الصمت بين الزوجين.. فتور عاطفي أم أزمة تفاهم؟

666

فكرة الطائي /

يتوقف دفق الكلام أحياناً بين الأزواج بعد حميمية بينهما، وتقف وراء ذلك أسباب كثيرة، قد يكون أهمها ضغوط الحياة اليومية ومتطلبات العائلة التي لا تتوقف، بل تزداد مع تقدم الأولاد في حياتهم اليومية والعملية، وقديماً قيل “إن الصمت أبلغ من الكلام أحياناً.”
هذا الصمت الذي يكون موقفاً من الآخر حين تعلو الأصوات وتذهب إلى الحدة في المواجهة الأسرية بين الزوج والزوجة أو بين الأب والأولاد أو الأم والبنت. يقال أيضاً “إن العاقل من يبتعد عن المواجهة أو التصعيد الانفعالي،” لكن من هو العاقل في الأسرة؟ ذلك هو السؤال، أيفترض أن تكون المرأة وحدها مفتاح العقل في الأسرة، وهل عليها أن تلتزم الصمت الذي قد يُظن ضعفاً وليس قوة لتجنب المشاكل والحفاظ على وحدة العائلة وتماسكها؟
الصوت العالي
“تبدأ المشكلة بكلمة بسيطة تثار مثلاً على مائدة الطعام،” هكذا بدأ الحديث مع (سنان جودة)، وهو رب أسرة ويعمل موظفاً، أمضى أكثر من ثلاثين سنة في العمل الوظيفي ومتزوج منذ ما يقارب العشرين عاماً وله أربعة أبناء ويسكن في دار مستأجرة منذ يوم زواجه الأول حتى الآن. لم أرغب في إثارة شجونه، فحين تحدث لي عن واقعه هذا وجدته لا يختلف عن واقع كثيرين ممن أعرفهم لكنهم يعيشون بقناعة ومحبة، وقد لا يختلفون عن محدثي الذي قال لي: “أنا لا أنكر أني فرح بما أنجزته على مستوى تكوين الأسرة، لكن هناك أموراً كثيرة تزعجني وتثير أعصابي.” سألناه: هل من مثال على ذلك؟ فأجاب: أقول لك بصراحة، أنا أحب الصمت عند اجتماع العائلة على مائدة الطعام، وأفرح حين أراهم سعداء، وهم جميعاً يعرفون طبعي جيداً في هذه اللحظات، عدا زوجتي، فهي تسأل عن كل ما جرى من وقت خروجي إلى الدوام حتى عودتي إلى البيت والجلوس إلى مائدة الطعام، في المهم وغير المهم والمزعج والمكدّر، حتى تضطرني في أحيان كثيرة إلى أن أنهض تاركاً المكان بغضب، ومع ذلك هي لا تسكت وكأنها لم تفعل شيئاً، وحتى لا تكبر المشكلة التزم الصمت أو أذهب إلى الفراش للنوم بعيداً عن الجو المشحون لأعطي نفسي الوقت لتجاوزها.
هو سبب المشكلة
(كفاح محسن – ربة بيت) ترى “أن الزوج هو سبب المشكلات ومصدرها في البيت، فهو يفترض في الزوجة أن تلبي متطلبات المنزل مهما كانت ظروفها الصحية والنفسية من دون مراعاة للحالة الخاصة أو الظرف الخاص الذي تمر به الزوجة أو الأم، بل إن الزوج قد لا يراعي أنها أنسان تتعب من جراء ما يحيط بها، والأولاد في نظرتهم هذه للأم يهربون من تحمّل أبسط المسؤوليات البيتية أو أداء بعض الواجبات للتخفيف من ثقل الأعباء الملقاة على عاتق الأم، فللعمر أحكام، وأنا ليست لدي الطاقة والنشاط والحيوية ذاتها التي كانت لدي وأنا في العشرين من عمري، لابد أن يدرك الزوج والأولاد ذلك، لذلك ترينني دائماً التزم الصمت وعدم الرد عليهم لأنهم لا يريدون أن يسمعوا سوى أصواتهم.” سألت: وما الحل؟ فقالت: “أن يسمعوني وأسمعهم بهدوء بعيداً عن ضجيج الأصوات العالية حتى نصل إلى صيغة تفاهم متقاربة تخفف عنا ثقل أعباء الحياة وكل واحد منا يتحمل جزءاً من المسؤولية، لا أن ترمى كلها على طرف واحد.”
الرحمة والصمت
“تبنى العلاقات الزوجية في بعض الأحيان على مسوغات غير واقعية، مثل قلة ثقافة الزوجين ونقص خبرتهما في الحياة الاجتماعية أو صغر السن أثناء الزواج أو فرض عادات وتقاليد لا تنسجم وطبيعة الحياة الآنية،” هكذا بدأ الحديث مع (الدكتورة شيماء عبد العزيز العباسي، أستاذة علم النفس/ كلية التربية/ جامعة بغداد) التي واصلت حديثها معي قائلة: “تتربى الفتيات في كثير من العائلات على مفاهيم العيب والخجل، وهو ما يجعل الزوجة تميل إلى الصمت أمام الطرف الآخر، وهو أمر غير صحيح في كثير من الأحيان، إذ يؤدي إلى برود العلاقة الزوجية أو أية علاقات داخل العائلة أو محيطها الاجتماعي، وذلك لافتقاد تلك العلاقات لروح التفاعل وتفهّم ظروف الطرف الاخر ومعاناته.” سألت: ما الحل لهدم جدار الصمت؟ فأجابتني: “لابد من طرح المشكلة ومناقشتها، بمعنى إخراجها من داخل النفس مع إصغاء الطرف الثاني، ما يساعد في حل المشكلة أو تبسيطها وإذابتها، إذ لابد أن يكون التفاعل بين الطرفين خالياً من الحساسية، فالدين يشدد على جعل المودة والرحمة أساس التعامل في الحياة، لا موقف الصمت والممارسات الأخرى التي تشبه القطيعة وتبتعد عن الرحمة، ونرى أحياناً علاقات زوجية تتفكك جراء أسباب صغيرة وتافهة أبرزها عدم سماع الآخر للمشكلة أو انشغاله بوسائل التواصل الاجتماعي الذي يفرض عليه الصمت والابتعاد عن شريك حياته.” قلت للدكتورة: هل الصمت حالة إيجابيه؟ فجاءني ردها: “الصمت بذاته في بعض الأحيان حالة سلبية أكثر مما هو حالة إيجابية، قد يكون الصمت المؤقت إيجابياً في حال انتهاء المشكلة، لكن إذا استمر مدة طويلة بلا حوار بين الطرفين فإنه سوف يؤدي إلى تضخم المشكلة وإنتاج مشاكل جانبية أخرى.”
خير الكلام
أقول في الختام إن “خير الكلام ما قل ودل” فلا يجب أن تذهب بنا ظنوننا وافتراضاتنا بعيداً عن واقع الأسرة ونتعب أنفسنا في مشكلات ليس لها أصل في الواقع وتدفع إلى خلق تراكمات تنغص علينا حياتنا اليومية، فالمصارحة خير علاج للصمت في حل مشكلاتنا اليومية.