه الباب المؤدي الى مرقد الشيخ أبي حنيفة (النعمان ابن ثابت ) وقد سمي أيضاً (باب السلطان) لأنه الباب الذي دخل منه سلطان السلاجقة (طغرلبك) عند أحتلاله لمدينة بغداد في عام ( 477هـ / 1055م) وقد ظل هذا الباب قائماً حتى عام ( 1925 م) حيث قامت بهدمه أمانة العاصمة من أجل توسيع شارع الرشيد في الباب المعظم.
وهناك مستشفى (المجيدية) الذي سمي ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ. ﻭﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺷﻐﻠﺘﻪ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺻﺤﻴﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ، ﻭﺑﻌﺪ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﺔ ﻋﺎﻡ 1921 ﺳﻤﻲ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ ﺛﻢ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻱ ﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮﻁ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ ﻋﺎﻡ 1958، ومن ثم أﺻﺒﺢ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻃﺒﻴﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻄﺐ، والمستشفى كانت قبل ذلك قصرا اصدر السلطان العثماني محمود خان، امره لوالي بغداد مدحت باشا ببنائه لسكن الشاه الايراني ناصر الدين شاه، ومن معه عند مروره ببغداد الى فرنسا للعلاج.
فيما كان هناك مستشفى للمجانين وكذلك السجن المركزي للنساء وللرجال، وكان للنساء السياسيات سجنهن الخاص وطاقم كامل من السجانات لادارته وحراسته.. واستمر لغاية فتح سجن أبو غريب ومكانه بناية وزارة الصحة الحالية.
ويذكرالشيخ جلال الحنفي: وكانت في مدخل بغداد حوانيت ودكاكين لعدد من الباعة، وقد كانت على ما شاهدت عدة دكاكين تقع في المنطقة، وقد لبثت امدا ثم هدمت.. وقد بنيت في الباب المعظم مكتبة عالية فخمة جدا، كنا نتردد عليها للمطالعة ولكنها بعد حين هدمت خطأ وتعسفا بدعوى توسيع الطريق ولم يؤد هدمها الى توسيع يريدونه.. ولم يكن هناك جسر بل كانت هناك مشرعة، يقال لها شريعة المجيدية.