القابلة المأذونة هل لا تزال مأذونة؟

1٬366

سناء البديري /

القابلة المأذونة هل هي مأذونة فعلا في عملها, وهل تقلص عملها في الوقت الحالي أم أن هذه المهنة تشهد انتعاشاً في زمن تضاعفت فيه أجور المستشفيات الخاصة بالولادة؟ تلك الأسئلة كانت مادّة تحقيقنا هذا.

لم تتوقف القابلة المأذونة “أم علي” عن سرد قصتها عندما سألتها أن تختصر لي ما مرّ عليها في هذه المهنة من مفارقات وحكايا طوال فترة عملها بها, خاصة أن عمرها في هذه المهنة قد تجاوز الثلاثين عاماً.

“أم علي” تقطن إحدى المناطق الشعبية في الكرخ, وهي “مسؤولة” عن ولادة نصف أبناء وبنات المحلة بحسب تعبيرها, في زمان كان فيه بيت القابلة البيت الأكثر أهمية نظراً لتقديمه الخبرة الطبية وصنوف العلاج، فضلا عن دوره الكبير في توليد النساء. الداية “أم علي” لم تتخرج من مدرسة للتمريض، بل لم تنل اية شهادة في حياتها، “الحياة مدرستها الكبرى” وجدّتها ووالدتها هما من علمتاها أصول المهنة وحيثياتها في ذلك الزمن الذي لم تكن المستشفيات الحكومية والرعاية الصحية على ما نشهده اليوم, وحيث كان عمل القابلة المأذونة يلاقي رواجاً منقطع النظير.

كساد بعد انتعاش

القابلة المأذونة “سعاد عبد الرزاق” تختلف حالها عن حال “أم علي” كونها تعلمت أصول المهنة في مدرسة خاصة للتمريض كانت قد أعدّتها وزارة الصحة في السنوات الماضية, أرتنا الشهادة التي علقتها على جدران غرفة خاصة كانت قد أعدّتها للتوليد في بيتها, وأضافت “أمارس هذه المهنة التي تنتعش وتكسد بحسب الوضع الأمني في بغداد. ولا أنكر أن ما مرت به هذه المدينة بعد عام 2003 قد أضاف لي مردوداً مالياً عالياً باعتمادي على هذه المهنة, لأنّ أغلب ولادات النساء الحوامل في منطقتنا تمت على يديّ في ظلّ حظر التجوال الذي كان له دور كبير في عودة عمل القابلة المأذونة في بغداد كما في سائر المحافظات”.

لكنّ السيدة التي تبدو واثقة من عملها تضيف “في الوقت الحالي يشهد عملي فتوراً وكساداً بسبب توفر المستشفيات الخاصة والحكومية التي أغنت الناس عن الاستعانة بالقابلة المأذونة لتوليد بناتهم وزوجاتهم” .

ولادة الذكور!

وضع القابلة “أم غفران” مختلف تماماً، فهذه السيّدة البالغة من العمر ستين عاماً تقول بوضوح بأن مهنتها لم تشهد أي فتور, فهي تقطن إحدى مناطق العبيديّ الشعبية التي تتسم بالفقر وضعف الوعي الصحي وقلة التعليم لدى النساء. وتضيف “لا زلت أمارس مهنتي من دون توقف، مع العلم إني لست الوحيدة في المنطقة, ولكن الناس بدأت تتبارك وتتفاءل بي لأن أغلب الولادات التي تمتْ على يديّ كانت نتيجتها أولاداً ذكوراً, وهو ما تتمناه العوائل كلّها التي ترغب بالذكور أكثر من رغبتها بالإناث”.

تروي لنا “أم غفران” بعض قصص صادفتها في مهنتها “استغربت في إحدى ليالي الشتاء بطرقات قويّة على باب بيتي، كان الطارق رجلاً قادماً من منطقة المنصور، وهي بعيدة عنّا كما تعرفين، أخبرني أن زوجته حامل في شهرها الأخير, وأنه يريدني أنا من أقوم بتوليدها, وعند رؤيته استغرابي من طلبه لبعد مكانه ولوجود الكثير من المستشفيات الأهلية الخاصة بالولادة في المنصور, أجابني انه سمع عني كثيراً من إحدى قريباته التي تسكن في العبيدي, وقال بأنه عرف أن أغلب الحالات التي أقوم بتوليدها يخرج المولود ذكراً, كان هذا هو السبب الذي دفعه للمجيء إليّ فقد شرح لي أن له ستّ بنات ويريد الآن أن يرزق بولدٍ على يديّ!”.

أجور أقلّ

القابلة المأذونة “عبير صبيح” ألقتْ باللوم على كليات التمريض بعد استحداثها من قبل وزارة التعليم, قالت أن هذه الكليات هي السبب وراء امتناع وزارة الصحة عن إقامة الدورات المتخصصة لتعليم القبالة كما كان يحدث سابقاً.
السيدة عبير قالت “لا يمكن إنكار أن عدد القابلات المأذونات قلّ كثيراً في بغداد خلال السنوات الأخيرة بسبب تغيّر الوضع المالي والثقافيّ للأسر التي باتت تخشى من عملنا وتلجأ الى الطبيبات المختصات. وبرغم أن أجوري معقولة، فأنا أتقاضى على الولادة الواحدة 250 ألف دينار، وهو مبلغ أقلّ بكثير مما تتقاضاه المستشفيات الخاصة التي تصل أجورها الى المليون دينار أو أكثر في أحيان كثيرة, ثم إن تلك المستشفيات تلجأ إلى إجراء عمليات قيصرية وهي مكلّفة للغاية”.
لكننا عرفنا أن مبلغ 250 ألف دينار يخص الولادة التي يكون فيها المولود أنثى، إذ الأجور تختلف، تضيف السيدة صبيح “تختلف الأجور فيما لو كان المولود ذكراً أو أنثى، فضلا عن اختلافها فيما لو كانت الحالة الولادة الأولى للمرأة، فتتراوح أسعار المولود الذكر من 400 الى 500 ألف دينار بينما تصل أسعار المولودة الأنثى الى 250 ألف دينار فقط”.

وعي صحيّ

الصحفي سعد وحيد “38 سنة” ابتسم مطوّلاً حين سألته عن رأيه بعمل القابلة المأذونة، هو متزوج ولديه أربعة أولاد حيث قال “من المؤكد أن دور القابلة المأذونة إبان الفترة التي تلت عام 2003 كان كبيراً, لأن الوضع الأمنيّ كان خطيراً وكان وجود حظر للتجوال بسبب انتشار القوات الأميركية في الشوارع, أمراً أكسب القابلة المأذونة دوراً مهماً في تسهيل ولادات عدد كبير من النساء, كما لا يمكن إنكار أن دور القابلة في المناطق النائية والشعبية ومناطق القرى والأرياف يعتبر رئيساً ومهماً, باعتبارها المنجد في حالات الطوارئ والعلاج والتمريض لأغلب الحالات الطارئة, فلم يكن دورها آنذاك مقتصراً على توليد النساء الحوامل”.
لكن وحيد أضاف “الآن بات الناس ينظرون لعمل القابلة نظرة استصغار أو خوف، لأن المستشفيات الأهلية والعيادات الخاصة باتت كثيرة, ولا يوجد داع للاستعانة بالقابلة.

الداية أفضل .. والسبب ماديّ

نجلاء رحيم “23 سنة” كان لها رأي مخالف، فهي ترى للقابلة “الجدّة” في الوقت الحالي دوراً مهماً “على اعتبار إن أجور المستشفيات الأهلية الخاصة بالولادة باتت مرتفعة جداً, فضلا عن تحويل المرأة الحامل منذ أول دخولها للمستشفى إلى صالة العمليات لإجراء عملية قيصرية حتى وإن كان بإمكان الأمّ أن تنجب طفلها بصورة طبيعية” وذلك يعود ـ بحسب نجلاء ـ لجشع إدارة هذه المستشفيات, ما يترتب عليه تشوهات في جسم المرأة، علاوة على إثقال كاهل العوائل بأثمان باهظة لقاء هذه العمليات”. سألتها “لكنْ ألا تجدين فرقاً في النظافة والتعامل بين الجدّة والمستشفى؟” فأجابتْ “لا أظنّ أن هناك فرقاً بين نظافة الجدّة وأدواتها وبين ما موجود في المستشفى، لا بل إن الجدّة تكون أكثر صبراً ورحمة من الطبيبة والممرضات المشرفات على عملية الولادة”.

“القيصرية” عند الضرورة

كان لا بدّ لنا من أن نتجه إلى المستشفيات الخاصة لمعرفة رأيها في القضية، حيث قالت الطبيبة الاخصائية “ندى البياتي” العاملة في إحد هذه المستشفيات “في السابق كان الناس يقبلون على الداية لقلة الرعاية الصحية الخاصة بالحوامل والأطفال, أما الآن فنحن نشهد وجود المستوصفات والمستشفيات الخاصة التي تتابع حالة الحامل ومواعيد ولادتها وإجراء التلقيحات اللازمة خلال أشهر الحمل, فضلا عن توفر جهاز الفحص (السونار) وغيره من الأجهزة التي تساعد الطبيبة في معرفة وضع الجنين قبل الولادة, في حين لا تملك الداية هذه الرعاية الصحية وليست لديها صالة عمليات معقّمة كما هو موجود في المستشفيات.

قلت لها “أنتم متهمون بإجراء عمليات قيصرية لحالات لا تستوجب ذلك” فأجابت بشكل قاطع “أبداً. نحن لا نلجأ إلى العملية القيصرية إلا في ظروف صعبة تحكمها وضعية المرأة الحامل وجنينها”.

رأي وزارة الصحة

من جانبه أكد المتحدث باسم وزارة الصحة أحمد الرديني أن “هناك العديد من الدورات التي نظمتها وزارة الصحة في برنامج لتأهيل القابلات الأهليات في قسم الصحة العامة لوزارة الصحة، كما إن الوزارة تحرص على مراقبة ومتابعة أغلب القابلات المأذونات وتدقيق إجازات ممارسة المهنة لديهن، للتأكد من تجديدها، وتنظيم دورات تثقيفية وتعليمية سنوياً لتطوير قدرات القابلات العلمية ومهاراتهن في القبالة”.

ونصح الرديني “جميع النساء الحوامل بالولادة داخل المستشفيات، لإسعاف الحالات الخطرة التي يرافقها النزيف أو ضغط الدم، إذ إن المستشفى أكثر قدرة من القابلات بالسيطرة على الولادة وتدارك المحذور”.