الحب.. مثلث متساوي الأضلاع!

1٬550

أ.د.قاسم حسين صالح/

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

ما من موضوع شغل أهل الفكر والأدب والفن مثل الحب، ومع ذلك.. لم يكتشفوا كل أسراره. حتى علماء الأعصابneuroscientist)) درسوا موضوع الهرمونات وتأثيرها على الحب، واستخدموا التقنيات الحديثة لتحديد الأماكن المسؤولة عنه في المخ البشري، فاكتشفوا عدداً منها وبقت أخرى عصيّة على أدق التقنيات.

وحديثاً نسبياً، ظهرت نظرية بعنوان مثلث الحب ” Triangular theory of love “باسم العالم الأمريكي ” Robert Sternberg ” قدمت تفسيراً جيداً لكثير من العلاقات التي توصف بالحب، فضلاً عن أنها قابلة للاختبار بشكل يجعلها أقرب للعلم من أية نظرية أخرى في الحب. النظرية، ببساطة، تحتوي ثلاثة عناصر(أضلاع), اذا توافرت جميعها يعني أنك تعيش الحب التام.. سنتطرق للعناصر الثلاثة والأشكال المختلفة التي تتحدد فيها وبعدها.. تفحص نفسك، ما اذا كنت تمتلك ضلعاً أو ضلعين من هذا المثلث، أم كل أضلاعه.

مثلث الحب

يحدد (سيرنبيرغSternberg ) مكونات الحب التام بثلاثة:

1. الحميمية: وتعني الجانب الانفعالي المتمثل بالإحساس بالقرب من الآخر, والشعور بالترابط والاتصال. مثال ذلك،الشخص الذي تبوح له بأسرارك وتكلمه عن خصوصياتك، فإن العلاقة بينكما توصف بالحميمية.

2. الرغبة أو الشغف: تعني هنا أن العنصر الفعال في هذه العلاقة هو التجاذب الجسدي وإشباع الرغبة الجنسية دون أن تكون مصحوبة بالحميمية والالتزام، فلا تبوح له بأسرارك ولا تلتزم معه بوعد.

3. الالتزام: وتعني اعترافك للآخر بحبك الصادق له وقرارك الالتزام بالعلاقة معه، ورعاية المحبوب والاهتمام به على المدى البعيد، وبدونه فإنه لا يكون حباً حتى لو توفر الشرطان السابقان، الحميمية والرغبة الجنسية. ولك أن تسأل: ماذا لو توفرت بعض هذه العناصر في العلاقة؟ ماذا تصبح؟ من جمال نظرية(Sternberg ) أنها عقلانية وقابلة للتحليل والاختبار، وتوضح كيف أن توافر بعض العناصر تشكل أنواعاً مختلفة من العلاقات المرتبطة بالحب..على النحو الآتي:

•اللاحب
يعتبر( Sternberg ) أن عدم وجود هذه العناصر الثلاثة يشكّل حالة “اللا حب” أو ” غياب الحب “، والمثال على ذلك الشخص الذي تجلس بجانبه في مقهى أو ندوة ثقافية والذي لم تقابله قبل في حياتك ..ببساطة شخص لا تجمعك به علاقة حب لغياب مكوناته(أضلاع الحب).

•علاقة الميل أو التشابه
حضور (ضلع )الحميمية هو المميز لهذه العلاقة, تجسّدها الصداقة العادية أو العرضية غير الدائمة .مثال ذلك: شخص يشبهك وتشاركه بعض الاهتمامات وأحياناً بعض الأسرار, ولكن ليس هناك التزام من قبلك أو رغبة جنسية بالطرف الآخر، بل مجرد إحساس بالقرب وحميمية ومشاركته بعض اللحظات وغياب الالتزام هنا هو ما يجعل العلاقة ليست صداقة بالمعنى الصحيح بل مجرد ميل أو تشابه.

•الافتتان

هو الحالة التي تتملكها الرغبة والشغف الجنسي.. وتحصل حين ترى الطرف الآخر لأول مرّة, لا يجمعك معه تاريخ سابق أو التزام ولا حتى حميمية، بل فقط رغبه جنسية..تراه فجأه فيدهشك وتفتتن به، وفيها يكون عنصر (ضلع) الرغبة او الانجذاب الجنسي هو الحاضر، فيما يغيب عنها العنصران (الضلعان) الآخران..الحميمية والالتزام.

•الحب الخالي

ما يميز العلاقة هنا هو حضور الالتزام من قبل الطرفين فقط. المثال الواضح والبديهي هو المرحلة الاخيرة من علاقة بدأت بحب كالزواج ثم ساءت أمورها على مدى زمني طويل، فلا حميمية في العلاقة لأن الطرفين ما عادا يتبادلان أسرارهما كما كانا في بداية العلاقة، وغالباً ما تكون الرغبة الجنسية غائبة أو ضعيفة. غير أن الرغبة بالالتزام موجودة لدى الطرفين من أجل الأولاد في الغالب او لأسباب مادية..وحالات (الطلاق العاطفي)بين الأزواج هي النموذج للحب الخالي.

•الحب الرومانسي أو Romantic love

ما يحصل في الحب الرومانسي أنك تنبهر بالشخص الذي تراه من أول نظرة.. وكأنك تستيقظ على صوت يقول لك من داخلك :”هذا هو الذي كنت أنتظره العمر كله!”.. فتلتهب فيك مشاعر شديدة من السموّ والرقّة والقلق والرغبة الجنسية.. وما أن تقع فيه..أعني حين يعيش الطرف الآخر الحالة نفسها، حتى تكون مثل رقّاص الساعة في مزاجك الانفعالي، فمرّة تكون طائراً من الفرح وأخرى مضنوكاً كأنك في قفص، ومرّة تصعد بك البهجة إلى السماء وأخرى يطرحك اليأس أرضا..