احذرمن الكبر والعجرفة ساعد الآخرين بعطايا مغلفة بوشاح من روحك

467

جواد غلوم

لا تعطِ من منطلق أنك كريمٌ عطوف، وأن الطرف الآخر معوز، وهو بحاجة إليك وأنت قادر على مساعدته، وتتخيّل أنه لولاك لمات جوعاً وبقي عرياناً خالي الوفاض.
بل اعطِ من منطلق أن كلا منكما بحاجة للآخر، وكلاكما قادران أن تتبادلا حاجاتكما.
w إن لم تكن بحاجة إلى شيء، فأنت حتماً بحاجة لأن تشعر بالبهجة والسرور والرضا النفسي إذا أسهمت في مساعدة ذوي الحاجات.
لا يمكن أن يكون هناك سلوك يعطيك بهجة وسروراً أكثر من العطاء نفسه.

لا تعطِ هدية من مخزونك المادي إلا وتغلّفها بوشاح من روحك، ولمسات حانية من يدك، وابتسامة تعلو وجهك.
العطاء المادي إذا لم يكن مقترناً بعطاء روحاني وعاطفي وسخاء إنساني لا يكفي؛ بل قد يؤذي مشاعر الغير وتصاغر النفس ويودي بك الى العجرفة والكِبَر والزهو.

من يتلقى العطاء هو حسّاس جدا لمشاعرك التي ترافق عطاءك.
يتحسس في وعيه وفي ساحة اللاوعي عنده، ويتفهم مدى فرحك بتقديم المساعدة، ويدرك من أيّ عمق من مشاعرك خرجت عطاياك، فالسائل يمتصّ طاقتك التي ترافق ما أهديت.
عندما تعطي مكرهاً فأنت تؤذي أكثر مما تساعد، ولاسيما عندما تتوهم أن الذي يتلقى العطاء لا يعرف حقيقة مشاعرك وأحاسيسك ودوافعك نحو الكرم والبذخ.

العطاء لا يعني بالضرورة العطاء المادي حصراً، وربما يكون العطاء الروحي أكثر إشباعاً لحاجات المعوز، وبلسماً مطبباً يفوق العطاء المادي.
ومهما شحّت حياتك وقلّ جيبك؛ فلا شك في أنك تملك شيئاً وغيرك بحاجة له، ولو عزمت أن تمنح ما عندك من فائض الى الطالب المعوز سيزيدك الكريم المُعطي ويعوّضك عما نفد منك.

هذا الشيء قد يكون لطفك، عطفك، حنانك، تحيتك، لمستك الإنسانية؛ قدرتك على المواساة وأنت تتوّجها بابتسامة جميلة ووجه بشوش يرافق ما وهبتَ.
تقول قصة فيتنامية –قرأتها- قبلاً: إن امرأة كانت تملك إنائَي ماء أحدهما مثقوب، ولم يكن يصل بيتها عندما تملأه من النهر القريب سوى الشحيح منه في القعر، إذ يتسرب معظمه ويتبدى على الأرض، ما يجعلها تمتعض وتشعر أن جهدها أصبح سدى.
لكنها مع بداية الربيع لاحظت أن بعض البذور قد أينعت وانتشرت على امتداد الطريق وأخذت تورق وتزهر بفعل الماء المسكوب.

عندها أيقنت أن ماءها لم يذهب هدراً، فلقد أزهر الطريق وغدا ممشى وفسحة جميلة أشعراها بالسعادة.
وأنت كذلك أيها القارئ العزيز؛ لن يذهب عطاؤك هدراً، مهما كنت بحاجة إليه، بل سيعود ليزهر حياتك ويبعث السرور والبهجة في قلبك، ولو بعد حين.
فاعطِ دون أن تتوقع مردوداً جرّاء عطاياك، وبلا أية مراءاة أو إظهار كرمك أمام الآخرين حتى يقولوا إنك سخيّ، وإلاّ سيفقد العطاء قيمته ومعناه.

اعطِ مثلما أعطتْ تلك المرأة الفيتنامية بعض مائها إلى تلك الأرض المجدبة، وسيفاجئك الربيع بحقل من الأزهار لم تكن تتوقعه.
فالسخاء والعطاء يجب أن يعكسا إنسانيتك ومحبتك وكرم أخلاقك، لا أن يعكسا رأيك بفلان أو فلان او درجة القرابة منهما.

كم من الناس يزعمون أنهم يعطون، لكنهم يعطون وفقاً لجدول من الاعتبارات، تحدده آراؤهم وميولهم نحو هذا وذاك المعوز وفق رؤى عنصرية او مذهبية طائفية ضيقة الأفق.

اكرمْ بعطائك كل محتاج، بغض النظر عما إذا كان محسوباً على جدول اعتباراتك أم خارجه؛ فالشمس تهبُ ضياءها ودفأها ولا تستثني أحداً، مثلما المطر لا يفرّق بيت أرض وأخرى، وكن مثل سخاء الطبيعة فيما تَـهَب، فأنت ابن هذه الأرض المعطاء التي يأكل من ثمارها الجميع وتطعم وتروي البشرية بلا اعتبارات طبقية أو جنسية أو عقائدية.

هكذا يكون الكرم حينما يتسع ليشمل الأبعدين والأقربين، ومن أهلنا وغير أهلنا، والغرباء عنا وعن عقائدنا ونسلنا، طالما هم في عوزٍ وبحاجة الى من يعينهم.