السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

8٬490

علي الساعدي/

التجوال داخل مقبرة من مقابر بغداد القديمة، هو بحدِ ذاته أمر يحفز الذاكرة والخيال، باتجاه تصور الحياة الصامتة هنا بعد الموت، وهل أن الأرواح تكون شاهدة على ما يفعله المشعوذون ومنتهكو حرماتهم، وكيف يمكن أن يتصور أحدهم جسده وهو غير مكتمل داخل القبر؟

نبش القبور

عادة مايكون هنالك “شيخ” أو متولي المقبرة وهو المسؤول عن سلامة المكان والحفاظ عليه من دون تجاوزات يراها أحياناً ويوقفها، ولكن منهم من يأتي إلى المقبرة ليدفن لغزاً أو عظم حيوان، أو صرة بداخلها تعاويذ وتفاصيل غريبة، مثل تلك الصرة التي كانت مسحوبة من تحت طابوقة القبر، حيث تمكن هذا المتولي قبل شهر ،كما يقول، من لمح امرأة مسرعة وضعت تلك الصرة وهربت، لم يتمكن من اللحاق بها لكنه تمكن من معرفة ما أرادت دفنه حيث قام باستخراجه ونثره وكان من بين المنثور لفافة شعر رأس.

أما الوقفة الثانية داخل المقبرة الصامتة، فقد كانت مع “المغسلچي” الذي فاحت منه رائحة الخمر بشكل لافت، سألته بكل صراحة عن تجارة الأعضاء وأدوات غسل الميت باعتباره الشخص المباشر والمتاحة له خيانة الأمانة والذمة، فكان جوابه حول تأكيد المبالغ الكبيرة التي تُباع بها أدوات غسل الميت مُدعياً استغرابه وذهوله حول ذلك الاستقتال من قبل زبائن معينين لشراء تلك الأدوات بنفس نهار إيداع الميت قبره!

شلّ الرجل جنسياً

يُقال بأن شعرة من رأس الميت أو صابونة غسله أو لابأس بقطرات معدودة من الماء المخلوط بجسده البارد، كفيلة بإخضاع الزوج العصبي، وكذلك شل الرجل اللعوب جنسياً وعصبياً وعاطفياً. هذا الاعتقاد ،وكما يرى “المغسلچي”، ناتج عن توظيف الأدوات الخاصة بالميت وتجريدها من طاقة الموت ومن ثم نقلها لأي جزء آخر من جسم الحي وشلِّه عن أداء وظائفه الطبيعية، أو ربما إنهاء الطاقة الجنسية أو العصبية وإتلاف هيجانها تماماً باعتبار أن سريان الموت وأدواته هي عجز وظيفي قابل للانتقال روحانياً أو سحرياً بالملامسة.

عنف وإخضاع

الزوجة المؤيدة لإخضاع زوجها العنيف وترويضه سحرياً وبكل طريقة (شذى سعد ٣٨ سنة) قالت بصراحة: “ضقت ذرعاً بسلوك زوجي العنيف، كان يضربني لأتفه الأسباب، وكلما دخلنا في نقاش شخصي يبدأ حواره بالتجريح والصراخ وينهيه بالضرب، لاسيما وأنني أعيش في البيت مع أمه وأخته اللتين لا تكفان عن صب الزيت على النار وافتعال الأزمات”، وتضيف: “جربت معه كل الطرق السلمية الممكنة لأضفي نوعاً من الهدوء على حياتنا ولكنني فشلت، وهنا اقترحتْ عليّ جارتي أن استخدم معه”الإخضاع” عن طريقة استخدام أدوات الميت وأشياء تخصه، لا أنكر أني في بداية الأمر ترددت ولكنها أقنعتني من خلال تجربتها مع زوجها الذي كان لا يكف عن خيانتها، والآن أصبح فجأة كالخاتم بإصبعها، حسبما تقول. وتستمر بسرد حكايتها: “ذهبنا أنا وهي إلى أحد الرجال المسؤولين عن غسل الأموات وتجهيزهم، كان له محل عطارة إضافة إلى عمله بالمغسل حيث التقيناه هناك، شرحت لهُ مشكلتي وطلب منا أن نعود له بعد أسبوع. وحينما التقيناه مجدداً، أعطاني “صابونة” كان قد غسل بها أحد الأموات حديثاً، حيث أن مفعولها بحسبِ قوله يعمل على شلّ طاقته العدوانية وتخدير أعصابه تجاهي، معللاً الأمر بأن المواد التي تلامس الميت بأمكانها القيام بإماتة أي جزء من أجزاء الإنسان الحي.

عجز جنسي

الشاب الوسيم عادل عمران، الذي تزوج حديثاً وبعد معاناة وبحسبِ تجربته الماضية، أصابته شرور أدوات غسل الميت بالجزء الذي يتعلق بطاقته الجنسية والعصبية، يقول عادل: “أنا شاب كغيري، لي العديد من العلاقات الغرامية والجسدية، ولم أكن أعاني من مشكلة تتعلق بهذا الشأن، وحينما فكرت بالزواج والاستقرار، اخترت فتاة بنفس مكان عملي كانت تعمل هي ووالدتها، علماً أنني كنت قد تعرفت عليها قبل سنتين، وكنت راغباً وجاداً بالزواج منها، ولكن بسبب ممانعة والدتي التي كانت تصر على تزويجي بابنة أختها، واجهت مصاعب كثيرة وحاولت جاهداً لدرجة أنني ذهبت بصحبة عمتي لخطبة تلك الفتاة، غير أن أهلها رفضوا واعتبروا الأمر غير لائق اجتماعياً. مرت سنتان على الموضوع وانتهى بوقتها كل شيء، ونزولاً عند رغبة والدتي التي ساءت حالتها الصحية، اضطررت للزواج بابنة خالتي وتم الأمر بهدوء، غير أن المفاجأة أتت حينما علمت الفتاة وأمها اللتان كانتا معي بنفس مكان العمل ولي علاقة أسرية طيبة بهما، حيث جن جنونهما مع أني حاولت الارتباط بها وفشلت. المفاجأة التي أجزم بأنها نتيجة لعمل شيطاني وتحديداً من ملامسة لأدوات غسل الميت كما أكد لي أحد الشيوخ المختصين بفك الأعمال الشريرة، أني في أول يوم زواجي لم أتمكن من معاشرة زوجتي، أصبت بحالة تشبه الشلل العضوي، في بادئ الأمر تصورت أن القضية ربما بحكم تجربة الزواج لأول مرة، ولكن مع الأيام ازدادت الحالة سوءاً من الجانب النفسي فذهبت لطبيب وشرحت له الحالة، وبعد الفحص العضوي تبين له أنني سليم ولا أعاني سوى من ضغط نفسي، والمشكلة أنني أصبحت لا أطيق وجود زوجتي معي في سرير واحد”. يضيف عمران: “استمرت الحالة لأكثر من شهر اضطررت خلاله إلى الاستعانة بأحد الشيوخ المختصين لحل المشكلة، قام الأخير بإخضاعي لشيء يشبه التنويم المغناطيسي، وبدأ يسرد لي ويستفسر عن حكايتي مع الفتاة القديمة، واعتقد أن الإصابة بالعجز الجنسي عبر الأعمال الشريرة هي بسبب ملامسة الماء الذي يستخدم لغسل الأموات، فقطرات بسيطة منه مع تعاويذ وطلاسم تكفي لتعطيل أي عضو”. يكمل الشاب: “الحمدلله وبعد الاتكال على الله والاستعانة بآياته مع أمور روحانية كان قد طلب مني المداومة عليها، تخلصت من الحالة بشكل جزئي وأصبحت أفضل من السابق”.

تجارة واحتيال

لا يزال العقل الإنساني في مجتمعاتنا الشرقية إلى اليوم حائراً في هذه المسألة، لا سيما أن الدين لم ينكرها بل حذر منها، هو رأي الباحث الاجتماعي (مرتضى إبراهيم) الذي تحدث لـ”الشبكة” قائلاً: في السابق كان الشر الأسود يبدأ طفيفاً ومن أعضاء معينة بالجسم لحاملها كأصحاب العيون الملونة لا سيما الزرقاء، والمتهمين بأن لديهم القدرة على جلب المصائب بالفطرة، وكذلك أصحاب الأسنان المتباعدة الذين يوصى باتقاء شرهم أو حجب الحوائج عنهم والأسرار. ولكن الموضوع مع الأزمان وشيوع التخلف، تطور وأخذ منحى هتك حرمة الأموات والحيوانات والضعفاء”. ويشير إبراهيم إلى “وجود تجارة خاصة ونشطة لتسويق ثقافة إخضاع الآخر دون أدنى جهد، من قبل فئات مجتمعية لا تراعي الحرمات ولاتأبه للضمير ولا لأمانة المتوفي. والمصيبة أن لتلك التجارة زبائن ومهتمين، إضافة لذلك فإن الرقابة القانونية غير آبهة أو معنية”. ويكمل الباحث حديثه عن جذور هذه الممارسات بقوله: “كانت تنشط في المناطق الريفية باستخدام (السبع عيون) بخياطتها وتعليقها في ثياب الطفل أو تعليقها في صدره. وهذا الأمر كان معتاداً عليه في كل المناطق الريفية إذ تقوم بعض الريفيات بتعليقها في صدور أطفالهن فضلاً عن أنهن يستخدمون إطارات ذهبية لها لكي يضعنها في غطاء الرأس كحلية أو كتعويذة اتقاءً للشر الأسود أو أدوات غسل الميت كما يسمونها، كل تلك الاعتقادات السطحية أنا اعتبرها سلسلة متوارثة وأشبه بعملية تخدير للعقل وشلّه عن المنطق”.

يستحلّون الحرمات

الإعلامية (شروق العبيدي) اعتبرت القضية تجارة فكرية رائجة، طالما أن لها زبائنها الذين يظلون يتزايدون كلما كان الجهل رائجاً والخوف من الله مُغيّباً، فكيف يا ترى يمكن القبول باستغلال أعضاء إنسان صار بذمة الله؟ أيُ وقاحة واستهتار ذلك، وقبلها كان للحيوان المسكين نصيب، فأعضاؤه أيضاً وعلى مر الأزمان كانت ضحية لعقول ونفسيات غابت عنها الرحمة والإنسانية واستحلت بمزاجها حرمات الطبيعة والإنسانية، فكانت هذه الأعضاء تستخدم ـ بحسب زعمهم ـ لدرء الشرّ عن المرأة وعن زوجها ويستخدم البعض منهم الكف الأزرق وسن الذيب أو عينه أو ارتداء الجلود بالمقلوب أو تعليق رأس الغزال”.