إنها أمي ولكن..

234

(م.س) أرسلت تقول:
أنا مثل أي بنت مراهقة يتيمة وحيدة لأمها، كبرت وأنا مقتنعة بحياتي طوال طفولتي، ومن شدة اهتمام أمي بي أشعر أن الأم في الحقيقة هي حاسة سادسة، فمهما نكبر أو ننضج يبقى حضنها أماننا الوحيد، لكن المصيبة المفاجئة كمنت في تحول أمي.. حبيبتي.. قدوتي.. أماني اللامنتهي إلى امرأة لا تمتلك غير مشاعر أنانية!!
فقد صار همها الوحيد –الجديد- في كيفية أن تعيش لنفسها وشبابها اللذين تحاول أن تلحق بهما وتعيدهما بالزواج بشباب قريبين من عمري إلى حد ما! ولاسيما أن هذا السلوك الطارئ قد تلبسها بعد انتقالها إلى دائرة عمل جديدة، الذي تقمصته بطريقة غريبة مازلت حتى الآن لا أفهمه أو أجد له تفسيراً منطقياً، وهل يعود عدم فهمي لعدم منطقيته الذي لم يستوعبه عقلي القاصر أم لقلة خبرتي المتواضعة في حياة لم تبتعد في أقصى مداها عن حضن أم وجدار بيت وسياج مدرسة؟
أمي.. سندي.. كل عالمي الواقعي، وحتى الافتراضي، حاولت إرسالي إلى بيت جدي أولاً.. وإلى بيت أقاربنا من جهة أبي ثانيا، كي تتفرغ لحياتها الجديدة.. الذين رفضوا –بدورهم- استقبالي وإيوائي بالطريقة التي تريدها أمي التوّاقة إلى الغطس في ملذات حياتها الجديدة، التي لا أختلف معها في مشروعيتها.. فهذه حياتها أولاً وأخيراً، لكن بدون التخلي عن مسؤوليات حباها الله في قلب الأم غريزياً واجتماعياً، وفرضها الواقع الاجتماعي وأعرافه المتفق عليها.
وهذا بحد ذاته جعل من صورتها في نظري (أمّاً مراهقة) لا تمتلك أية رجاحة عقل أو اتزان. لا أخفيكم سراً بما أشعر به حالياً، ولا أي وضع نفسي محطم أعيشه.. فاليوم يمر عليّ كأنه دهر.. والساعة تمر عليّ كأنها سنة.. نفسيتي وشعوري الدائم بوجودي المؤقت في حياتها آذياني جداً وكرهاني فيها.. ليست لدي القدرة على تقبلها كأم حقيقية بسلوكها وأفكارها الجديدة ، كما لا يمكنني أن أعتبر زوجها المستقبلي بديلاً عن أبي كمكانة، أو حتى كعمر، وإنما مجرد رجل غريب سرقها من حياتي، هذا التصور انعكس ليس فقط على نفسيتي ودراستي، إنما حتى على أحلامي التي تحولت إلى سراب، وصرت أنظر إلى المستقبل محصوراً بالخلاص من هذا الواقع البائس، أفكاري في التشاؤم تطورت حتى بت أخشى أن يصل بها الحال إلى أن ترسلني إلى دار إيواء المشردين والأيتام!
وماذا لو حصل ذلك.. وأي رعب تتلاطمه أفكاري تجاه مع كل ما تحمله بعض تلك الدور من سمعة سيئة تتراوح مابين قلة الرعاية والاستغلال المادي، وحتى الأخلاقي.. وأنا المراهقة اليافعة!
تعبت من أمي.. ونفسي.. وحياتي.. ومن التفكير بلا نتيجة.. ساعدوني أرجوكم ما مصيري وكيف أنجو.. وبمن ألوذ؟

الحل..
أ.م.د. إيمان حسن الجنابي / تخصص إرشاد نفسي وتوجيه تربوي، تجيب الشابة المرسلة بالآتي:

الأم هنا تعيش حالة نكوص مرحلة عمرية سابقة، أي تعيش مرحلة مراهقة لم تعشها، ولم تحب، كما قريناتها اللاتي في عمرها. لكن تصرف الأم بارتباطها بشخص في عمر ابنتها تصرف غير سوي، إذ أن كل تصرفات الأم هنا بلا وعي، خارجة عن إرادتها، وهي في حاجة إلى معالج نفسي أو شخص مؤثر عليها يتكلم معها بأن تصرفها وسلوكها غير صحيحين وأنها يجب أن تهتم بابنتها وألا تكون سبباً في ضياعها..

نعم، الزواج حقها الشرعي، لكن بشرط الاختيار الصحيح المناسب لعمرها، وألا تعرض ابنتها للمشاكل، إذ أن الزوج القريب من عمر البنت ربما ينقل -بطريقة أو بأخرى- نزواته إلى ابنتها المراهقة، وهناك عشرات الحوادث حدثت في مثل هذا الوضع.

أما البنت فيجب أن يحتضنها شخص مقرب لها، خال أو خالة مثلاً -على اعتبار أن أهل الأب رفضوها- يوفر لها الرعاية التي بدأت الأم تتخلى عنها، وأيضاً دور البنت في محاولتها التقرب -بكل طريقة- من أمها وتفهم ماذا تريد، ولماذا تغيرت معاملتها معها، وأن تحاول كثيراً كي لا تخسر أمها.