حكاية صورة
مقداد عبد الرضا
«هذان الممثلان من أحسن الممثلين، لكن المشكلة تكمن في عدم رضا الكاميرا عنهما.»
هذا ماكتبه أحد النقاد وهو يصف مواءمة الكاميرا السينمائية أحياناً، ورفضها لبعض الوجوه في أحايين أخرى. ألا يمكن أن يحدث هذا في تحسس الكاميرا الفوتغرافية أيضاً؟ ممكن جداً، حتى المزاج يدخل في لحظة التقاط الصورة.
الترحال يرفع نمو التأمل، التأمل يمنح عافية الإنجاز، الإنجاز هوية البلدان. في الموصل الحانية، قدم الآباء التبشيريون الدومنيكان يحملون معهم سحر الانعكاس، انعكاس الصورة، البعض تخوف وأدخله في المحرمات، والبعض الآخر هلل لهذا السحر. من الأشخاص الذين استقبلوا الأمر بترحاب كبير الأستاذ نعّوم الصائغ، الذي يعد من أوائل المصورين في البلاد.
لم يكن لديه ستديو بالمعنى المتعارف عليه، بل غرفة صغيرة مارس فيها التصوير، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حمل الكاميرا وارتحل إلى القرى الصغيرة ليسجل تواريخها، ومن غير الصورة لها الحق في التوثيق؟ وحكاية هذه الصورة هي عرس في إحدى قرى الموصل، إضافة إلى صورة الأستاذ نعّوم أسفل الصورة، وكما يقولون الولد على سر أبيه، فالأستاذ نعّوم هو والد الشاعر الراحل يوسف الصائغ.
من طرائف هذه الصورة أنها تحكي معاناة أهالي بغداد منذ الوقت الذي ظهرت فيه السيارات، دائماً كان الزحام على أشده، خاصة الذهاب إلى الشورجة والتسوق. والشيء الثاني نشرت هذه الصورة في جريدة الكرخ لصاحبها الشاعر الشعبي المشاكس الملا عبود الكرخي، ببصمة رسام الكاريكتير الكبير غازي. الشيء الآخر تبدلت كثيراً أنواع السيارات، فمن سيارات الخشب الباص إلى التاونس، ثم التاتا، وأخيراً الكيا، ونحن بانتظار ما يستجد. الأكثر طرافة أن من يدير خدمة (العبرية) كانوا اثنين، السائق والسِّكن، الذي يخرم السمع بصراخه عن المكان المراد وصول الناس إليه. أحيانا تجد بعض (السِّكنية) يحاولون سرقة بعض القطع النقدية وإخفاءها في (ياخة الدشداشة) بعد أن تثقب من الخلف، فيصعب على السائق إيجادها حينما يمرر يديه على جسد (السِّكن). ومثلما حرفنا الكثير من الكلمات، جاءت كلمة سِكِن من سكند، أي المساعد.
يوم احتل (أبو ناجي) البلاد رفع شعار (فرق تسد)، وحينما تقع الأحداث تصرخ الشرطة (تفرق أخي). وبعدها جاء شعار (ممنوع التجمع لأكثر من خمسة أشخاص)، حتى وصل حال الترهيب إلى منع تظاهرات الدراما المحلية، خوفاً من التجمع. ولعلنا نذكر تلك العصي التي اجتمعت وصعب كسرها.
في كتاب (البغداديون وأخبارهم ومجالسهم) يذكر الأستاذ إبراهيم الدروبي أن في بغداد وحدها كان هناك 232 مجلساً ثقافياً، وهذا ما كان قد عزز روح الجماعة، روح الإنصات، روح السؤال، روح الصحبة. تبدل الحال الآن وصار(الهاتف) هو المدلل الذي نحتفظ به حتى في أسرّتنا، وقد يسرق المحبة، لا نسمع الاخر، نحن وحيدون إلا منه، ربما سيأخذنا إلى الكهوف، والكهف يأخذنا إلى عصر الجليد، فالماء، وتأتي النهاية، فرق تختفي.
هذه الصورة هي لمجلس الخاقاني في الكاظمية، يميناً: سلام الشماع، د. علي الوردي، الشاعر راضي مهدي السعيد، د. حسين علي محفوظ، والأستاذ رياض العودة.. رحم الله الجميع.
بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد، أن المسكين علي بابا حينما تورط مجبراً في التصدي والبحث عن اللصوص، وراح يرمي الجرار الواحدة تلو الأخرى بعفوية تامة، ظن اللصوص فيها أنهم هم في القصد، حاولوا قتله، اضطر إلى الهرب والاختفاء في ليلة غاب فيها القمر، ظل الجميع يبحثون عنه دون جدوى، إلى ان ظهرت كهرمانة التي كانت تعرف مكان علي بابا. التقت بشيخنا كبير النحاتين الأستاذ محمد غني حكمت وأخبرته بكل الحكاية، وكانت تحمل معها كل الجرار. جاء شيخنا بعد أن اهتدى إلى مكان في قلب بغداد، فوضع الحكاية. الطريف في الأمر أن أهالي بغداد أضافوا أربعة لصوص إلى الأربعين، وبتنا لا نعرف هل هم (40) أم (44)؟ أفيدونا.
الصورة قبل مجيء كهرمانة إلى المكان.. للمصور الراحل إمري سليم.