أمهات يجندن أطفالهن لمراقبة آبائهم.. في بيتنا جواسيس
آمنة عبد النبي/
وصفوهن بالأمهات المضطربات نفسياً، وأن أمومتهن عبارة عن فطرة ملوثة بالأنانية، لا يهمهن تدمير شخصية الطفل حينما يحولنه الى جاسوس صغير ونمام محترف يلاحق حديث والده في الهاتف الخاص، او ينقل بالخفاء ما يضمره من أسرار مع أصدقائه.
بالمقابل شنَّت النساء المُبتليات- كما يعبرنّ- هجوماً لاذعاً على رجالٍ يتبجحون بالخصوصية بعيداً عن عيونِ الزوجات ويتذمرون من المراقبة السرية لخفاياهم، ولا يفكرون سوى بسترِ غموض تصرفاتهم الصبيانية وإخفاءِ ألغازها، متسببين بتخريب حياة العائلة وتحويل البيت الى فندقِ استراحة!
مضطربات لا أمهات
“لسن أمهات وإنما مجرد مضطربات نفسياً، السلوك الذي يقود المرأة لتحطيم شخصية طفلها تحت مسمى (الغيرة)، وهذا مفهوم تبريري خاطئ جداً، هو سلوك عصابي مريض..”
بهذا الهجوم اللاذع والجريء، تحدث الأب علي عدنان، (الملچوم) من تنصت وملاحقة أطفاله له بطريقة التجسس، قائلاً:
“هذا الهوس النفسي ضحيته الأطفال الذين سينشأون غير مؤهلين وفاقدي الثقة سلوكياً واجتماعياً بكل من حولهم في المستقبل، علماً أنهُ لا علاقة للثقافة بطريقة الأم المخطئة، فأحياناً نجد ربات بيوت يهيئن أبناءهن بشخصيات وأفكار محصنة من خلال المتابعة وتنمية الفكر وتحصينه من الأخطاء، لا أن ينشأ الطفل كذاباً وفاقداً للصدقِ والصراحة والثقة، ولاشك، فقد يكون لتأثير التكنلوجيا الحالية تدخل كبير في الحياة الأسرية، وهذا ما قد يسهم بشرعنة الأخطاء للأب، لكن في النهاية تبقى حصانة الأطفال من تلك السلوكيات هي مهمة المرأة بالدرجة الأولى، مع أنه ليس للمرأة حق التملك في الرجل، والعكس كذلك، وإنما تقع على كليهما مهمة الحفاظ على ديمومة الأسرة وبناء الثقة وتعزيزها بين الطرفين، فالشك أحد أهم عوامل التفكك الأسري، كذلك الحال بالنسبة للرجل الذي يتحمل جزءاً مهماً من المشكلة في عدم طمأنة المرأة من خلال التعامل الواضح والسلوك الجيد واحترام وقت الأسرة، كل هذه الملاحظات أجزاء بسيطة يسهل تحملها على الطرفين.”
نزلاء فندق لا آباء
“لا يحق لأي رجل غامض في علاقاته وصامت في بيته أن يتكلم عن جاسوسية الأطفال، متهماً الأم بتخريب حياتهم التي حوّلها بمراهقته المتأخرة الى فندق استراحة!”
بهذا الرد الحاد على من سبقها بالحديث، تكلمت الموظفة في دائرة الضريبة نجاة عباس، بعصبية قائلة: “يتحدثون عن أخطاء وهوس الزوجة في البيت، ويتهمونها بتخريب حياة أطفالها لمجرد إرضاء غيرة أو لوثة في رأسها، وكأنها ماكنة او مكملة لأثاث البيت، لماذا لا يسألون أنفسهم المريضة عن سرّ هذا الغموض والتكتم والخصوصية في بيت يفترض أن يكونوا فيه شركاء لا ضيوف، إن استخدام الأطفال في مراقبة الأب مرفوض وتصرف خاطئ، نعم، لكن السؤال هنا ما الذي يجبر الأم على الاضطرار الى ذلك؟ فلو كانت الأمور واضحة وهنالك طمأنة وصدق في التعاطي والتعامل بكل شيء لما احتجنا أساساً لمراقبتهم او معرفة ما يخفونه.”
الوعي قبل الأمومة
“وحدها الأم الأنانية من تحول طفلها الى إنسان جاسوس ناقل للكلام وتفقده ميزة ثقة الآخرين وتجعل منه إنساناً منبوذاً بين أصدقائه في المستقبل..”
بهذا الرد المنزعج أجابنا الأب سلام كامل، الرافض لظاهرة التنصت عليه من قبل أطفاله الصغار، مكملاً:
“عانيتُ كثيراً مع زوجتي الشكاكة، التي لو اضطرت أن تدخل الى رأسي وتخرج ما بداخله لفعلت بلا تردد، ودون مبالاةٍ لنتائج سلوكها، فالطفل الذي حكمت عليه أمه بالجاسوسية لن يتمكن من امتلاك صديق مقرب طوال حياته، وسيدمن ثقافة الجُبن بمواجهة الآخرين، ولابد من الإشارة هنا الى قضية الوعي ومحدداتها في تجنب الفعل، وحتماً فإن الثقافة والإدراك لهما علاقة بالشخصية، فإذا كانت الأم واعية لنتائج سلوك كهذا، وأنه يصنع من طفلها شخصية مهزوزة فإنها بالتأكيد ستقوم بالضغط على نفسها وتجنب الاتجاه نحو مثل هذه السلوكيات التدميرية. أما عن مسؤولية الأب هنا، فأنا أجدها بمقدارٍ قليل جداً، لأن شخصية الرجل أساساً هي غامضة وكتومة، لا لسبب ضدها، وإنما هي شخصية مُدجنّة بهذا الشكل، فإذا ما عمدت كل أم على تفكيك رموز الصمت عند الرجال فسيتحول جميع الأطفال الى جواسيس.”
أطفال مكروهون اجتماعياً
الباحثة في طرائق التدريس التربوي نجلاء سعد، أعطت وجهة نظر بظاهرة الجواسيس الصغار، قائلة:
“الطفل ليس له ذنب، وأحياناً تُسيء الأم كثيراً لأطفالها بتلك العادة السيئة دون أن تقصد، وطبعاً هنا لا أعفيها من المسؤولية التي تجعل أطفالها مرفوضين اجتماعياً وغير مقبولين، لكن أتحدث عن مراحل المشكلة، فعلى الرغم من أنهم قد ينقلون ما يحدث من دون أن يفهموا خطورة ذلك وكيف يمكن أن يثير الفتن والخراب في البيت، لكن للأسف بعض الأمهات يعتقدن بأن حقوقهن كأمهات وزوجات تتعدى مفهوم الصواب والخطأ، فيجعلن من أبنائهن وسيلة من دون أن يتنبهن إلى ما ينتج عن ذلك من إفساد لأخلاقيات الأطفال وتدمير شخصياتهم داخل البيت والمجتمع في المستقبل.
إذن، فإن الزوجة ونتيجة لقلة خبرتها، تدفع الطفل لممارسة الأخطاء السلوكية، ومع مرور الوقت تتحول أخطاؤه الى عادة طبيعية، بل حتى النميمة ونقل الكلام يصبحان صفتين ملتصقتين بشخصيته تستمران معه حتى الكبر، لذلك نرى أن معالجة مشكلة الطفل الجاسوس تكون من خلال الرجوع من جديد وتدريبه على الحدود والخصوصية والحقوق بدون عقاب، لأننا إذا أردنا أن نبني جيلاً سليماً وقوياً فعلينا ببناءِ الأم المؤهلة والأب الذي لا يتردد لحظة في طمأنتها بالحفاظِ على بيته وعائلته.”