الزواج لم يعد أولوية لجيل يفكر بطريقة أخرى
فكرة الطائي /
تكررت شكاوى السيدة حنان كريم من عدم رغبة ولدها البكر في الزواج على الرغم من العروض المتكررة للأقارب وترغيبه بالاقتران بواحدة من بناتهن، ودائماً ما كانت تكرر أن “ولدها شاب مستقيم ووسيم وموظف براتب شهري ثابت وبإمكانه تحمل مسؤولية العائلة في حال اقترانه بفتاة يقتنع بها كزوجة.”
أقترب عمر ولدها من الثلاثين، وغالبية أقرانه تزوجوا، وصاروا آباء يلعبون مع أولادهم ويتنزهون معهم، والأم تخشى على ابنها من عدم الزواج، مثلما تخشى على البنت من تجاوز القطار فتبقى عانساً في البيت، فهي ترى أن العنوسة قد تصيب الرجال مثلما تكون قدر النساء ممن أضعن الفرص في الزواج أيام الشباب.
أسباب وأسباب:
تقول الآنسة بتول جميل، وهي طالبة دراسات عليا: “في مرحلة دراستي الجامعية الأولية كان لي رأي في الزواج، ولم ألمس معارضة أو اختلافاً مع رأي العائلة، فقد كنت مصرة على إكمال تعليمي وعدم التفكير في الزواج لأنه قد يكون معوقاً لي في مسيرتي العلمية، فقد كنت مصرة على إكمال تعليمي والبحث عن فرصة عمل مناسبة بغية تحقيق ذاتي واستقلاليتي الاقتصادية، وذلك لإيماني بأن الزواج يأتي لاحقاً، بعد أن أحقق مشروعي الدراسي الطموح.”
أول طارق لباب البيت!
بينما اتفق رشيد صاحب – 50 سنة- مع زوجته على تزويج بناته بأول طارق لباب البيت، فسّر صاحب هذا الاتفاق بالقول: “أنا وزوجتي نخشى عنوسة البنات إذا ما رفضنا الخاطب ووضعنا أمامه شروطاً صعبة عندما يطلب يد إحدى بناتنا، فقد سمعنا الكثير من هذه القصص، وأنا شخصياً أتألم على الفتيات ممن أضعن فرص الزواج في شبابهن والأن يعضّن أصابع الندم على ضياع تلك الفرص، أنا لا أريد لبناتي مثل هذا المصير في المستقبل، ولاسيما أننا سنرحل عن هذه الدنيا ونتركهن وحيدات يواجهن ظروف الحياة الصعبة.”
البنات .. البنات
لكن كريمة محمد -أم لعدد من الشباب والبنات- لا تخشى على الأولاد من تأخرهم في الزواج لأنهم يحصلون على فرصتهم متى شاؤوا، لكنها تخشى على بناتها من ذلك، ولاسيما أن الظروف الاقتصادية الصعبة لا تمكنها من توفير حياة لائقة لهن، وهو الأمر الذي دفعها إلى تزويج بناتها في سن مبكرة لتضمن لهن حياة أسرية وهي على قيد الحياة، أما الأولاد فإنهم يستطيعون تدبر حالهم متى ما شاؤوا، فالرجل لا يمنعه تقدم السن إذا ما أراد الزواج.”
يقترب رأي السيد خالد جميل – 55سنة – من رأي السيدة كريمة، مضيفاً له أسباباً أخرى، إذ قال “الجهل وقلة الوعي يدفعان الآباء الى تزويج أولادهم في سن مبكرة، ويتجاهلون أن هذه السن قد تكون غير مناسبة للزواج وتحمل المسؤولية، ولا يمكن للزوج توفير مستلزمات الأسرة كاملة، إنما يبقى معتمداً على الأهل في توفير الكثير منها.”
معيارية سن الزواج
يحدد أهل العلم والاختصاص، في البحث الاجتماعي، معايير خاصة بسن الزواج في المجتمعات المختلفة تتناسب وطبيعة تلك المجتمعات من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية. في هذا الشأن تقول الدكتورة سحر كاظم – قسم الاجتماع / كلية الآداب / جامعة بغداد – عن هذه المعيارية إن “القانون العراقي حدد سن الزواج ببلوغ الثامنة عشرة، لكن من جراء الظروف الراهنة فإن الزواج المتأخر يعد سمة إيجابية، رغم السلبيات الناتجة عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الشباب من الجنسين، مهما كان تحصيلهم الدراسي، وقد يكون من أسباب تأخر الزواج تشجيع الأهل وإصرارهم على الدراسة إلى أعلى مستوياتها وأعلاها طموحاً لضمان النجاح في الحياة المستقبلية وتحقيق أفضل الفرص في اختيار الزوج أو الزوجة المناسبة، وهذا أفضل بكثير من زواج تحيط به عوامل الفشل من كل جانب لعدم تكافؤ الفرص والأعمار غير المؤهلة لتأسيس أسرة ناجحة وسعيدة.”
تضيف كاظم “أن أحلام السفر لدى الشباب وضمانات العمل خارج البلاد تعد من الأسباب المهمة في الزواج المتأخر مثلما هو السبب الآخر لدى الفتيات في البحث عن العمل والاستقلال الاقتصادي الذي صار أكثر إلحاحاً لديهن، فالاستقلال الاقتصادي أفضل من فرصة زواج غير متكافئة، فضلاً عن ذلك توفرت قناعة بالزواج المتأخر جراء ارتفاع نسب الطلاق.”
إذا كانت هذه إيجابيات الزواج المتأخر.. فماهي سلبياته؟
تقول الدكتورة سحر كاظم: “بقدر ما للزواج المتأخر من إيجابيات، فإن له سلبياته أيضاً، ومن بين تلك السلبيات ما نراه ونلمسه بشكل واضح لدى الأسر التي ترغب بامتداد نسبها، إذ ستقل لديها نسب الإنجاب، كما أن الذكور الكبار في السن سوف تتقلص نسب زواجهم بفتيات صغيرات، حسب العرف الاجتماعي السائد، كذلك تصاعد حدة المشاكل والاختلافات بين الجيلين: الآباء والأبناء، واتساع الفجوة بينهما، لكن ليس بالضرورة أن يؤثر الزواج المتأخر على الأسرة والمجتمع بشكل سلبي، إذ نجد أن المجتمعات المتقدمة والمتحضرة يعيش غالبية أفرادها أعلى درجات التخطيط والتنظيم المبنيين على أساس القانون والعدالة والإنصاف الاجتماعي، وبذلك تكون مجتمعات مستقرة لا تعاني من مشاكل على مستوى العائلة أو العلاقات الاجتماعية.”
دراسة
وكشفت الجمعية الألمانية للغدد الصماء عن أن تقدم عمر الأب يرفع خطر إصابة الطفل بالأمراض أيضاً، وليس فقط تقدم عمر الأم.
وكشفت الدراسات عن علاقة بين تقدم عمر الأب فوق سن الـ45 سنة وإصابة الطفل بأمراض مثل التوحد والشيزوفرينيا، فضلاً عن خطر حدوث ولادة مبتسرة، مع العلم أن خطر تقدم عمر الأب يمتد إلى الأم أيضاً، إذ يرتفع لديها خطر الإصابة بسكري الحمل وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية “DPA”، والسبب في ذلك يرجع إلى تدهور جودة الخلايا الجذعية المسؤولة عن إنتاج الحيوانات المنوية مع التقدم في العمر، وفقاً للجمعية الألمانية.