أن تعيش من أجل إرضاء غيرك!

3٬007

آمنة السلامي /

يعد إرضاء الآخرين من أصعب الأمور التي تواجهنا في حياتنا، وتعصف بنا، وخصوصا إذا ما اعتبرها البعض على انها واجبة، فهي تسبب لنا قلقاً شديداً ووضعاً نفسياً حرجاً، ذلك لأننا نضحي بقناعتنا بأحب الأشياء الينا ونقدمها رخيصة الى أناس قد لا يستحقونها، أو لا يقدّرون قيمتها، حتى تغذي معتقداتهم غير الصحيحة عن مفاهيم يؤمنون بها، وتحكمهم أنانيتهم للدفاع عنها والتمسك بها دون مراعاة الآخرين.

“الشبكة” استطلعت آراء المعنيين بهذا الموضوع وخاضت معهم نقاشاً هذه هي حصيلته:

التنازل على حساب النفس

تؤكد الدكتورة سهى المياحي، اختصاص علم نفس، أن من أصعب وأكبر التنازلات التي نقدمها في حياتنا، هو أن تتأقلم على واقع تعيشه وهو يخالف رغبتك وطموحك وآمالك الشخصية والذاتية، مايسبب إحباطاً وخيبة أمل في داخلك.

ألم كبير وحسرة لا توصف، والمشكلة أن البعض لا يعتبرها تنازلاً، وإنما يعتبرها من صميم واجباتك وهي حالة اعتيادية، وأن ما تقوم به هو فرض عليك. ولفتت إلى: أن حياتنا لاتستمر بهذا الشكل الاستغلالي، بل ضرورة أن يتحلى كل منا بالشجاعة اللازمة للاعتراف بالخطأ والتراجع عنه، فعلى كل منا الاهتمام بمشاعرالآخرين وتقديم التضحيات والتنازلات لأجلهم، من أجل أن يتمكن الجميع من بناء حياة كريمة وآمنة.

فيما نبهت الإعلامية (س . ع)، التي رفضت ذكر اسمها، الى مسألة مهمة هي أن هناك أناساً لا يستحقون التنازل في حياتنا، وهؤلاء هم ضعاف النفوس الانتهازيّين وناكري الجميل الذين مهما قدمت لهم فلن يجدي معهم الخير ابدا.

وأضافت الإعلامية التي انفصلت عن زوجها: قدمت تنازلات كثيرة من أجل أولادي والحفاظ عليهم حتى وصلت التنازلات الى حد اذلال النفس، ولكن بالمقابل زادت معاناتي واعتبرت كل هذه التنازلات انها وجبات تقدم من قبلي دون مراعاة حجم التضحية المقدمة، ونبهت الى: ان التنازلات لا تجدي نفعاً إلا مع كرام النفوس فهي تقدر وتهب الحياة للآخرين وترد الجميل.

تنازل مقترن بأهداف

مامعنى التنازل وما هو الهدف منه؟

الدكتور أيسر فخري، الأستاذ في جامعة بغداد- اختبارات نفسية، يقول: التنازل هو مفهوم ضبابي حسب الشخص، فهو عند السياسي دبلوماسية، وعند الزوجة حب، وللابن مكسب، وللأب هو آخر حل للتربية. لكن المشكلة ليست بمن يقدم التنازل بل بالمتلقي الذي ممكن أن يفهم انه ضعف وممكن أن يفهم انه حب وكسب للآخر، وطريقة تقديم التنازل والموعد مهمة هنا فممكن ان نفرق بين الضعف والحب او الإيثار.

ونبه الى:

ضرورة توخي الحذر بالطريقة والوقت لكي لا يفهم خطأ، وهنا إذا أردنا التفصيل فإن المفهوم يختلف مع الأب والام والابن والبنت وبين الأصدقاء وحتى بين الدول، نحتاج لمساحة معرفية اكثر لكي نتعلم طرق التنازل لإدامة الحياة. فنحن نتنازل لمن هو يشكل مصدر الحياة بالنسبة لنا، وتنازلنا يكسبنا الحياة وفي وقت نكون فيه اقوياء، لذا قيل (العفو عند المقدرة)، فيجب علينا تعلم مهارات فن التنازل.
التنازل في الإسلام

الدكتور فلاح الفضلي، إعلامي،: يعد التنازل في الاسلام من اعلى درجات المتّقين، وهو ينقسم على عدة اقسام: التنازل عن الحق الشخصي وهو على قسمين، الأول: اذا كان قربة لله تعالى باعتباره صدقة حسب قوله تعالى (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو)، الثاني: اذا كان التنازل يمهد لمفسدة في الارض ومن شأنه ان يضيع الحقوق ويشعر أهل الباطل بأنهم على حق فهو مرفوض، لذا جاء قوله تعالى (العين بالعين والسن بالسن والأذن بالأذن والجروح قصاص). وأضاف : التنازل عن حق الله مرفوض جملة وتفصيلا وهذا ما يمكن لمسه في كفارات اليمين الكاذب وغيرها، فيما التنازل عن الحقوق العامة، وهذه الرخصة لايملكها الا من بيده الحل والعقد وهو ولي الأمر شريطة إصلاح ما افسده الآخرون، من ماله الخاص وليس من المال العام لان ذلك سيدخله في مفسده جديده.

ويقول موظف في إحدى الدوائر الحكومية: كان لي خياران، إما ان اسلك طريق الحرام وأتنازل عن قيمي ومبادئي، او ان انقل الى مكان آخر، وهو اضعف الإيمان أو أن اتنازل عن منصبي، واسكت عن فساد اداري وسرقة اموال الدولة وأكون شريكاً في الفساد معهم. أفضل أن اتنازل عن منصبي الإداري وارجع كموظف عادي، واضحي بالمنصب واتنازل كي لا أعيش خائنا لوطني واهلي وناسي.

وشدد الفضلي على الناحية الاجتماعية، فالتنازل المفرط يفقد المتنازل شخصيته وربما يجعله رخيصا امام الآخرين لذا يتطلب الامر ان يكون الانسان متوازناً في تطبيق مبدأ التنازل بحسب قرب مكانة الآخر في حياته من حيث طول الصحبة وقصرها ومن حيث طبيعة الإيثار المتبادل بينه وبين الآخر، ومن حيث مراعاة صلة الرحم وغيرها ويبقى الضابط في كل ما تقدم هو التوازن في تطبيق التنازل لأن الإفراط سيخلق لنا مشكلات متعددة.

لافتاً إلى ان: غياب روح التنازل يجعلك إنسانا منبوذا في المجتمع. ويبقى التنازل صفة لا يستطيع تطبيقها الا اصحاب النفوس القوية والمؤمنة والواثقة من نفسها، وهو لا يسمى تنازلا اذا كنت عاجزا عن الرد، فعند العجز عن تحقيق مبدأ العدالة في الرد في الموقف المناسب فعند ذلك ستكون في زاوية الخنوع والجبن لأن التنازل صفة الشجعان.

لماذا نقدم التنازلات في حياتنا وماذا تفعل بنا كثرة هذه التنازلات؟

يذكر الدكتور صفاء عبد الله برهان، باحث اكاديمي، على: ان المرونة تؤدي الى انسيابية الحياة، فهناك من المواقف ما يجب ان تظهر فيها مرونتنا، كما قال امير المؤمنين علي عليه السلام “لا تكن صلباً فتكسر ولا ليّناً فتعصر”، التنازلات تأتي من باب ارضاء النفوس، وازإلة ما يمكن أن يلحقها من ضغائن، على ما في ذلك من ثواب أقرّه الله تعالى في كتابه الكريم، للذي يقابل الإساءة بالعفو حين قال 🙁 وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ).
وعن كثرة التنازلات، فالمؤكد أن ثمة حقوقاً مهمة يجب أن لا تضيع بهذ التنازلات ما يوصل في الوجدان حقيقة : (أن الشيء إن زاد عن حده انقلب ضده) بمعنى حتمية تجاوز إرباك طبيعة التعامل الاجتماعي، الذي يفرض سلبياته على مسيرة الشرائح الاجتماعية عامة، نتيجة إشباع مقاييس الشخصية الخاطئة بالتناقض في الفكرالذي ينتج السلوك فهي تجد نفسها امام شخصية مستعدة للتنازل عن حقها مهما كان التصرف الذي يلحق بها، وهي نقطة سلبية في حق الشخصية المتنازلة، إنها ستمرر هفوات المخطئ، الذي سيأمن العقاب على تجاوزه بما يرتطم بقضايا لا يمكن التنازل عنها، أو التخفيف من ضوابطها اصلا أو ان تمر دون حساب، فتضيع الحقوق والواجبات، التي هي من أدبيات الشخصية الانسانية.
هل يحطّ التنازل من قيمة الانسان؟

وأضاف: ليس كل تنازل يحطّ من قيمة الآخرين، بل في بعض الأحيان يرفع من تلك القيمة، فقد سئل أمير المؤمنين علي عليه السلام: (من اشجع الناس؟) فقال (الذي إذا قدر عفا)، لما في ذلك من منفعة للطرفين المتخاصمين، فقوانين الانسانية الطبيعية التي نفتقدها كثيرا تحتم تقديم شيء من التنازلات لتجنب العداوات والإحن والثارات، ولكن من جهة اخرى إذا كان التنازل بنحو إجباري، كما في النزاعات العشائرية، يوضع المتنازل في زاوية حرجة تتمثل في نظرة المجتمع الحقيقية التي تختفي خلف أنظارهم وهمساتهم، حيث ينظر الى ذلك التنازل انه فقدان لعزة النفس، والمنزلة الشخصية. ومع هذا فإن ذلك لا ينفي أن الأشخاص المحترمين يتنازلون وإن أجبروا، لأن مقاييس القيم والتعامل الإنساني قد تلاشت الى حد كبير، ومع هذا فهي لا تنفي الاحترام الذي تؤصله اخلاق المتنازل، وإن كان على مضض منه، لأنها تتجنب الرذائل من البشر. وتحسن طريقة التعامل معهم. وليتاكدوا أن الله تعالى هو من يحيط اولياءه بهالة من الاحترام والمحبة والتقديس الى حد ما.

الأخلاق والتنازل

(س،ع): انا من اسرة فقيرة، والدي كبير في السن ومريض وامي متوفاة ولدي ثلاث اخوات في المدرسة اضطررت الى العمل لكي اساعد عائلتي، ولكن في بعض الاحيان اتعرض الى بعض المضايقات فاضطر الى ترك العمل والبحث في مكان اخر ما سبب لنا الكثير من المعاناة في صراعنا مع الفقر فانا لا اقدم تنازلات على حساب شرفي وسمعة اهلي مهما كانت الظروف.

هل يعني التنازل اختراق الخطوط الحمر؟

اشار الأستاذ برهان : ليس كل التنازلات تؤدي الى ذلك التعديل او الخرق فهناك ثوابت لا يمكن تجاوزها في كثير من الأحيان، ومنها حقوق الكرامة والإنسانية، وبخلافها يحصل ذلك الخرق وغالبا ما يكون ذلك بسب النفوذ الشخصي والجمعي والتسلط العشائري الذي بدأ بفرض سطوته بنحو واضح ما يؤثر على الحقوق الشخصية بشكل واضح التي كثيرا ما يؤدي التنازل عنها الى طغيان الطرف الاخر.

هل التنازل ضعف ام قوة؟

اكد برهان : في حالة مجتمعنا الذي بدأت المفاهيم السمحة فيه تقرأ قرأءة سلبية الى حد كبير علاوة على سيادة عادات ترتبط بمفاهيم اقرب الى قوانين الغابة فيمكن ان نقول ان كثرة التنازلات التي تقدم من قبل صاحب الحق قد اشرت ضعفا في منظور المتنازل له، وقد ضيغت معها الكثير من الحقوق الشخصية علاوة انها جعلت الطرف الاخر يفكر بعقلية الصحراوي المنتصر الذي لم يتمثل روح الدين والأخلاق الحميدة وما زال يعتقد ان الغزو والسلب والنهب من صفات الرجولة فيتصرف باستبدادية واضحة وينطلق من فهمه ان الحياة صراع، والبقاء للأقوى لا للمحق والصادق والنقي لأن ليس لتلك الصفات وجود في تفكير أولئك الذين سيبتلون حتما بأمثالهم في موقف يدانون فيه كما أدانوا.