الدلال الزائد يفســـد الأطفــال

605

ترجمة: آلاء فائق /

نعم، كلنا نحب أن نكون مدللين. فمن في هذا العالم لا يرغب في أن يكون مدللاً يُغمر بالحنان والحب، لا بل ويحظى بتشجيع ودعم المقربين ممن حوله له وتلبية جميع طلباته؟
لكن لماذا يستخدم مصطلح الدلال بالمعنى السلبي، ولاسيما عندما يدلل الأبوان أولادهما؟ كلنا نعلم أن أي شيء يزيد عن حدوده الطبيعية تكون له آثار جانبية.
ورغم عدم معرفة الكثير من الآباء بالآثار السلبية للدلال، لكن يتوجب عليهم إغناء تجربتهم في تربية أولادهم بالاطلاع على مبادئ التربية الصحيحة، بتكثيف القراءة عن فرط الدلال).)
يحتاج الأطفال، عندما يواجهون محنة ما في حياتهم، إلى حب إضافي. فمثلاً لدى سقوط طفل صغير على الأرض، فإنه يحتاج فقط إلى حنان والديه لبعض الوقت، وعندما يُوبَخ مراهق بسبب التنمر ويشعر بالخجل، فإنه يحتاج إلى دعم ومساندة والديه.

بذور تنشئة الطفل
إن مرحلة الطفولة هي المرحلة التكوينية الحاسمة في حياة الإنسان؛ لأنها الفترة التي يتم فيها وضع البذور الأولى للشخصية، التي تتبلور ملامحها في مستقبل حياة الطفل، وهي المرحلة التي يشكل فيها الطفل فكرة واضحة وسليمة عن نفسه، كما يشكل مفهوماً محدداً لذاته وحالته النفسية، ما يمكنه من التكيّف السليم مع نفسه ومجتمعه.
لماذا يفرط الآباء في تدليل أولادهم؟
هناك جملة أسباب تتداخل في إفراط تدليل الآباء لأولادهم وإفسادهم، فهل هو الحب الكبير، أم العطاء الزائد، أم الإهمال؟
قد يكون تاريخ الآباء الشخصي وعلاقتهم بأهليهم سببين لذلك، ولاسيما عندما تكون علاقة الآباء بأهليهم غير سليمة عندما كانوا صغاراً أو مراهقين، تزمت أهليهم –مثلاً- وتسلطهم عليهم، بالتالي حرِمانهم الكثير من الأمور، قد تشكل عقدة نقص عندهم، حاولوا تعويضها بإفراطهم في تدليل أبنائهم.
سعي الآباء، ولاسيما أصحاب الوظائف، في الحيلولة دون حرمان أولادهم وسعيهم المستمر لتوفير كل ما يحتاجونه، كي لا يعاني أبناؤهم من الحرمان الذي عانوه هم مع أهليهم.
أو قد يكون السبب هو شعور الآباء بالذنب لانشغالهم المستمر بوظائفهم، ثمة الكثير من الآباء يعوّضون ساعات غيابهم المستمر عن المنزل وضعف تواصلهم مع أولادهم بالهدايا وتلبية طلباتهم كافة.
فيكون الدلال المادي تعويضاً عن غياب الدلال المعنوي أو العاطفي الذي يحتاجه الأولاد.
الدلال المقبول
الدلال نوعان: دلال مادي، وآخر عاطفي (معنوي). الدلال المادي هو أن يقوم الأهل بتوفير متطلبات أبنائهم كافة وإغداق الهدايا عليهم بمناسبة، أو من دون مناسبة، وهذا النوع من الدلال مبالغ فيه وغير مقبول.
بالمقابل هناك الدلال العاطفي والمعنوي، وهو مقبول شرط ألا يبالغ الأهل فيه. فمن الطبيعي أن يحتاج الطفل إلى عاطفة أهله ومحبتهم، كي تتعزز مهاراته الاجتماعية ويشبع حاجته العاطفية، ويسهم في نمو شخصية متوازنة لديه.
ولكن عندما يفرط الأهل في دلال ابنهم عاطفياً، فهذا خطأ كبير يرتكبونه بحقّه وبحق إخوته.
من آثار الدلال العاطفي المفرط عدم اكتراث الآباء بمحاسبة أبنائهم على تصرّفاتهم السيئة والدفاع عن أخطائهم، لا بل ومدحهم دوماً، ما يعزّز لديهم النرجسية وحب الأنا، فلا يعودون يكترثون لمشاعر الآخرين فيظنون أنفسهم “ملوك زمانهم.”
الفقر والرفاهية
قد يكون الفقر سبباً في الانحراف واللجوء إلى سلوكيات خاطئة، لكن نجد أيضاً أن الرفاهية الزائدة تسهم بدورها في الانحراف، ولاسيما مع غياب الرقابة والمثل العليا والانضباط بالتربية.

ثلاثة فِخاخ
ثلاثة فخاخ يقع فيها الأهل عندما يبالغون في عطائهم المادي، عندما يمنحون أطفالهم فائضاً من الهدايا أو الممتلكات المادية الاول، ويسمحون لهم بالجلوس طويلاً أمام التلفاز والحاسبات، فإنهم يشجعونهم بذلك على السلوك (الإدماني) وعلى الرخاء، ما يجعلهم يطلبون المزيد دون اكتفاء، فيكونوا بذلك قد وفروا لهم الامتلاء الخارجي فقط، بينما يبقون فارغين داخلياً من المبادئ والقيم والمهارات التي يجب غرسها في نفوسهم منذ الصغر.
الفخ الثاني حين نحرم أنفسنا من حاجات أساسية كي نتمكن من تزويد أولادنا بكل ما يطلبونه من أمور غير ضرورية، في معظمها، فإننا بذلك لا نمنحهم الحب وإنما ننمّي لديهم روح الأنانية، فإن استمرارنا في العطاء مقابل تجاهل حاجاتنا الشخصية سيعلّمهم تجاهل حاجات الآخرين والاهتمام بأنفسهم فقط.
الفخ الثالث هو إن تحوّل غالبية مجتمعات العالم إلى مجتمعات مادية، هو من مخلفات العصرنة. فقيمة الإنسان باتت تحدّد بما يمتلكه من أموال وممتلكات (سيارة، منزل، رصيد مصرفي)، لا بل إن المشكلة نفسها باتت تغزو عالم الصغار بتشجيع من الكبار. فعندما نفرط في شراء الملابس ذات الماركات العالمية لأولادنا، فإننا نشجعهم على تقييم أنفسهم من خلال ممتلكاتهم المادية بدلاً من النظر لقيمهم الإنسانية.
إذا كنت ترغب في إظهار الحب لأبنائك، فامنحهم المزيد من وقتك، حتى لو كان وقتك ثميناً، فمثلما تهتم بتعليمهم، فإن عليك أيضاً الاهتمام برفاهيتهم النفسية من خلال اللعب معهم والاستماع إليهم والتحدث معهم، كما أن على الأبوين تخصيص جزء من وقتهما للاستجمام مع أولادهم.
اعتماد الدلال كحافز
كذلك فإن بإمكان الأبوين أيضاً استخدام الدلال كسبيل لرسم أهداف أطفالهم، مثل مكافأتهم بلعبة أو كتاب إذا ما اجتازوا امتحاناتهم المدرسية بنجاح باهر.
الحب المتوازن لا يفسد أطفالنا
الطريقة الصحيحة هي أن تحاول دائماً الحفاظ على التوازن، فإذا دللتهم قليلاً ووافقت على مطالبهم، فعليهم أن يعلموا أنك تفعل ذلك لأجلهم، ولأنك تقدر علاقتك بهم، فعليهم رد جميلك بالمثل أيضاً، بمضاعفة دراستهم والحصول على أعلى المراتب. كذلك عليك أن تبدأ بتطوير هذا المعنى فيهم بدءاً من طفولتهم، لأنهم سوف يكبرون، فمن الأفضل أن يفهموا ذلك منذ الصغر، فالحب والدلال المدروسان والمتوازنان لا يفسدان أطفالنا أبداً.
من سلبيات دلال الآباء لأولادهم
كونك أباً، فتلك واحدة من أصعب المهام في حياتك، إذ أنك عندما تدلل طفلك، ستجعله معتمداً عليك جداً، وسيكون غير مسؤول، متحدياً وجريئاً، وقليل الاحترام للآخرين. قطعاً لا يرغب الأبوان في تنشئة أطفال مدلّلين، اتكاليين، أنانيين، لا يملكون الحسّ بالمسؤولية.