في مؤتمر دولي أقامه بيت الحكمة السريان ودورهم التاريخي في نهضة العراق وأوربا

50

زياد جسام

اختتمت قبل أيام أعمال المؤتمر العلمي (من مدرسة جندي سابور إلى بيت الحكمة)، الذي أقامه بيت الحكمة قسم الدراسات اللغوية والترجمية، بالتعاون مع مجموعة من المؤسسات الأكاديمية، منها قسم اللغة السريانية بجامعة صلاح الدين في أربيل.

يهدف المؤتمر للتعريف بالدور المهم لمدرسة جندي سابور وبيت الحكمة في إنتاج المعرفة ونقلها من خلال السريان، الذين لعبوا دوراً محورياً في ترجمة المعارف وتقديمها إلى العالم في العصر الذهبي الإسلامي ومساهمتهم في نهضة أوربا.
إنجازات علمية
تحدث د. رضا الموسوي، رئيس قسم الدراسات اللغوية والترجمية في بيت الحكمة، عن تنظيم المؤتمر قائلاً: “اشتمل المؤتمر على أربع جلسات علمية أقيمت على مدى يومين متتالين، بواقع جلسة صباحية وجلسة مسائية، ناقشت مواضيع متنوعة، منها: العلوم المنتجة في بيت الحكمة، مناقشة الإنجازات العلمية والموسوعات التي تم تكوينها في هذا الصرح العلمي، دور الشخصيات السريانية في الترجمة ونقل المعرفة، تسليط الضوء على أشهر المترجمين والعلماء السريان ودورهم في تقدم العلوم والمعرفة.”
خرج المؤتمر بتوصيات ومطالبات تتجه للإقرار والتنفيذ، منها تأسيس مركز بحثي للترجمة وتأسيس جوائز في هذا الحفل المعرفي، والعمل على إرسال بعثات بالتعاون بين بيت الحكمة وجامعات عالمية وعربية. وأشار الحاضرون إلى قيمته وأهمية بيت الحكمة التاريخية، لريادته في نقل الحضارة الفكرية من الثقافات اليونانية والسريانية والفارسية والرومانية إلى الثقافة العربية.
الحفاظ على اللغة
استثمرنا فرصة وجود بعض الشخصيات في المؤتمر لتسليط الضوء على دور السريان في بناء الحضارة العراقية.
حدثنا د. كوثر نجيب عسكر، رئيس قسم اللغة السريانية في جامعة صلاح الدين بأربيل، وهو واحد من المساهمين المهمين في إقامة هذا المؤتمر، عن اللغة السريانية، معبراً عن سعادته الغامرة بافتتاح قسم اللغة السريانية في وقتها عام 2016، وقال: “جاء استحداث هذا القسم بعد المطالبات الكثيرة من أبناء شعبنا، بكلدانه وسريانه وآشورييه، للحفاظ على هذه اللغة وديمومتها، علماً أن القسم تُدرس فيه مواد كثيرة، ليس فقط ما يتعلق باللغة السريانية.”
واسترسل في حديثه قائلاً: “اليوم ينبغي على كل مسيحي أن يقوم بخدمة هذه اللغة والدفاع عنها، كونها كانت السبب في حفظ الكثير من المصادر العالمية عن طريق الترجمة إليها وإلى العربية، كذلك كانت ومازالت اللغة الطقسية لأبناء شعبنا في الكثير من الكنائس.”
حضور فاعل
أما النائب السابق عن المكون المسيحي في العراق يونادم كنا، فتحدث عن الأهمية التاريخية للسريان قائلاً: “عندما نقول سريان نعني بذلك – كلدان، سريان، آشوريين- ثلاث تسميات لمكون قومي إثني ثقافي واحد، ورغم تعرض هذا المكون لمظالم واضطهادات، وأبرزها مذابح سميل 1933، إلا أنهم كانوا حاضرين سياسياً وابداعياً، ولهم حضور في كافة مناحي الحياة من فنانين وأطباء ومهندسين ورجال دولة. وبعد التغيير تحقق الكثير من المطالب في الدستور، وفي مقدمتها اللغة السريانية التي أمست إحدى اللغات الوطنية وفقاً للقانون، وافتتاح أقسام اللغة في جامعتي بغداد وأربيل وديوان أوقاف المسيحيين والإيزيديين والصابئة.”
وأضاف: “الآن نحن بحاجة لتحقيق العدالة والمساواة والالتزام بمضامين الدستور وتوفير المناخات والاطمئنان لتتسنى للمهجّر أو المهاجر العودة إلى الوطن والاستقرار، والابتعاد عن التشدد الديني والطائفي، لكونها عوامل طاردة للتعدد الديني والثقافي، ليس للسريان فقط وإنما لجميع مكونات المجتمع العراقي.”
هوية ثقافية حضارية
وقال روند بولص كوركيس، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب السريان: “لاشك بعد تغيير النظام في العراق عام 2003، توسعت مساحة الحرية والتعبير عن الرأي، وسنحت الفرصة للتعريف بالهويات الثقافية المتنوعة في المجتمع العراقي، إلا أن بعض الأقليات تعرضت إلى موجات عنف وترهيب، بسبب غياب القانون والمحاصصة الطائفية. المكون السرياني ثابر في هذه المرحلة للتعريف عن هويته الثقافية وإرثه الحضاري والنهوض بلغته، ضمن إطار وطني، أذ تم تأسيس أقسام اللغة السريانية في جامعات بغداد وأربيل، وقام السريان أيضاً بتأسيس عدد من الجمعيات، ومراكز ثقافية، خاصة في سهل نينوى وأربيل ودهوك، وقامت هذه الجمعيات بإصدار عدد من المجلات والدوريات والجرائد باللغات السريانية والعربية والإنجليزية، إضافة إلى إقامة والمشاركة في المهرجانات الثقافية والأدبية على مستوى الوطن، والمؤتمرات أكاديمية بحثية عن الدراسات السريانية داخل الوطن وخارجه.
قامات إبداعية وعلمية
رفد السريان المشهد الثقافي والفني في العراق بالعديد من القامات الأدبية، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، سركون بولص، جان دمو، يوسف سعيد، شاكر سيفو، زهير بردى، هيثم بردى، سعدي المالح، سنان أنطون، دنيا ميخائيل، نزار الديراني، ريكاردوس، نمرود قاشا.. الخ”. وختم حديثه بالقول “لابد من الإشارة الى إقرار اللغة السريانية لغة رسمية في مناطق تواجد السريان، وتعريف الجميع بهويتهم الثقافية والوطنية، لأن الثقافة واللغة السريانية إرث وطني أصيل يمكن للجميع أن ينهل من هذا المعين الثري.”