العنف النفسي يضر بالمرأة أكثر من الجسدي

1٬179

آمنة السلامي/

تعاني المرأة بمرارة في مجتمعاتنا من العنف الجسدي وظاهرة التحرش، وخلفهما يكمن عنف أكثر ايذاء للمراة، انه العنف النفسي الذي يبدأ من الأسرة ليعمّ المجتمع بحكم السلطة الذكورية التي تمارس ارهابها النفسي على المرأة بحجة الخوف عليها أو الطمأنينة على سلوكها خارج البيت، ليحيلها في النهاية الى ركام فتعاني العدوانية او الانطواء على الذات، وتكره الحياة وتبقى تعيش على هامشها.

فلماذا سكت القانون على هذا النوع من العنف؟ ولماذا لا يعترف به المجتمع، بل لماذا تصمت المرأة ذاتها عنه؟

ألم نفسي

ترى هيفاء العاني (موظفة) ان العنف النفسي أقسى ما يمكن ان تعانيه المرأة ولا احد يستطيع ان ينصفها من جحيمه.. وتضيف: تزوجت وكان عمري لا يتجاوزالـ 18 سنة وكان زوجي بالنسبة لي كل شيء، فتحت عيني عليه وقدمت له من غير حساب، وسعادتي كانت مرتبطة به تماما، إذا رضي عني ابتسمت لي الحياة واذا غضب كانت المأساة. لكنه مع الأسف استغل هذا الأمر وبدأ يعاملني بقسوة ويسمعني أقذع الألفاظ المهينة والتجريح بحقي ليحيلني في النهاية الى ركام محطمة نفسيا، شكوت كثيرا أمري لأهلي واصدقائي لكن لم يساعدني احد، وعندما طالبت بالطلاق رفض اهلي بشدة مهددين اياي بسوء العاقبة كون المطلقة عارا على العائلة، أنا لا اعرف اذا كان الطلاق بهذا القبح لماذا جعله الله في كتابه المقدس.

قسوة وتعنيف

أما (م .م)، كما اشارت الى اسمها، فترى ان العنف الاسري الذي يمارس ضد المرأة لا يمكن التعبير عنه بكلمات، فكثيرا ما تتكتم المرأة عما يدور داخل بيتها من قسوة لا توصف، خصوصا اذا كانت تنتمي الى عائلة محافظة، فهناك مسائل كثيرة يصعب على المرأة التحدث فيها، ففي بعض الأحيان تكون المعاملة اشبه بالإجرام، ولأن المجتمع والعادات والتقاليد ستلقى باللوم على المرأة في حالة الحديث عنها واتهامها بعدة اتهامات، تضطر عندئذ الى كتم هذا الألم وتبقى سجينة هذه المحنة الى آخر يوم من حياتها.

ملكية خاصة

فتون سالم، طالبة جامعية، تقول: ان العنف النفسي أشد ايلاما ووقعا على المرأة وهي محور الأسرة وهيكلها.. فمن النفس السليمة تنبع التربية السليمة واذا ما خدشت تلك النفس بأي من أنواع العنف كتحقير المرأة أو التقليل من قيمة واجباتها او اشعارها بأنها ملكية خاصة للرجل وكيان ناقص دونه، فإن هذا “الرجل” من حيث لايعلم سينشئ أطفالا مهزوزين نفسيا حتى لو كانوا من الذكور، لانه تغافل عن ان منبع التربية والرشد هو حضن هذه المرأة التي جعلها الله سكنا له قبل كل أحد.

عنف نسوي

تقول آية، ربة بيت،: لقد عانيت من العنف اللفظي من قبل صديقاتي، بل حتى أخواتي كنّ يمارسن ضدي هذا النوع من العنف المقيت بقصد أو دون قصد، صديقاتي هن السبب، كنّ يسمعنني كلمات جارحة وينتقصن من قيمتي الى ان اصبحت سليطة اللسان أرد الكلمة بعشرة أمثالها، لكني لا اخفيك القول بدأت اشعر اني مكروهة من الجميع ومحطمة داخليا واني انسانة مرفوضة اجتماعيا، لكن ما باليد حيلة، كانت هذه طريقتي للدفاع عن نفسي ضد هذا العنف.

ثقافة مجتمعية!!

أستاذ جامعة بغداد الدكتور صفاء الغرباوي يرى ان من الرزايا التي ابتلي بها مجتمعنا المسلم، انه ينزع في أغلب أفكاره وسلوكه إلى موروثات ممتدة إلى العصر الجاهلي. ومنها (العنف النفسي) ضد المرأة، خاصة في مسألة الطلاق، فلو تتبعنا ذلك، لوجدنا العنف اللفظي واضحا في صيغة الفراق الجاهلية، مثلا قولهم (انت علي كظهر أمي). حيث تحرم عليه زوجته إلى الابد. وهنا تشرع النظرة السلبية للمرأة، بحسب الذكورية، ولكن حين جاء الإسلام؛ ليعلي شأن المرأة، بل وضع لها الحق في الفراق، ومع كل ذلك التكريم، فلما تزل رواسب جاهلية تسكن نفوسا كثيرة، فهناك نظرة ظالمة للمرأة المطلقة، وإن كانت محقة في طلاقها، أو طلقت ظلما. وترى المجتمع يمارس ما يسمى بالإرهاب الاجتماعي ضدها. ناكصا على أعراف قبيلة انكرها الاسلام، بل حرمها. متناسيا أنها النصف الآخر للمجتمع، لذا ترى اغلب المطلقات يعشن تلك النظرات الظالمة، والهمسات الجارحة، والعزلة النفسية داخليا، والاجتماعية خارجيا، وعلى هذا يجب أن يخلع الفرد، ثوب الأعراف التي تعارض منهج الاسلام، وأن يرى في المرأة ضحية بوجه أو باخر، وربما تدور الدائرة، فتكون الضحية أختا لنا.

رأي القانون

للقانون رأي آخر تصرح به المحامية بسمة العبيدي فتقول: نصت الماده 29 من دستور العراق الدائم (ان الأسرة أساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والاخلاقية وتكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة)، ونصت الفقرة 4 من المادة نفسها (تمنع كل اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع). ويعتبر قانون الأحوال الشخصية من القوانين التي وفرت الضمانات الأسرية لحماية الزوجة والأطفال حيث نصت م4 (لكل من الزوجين طلب التفريق اذا أضر احد الزوجين بالآخر وباولادهما ضررا يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية). لذا فالقانون صارم ولايتساهل في حال تقديم شكوى من قبل الزوجة او اي حالة تتعلق بالعنف الأسري.