تقبيل منفضة

1٬173

جمال جمعة /

غالباً ما أتنزه في شارع الربيعي، إنه شارع ساحر يذكّرني بالشوارع الملونة الأليفة التي اعتدت قطعها في كوبنهاغن وباريس وفيلنيوس، تلك الشوارع الضاجّة ببهجة الحياة ومرحها. ولشد ما كانت سعادتي ودهشتي كبيرتين وأنا أتطلع إلى واجهة كافتيريا على وشك أن تفتح أبوابها حديثاً. كانت تلك الكافتيريا أنموذجاً راقياً للنظافة وتنسيق الديكور، فعزمت على زيارتها لاحقاً واتخاذها ملتقى دائماً لي هناك، لكنني (ويا للخيبة!)، لم تدم فرحتي بها طويلاً. فما أن ولجت من بابها الزجاجي اللامع في المرة التالية حتى استقبلتني سحابة كثيفة من الدخان، دخان أبيض تطلقه سيدتان جالستان في منتصف الكافتيريا مع طفليهما وهما تشفطان سحب الدخان من الأركيلة المقرقرة وتنفثانه من أنفيهما كالتنانين في الأفلام الخرافية. كان منظرهما كفيلاً بجعلي أستدير بسرعة باحثاً عن باب الخروج، فلا أبشع عندي من منظر شخص يدخن الأركيلة في مكان عام أمامي، فكيف لو كان ذلك الشخص امرأة بصحبة أطفالها، ناهيك عن المخاطر الصحية الجسيمة على صحتها وصحة عائلتها برمتها، فتدخين شيشة واحدة يعادل تدخين علبة سجائر كاملة.

دخلت الأركيلة الحياة العراقية، بعد ارتفاع الدخل وتحسن الوضع المعيشي للعراقيين، من الشام ولبنان وتقمصوها في حمى البحث عن مظاهر الغنى والتباهي، فدخلت مع ما دخل من أنماط حياة دخيلة شملت أكلات شامية ولبنانية وعمليات تجميل جُزَّت فيها الأنوف ونُفِخت الشفاه تشبهاً بهيفاء وهبي!

الذوق الاجتماعي المتردي وقلة الوعي الجمالي والصحي هما اللذان شجعا مثل هذه الظواهر التي أضحت تنتشر كالعدوى بين نسائنا، ومنها شيوع تدخين الأركيلة. وشخصياً لا أستطيع البقاء قرب امرأة مدخنة تفوح من ثيابها رائحة النيكوتين أكثر من خمس دقائق، ثمة شيء فيها يثير أعصابي ويدفعني للابتعاد سريعاً عنها، أنا الذي لم يدخن سيجارة واحدة في حياته. الذوق والصحة والمسؤولية العائلية تحتم على المرأة ترك هذه العادة المقيتة، والمثل الروسي يقول: تقبيل فم امرأة مدخِّنة يشبه تقبيل منفضة!