التقاعد فرصة لتحقيق حلم

1٬419

أنسام الشالجي /

صغيرة كنتُ، ووالدي رحمه الله، يذهب الى عمله مرتين يومياً، صباحاً وبعد الظهر. سألت والدتي لماذا يذهب الوالد مرتين الى العمل بينما آباء صديقاتي في المدرسة يذهبون مرة واحدة، وكان جوابها أن والدي متقاعد.
حلم وفيلم
اعتقدت أن (متقاعد) مهنة بدوامين، وقلت إنني حين أكبر لن أعمل (متقاعد)، لكنّ والدي شرح لي معنى كلمة متقاعد بأنها صفة لكل من خدم بلده بعمله سنوات طوال، ولا بدَّ له أن يرتاح وأن يبدأ في التفكير بكيفية تحقيق أحلام كان العمل الحكومي حائلاً دون تنفيذها. وكان حلمه أن يفتح شركة سفر، وأصبح فعلاً أول من يؤسس شركة للسفر في العراق. واستمرت فكرة التقاعد بالنسبة لي فرصة لتحقيق حلم، رغم الأفلام والمسلسلات التي كانت وما تزال تُظهر المتقاعد كشخص بائس ومسكين وحزين ويمشي ببطء وهو ينهي معاملة تقاعده كأنه يسير نحو المقصلة، ويعاني الأمرّين للانتهاء منها وتسلم مكافأة نهاية الخدمة، وأحدث مسلسل هو (أبو العروسة) إذ يظهر الأب المتقاعد حائراً في كيفية قضاء يومه.

الواقع
قطعاً هناك متاعب ومصاعب تواجه المتقاعد، ليس بسبب الظروف الحالية، إنما بسبب اضطراب وتيرة الحياة التي أصبحت سريعة والتغيير في أساليب المعيشة. ورغم كل هذا، يجد المتقاعد فرصة لتحقيق حلم سابق، أتذكر العم حسين (كما كنا نناديه)، كاتب الصادرة حيث كنت أعمل، الذي كان يعمل بعد ساعات الدوام ليتمكن من مواجهة ظروف الحصار، كان يوم إحالته الى التقاعد فرحاً، “آن الأوان لأحقق حلمي” وكان حلماً طريفاً، أن يكون بطل (الطاولي) في المقهى، إذ حرمه تدريس صغاره الذين كبروا والعمل من الذهاب إلى المقهى وتحدي الأصدقاء. لا يقاس الحلم بحجمه، إنما بالسعادة التي يمنحها حين تحقيقه حتى إن كانت بطولة في (الطاولي)!

قصص
السيدة أم زينب بدأت بعد التقاعد بتجهيز الجيران أولاً ثم الأقرباء والمعارف بمختلف أصناف الأكلات، سواء في المناسبات أو للموظفات، قالت إنها كانت تحلم أن يكون لديها مطعم خاص أو معمل لإنتاج الأطباق الجاهزة، وكانت قد اختارت التقاعد المبكر لتتفرغ لتحقيق حلمها، وكان هذا الحلم الذي حققته معيناً لها ولأسرتها، وإن لم تفتتح مطعماً، لكنها بمساعدة بناتها، تفكر الآن بتأسيس صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لتعلن عن أطباقها وتقول إنها تتابع منذ فترة أخرياتٍ بدأنَ بتسويق منتجاتهن، أطعمة أو ملابس أو أعمال فنية من خلال الفيسبوك.
السيدة اعتدال وزوجها أمضيا ٣٢ عاماً في التعليم الابتدائي، وكان حلمهما تأسيس مدرستهما الخاصة، وبالفعل وبالتعاون مع زملائهم المتقاعدين، أسسوا المدرسة. تقول إن العمل -الحلم- جعلها تشعر وكأن عمرها توقف عند الثلاثين..
أما عامر خليل فقد تهيأ لتحقيق حلمه في الطرق على النحاس من خلال التدريب عند (أسطة) في سوق الصفافير في أيام العطل وإجازاته السنوية، وبعد التقاعد تفرغ لتحقيق حلمه وأسس مشغله الخاص في الكرادة.

ثروة
المتقاعدون ثروة، فهم تراكم خبرات ومدارس في الحياة، وهم البركة أينما كانوا. لا أريد أن أشير الى المقولة المتداولة بأنهم أفنوا حياتهم في العمل لأجل العائلة والبلد فالعمر، بوظيفة في دائرة ما أو بدونها، يمضي.. كل يؤدي دوره، ليتفرغ بعده لحلمه، ومهما كانت الظروف والمتاعب فإن الشخص بعد تقاعده يبدأ حياة جديدة وبيده وإرادته يستطيع أن بجعلها حلوة..