المرأة التي تقرأ.. هل يحكمها دكتاتور بالكونترول!

266

آمنة عبد النبي/

حينما تتكلم يرتفع حاجبها بثقافتها قبل رنة كعبها وخصلة شعرها المائلة. أعماقها تخفي سحراً وأسراراً وحياة قد تمتد أمامك الى الأبد. هناك من يحذرك منها أنها إذا ما دخلت قلبك فلن تخرج منه إلا وأنت محمولا بجنازة. وهنالك من يراها طافحة بعقد النقص الباحثة عن تعويض زوج قد لا يأتي، حادة الطباع لمجرد أن تقول لغريمها الرجل: “أنا أقرأ.. إذن أنا موجودة!”
لذلك وسط هذا الخراب النسوي الغاص بالأمية الثقافية والتربص الرجولي القلق، نتساءل: هل حقاً أن المرأة التي تأكل الكتب وتشهق المعرفة هي زوبعة بشرية مضمومة تحت اليد وإعصار (تابوات) مدمر يصعب على أي مستبدٍ او ذكوري أن يحكمه بالريموت كونترول، وما سرّ الفارق الثقافي والفارزة الإنسانية التي تفصل بيئاتنا المجتمعية العنيدة عن بيئةِ أوروبا المرنة حدّ الإفراط بالوعي.
الجهل اضطهاد وانسحاق
كاتبة الدراما والإعلامية (فاتن السعود) المُقيمة في سويسرا تساءلت باستغراب مستقل عن بنات جنسها، قائلة:
“إن المرأة التي تقرأ، أو بتعبير أصح، الإنسان الذي يقرأ، سواء أكان رجلاً أم امرأة سوف يختلف تفكيره ويسمو ليصبح منطقياً أكثر، إذ يصيب الوعي والانفتاح الفكري جميع نواحي حياته حتى يغدو عنصراً مستقلاً بآراء وتساؤلات ذات قيمة وهدف لمسار أفضل. فكيف بإنسان كهذا، صنع كيانه من خلاصة تجارب العلماء والمثقفين والأدباء، أن يتحكم به شخص آخر مهما كانت سلطته عليه مادياً أو معنوياً؟ ذلك لا يصح حتى وإن كان هذا المتسلط يمسك بالريموت بكلتي يديه”.
المهندس (حيدر السعدي) أجابها برأي مثير عن التثقيف النسوي المشروط بهدف القراءة ونوع الكتاب.. قائلاً:
“أعرف من هي أثقل من الكتل الكونكريتية في بغداد لمجرد أنها تصفحت كتاب (منال العالم) في الطبخ، وأعرف من هي مرحة وسلسة ومحبوبة لأنها ذابت بين صفحات (الخيميائي). في الحقيقة من اللطيف أن تكون المرأة مطلعة وذات ثقافة عامة وليس أكاديمية فقط، ولكن الأسوأ في الموضوع هو عندما تخرج عن النص كامرأة وتتجاهل حدودها، وبذلك تفقد صفة الأنوثة الربانية وتخرج عن فطرتها وطبيعتها السليمة.”
في حين أدلت الكاتبة المُقيمة في المانيا (بيداء حامد) برأيها بأن “الثقافة الحقيقية هي التي تعطي لصاحباتها جرأة تهديم (التابوات) والنضج المنتصر لأنوثتها بمصارعة الحقائق السوسيولوجية.” معتبرة أن “الثقل المعرفي الناضج يسير بخط متوازٍ مع آلية إدارة الحياة وبناء شخصية قوية بثبات انفعالي متوازن.”
شأن ذكوري بحت
ربّة البيت (حنان سعدون) اعتبرت أن “القراءة المتراكمة والهوس بشراء الكتب واقتناء الصحف هو شأن ذكوري، لكنه مجرد كماليات شكلية تسعى من خلالها الكثيرات لتعويض عقدة النقص او الهروب من محنة التأخر في الزواج أو الغرور، أو إشعار الأخريات بأنهن الأحسن.” مضيفة إن “إدارة الحياة والبيت وتربية النفس والأولاد هي مهارات ثقافية ووعي ناضج فطري، لا أعرف ما الربط بين القراءة وأن أكون أماً صالحة أو زوجة ناجحة”!
أما خبيرة التجميل (مروة الجبوري) فقد اعترضت على هذا الانتقاص وتصنيف التنوعات الثقافية والفكرية المهمة بأنها شأن ذكوري بحت، وكأن المرأة مخلوقة لكي تنافس آخر صيحات الموضة وطلاء الأظافر الفرنسي، قائلة بامتعاض :
“أنا أعد القراءة المزمنة، وتراكماتها في الذاكرة، الناطق الرسمي الوحيد باسم الشخصية، والمعبّر الحقيقي عن دفاعات الإنسان وقناعاتهِ، واعترف أن ما يعيب القاعدة النسوية العريضة ويغيبها هو ذلك الانطواء الأمي الثقافي من النساء أنفسهن وليس الرجال، الى درجة أن أصبحت التنوعات الثقافية والفكرية المهمة هي شأن ذكوري بحت، وكأن المرأة مخلوقة لكي تنافس آخر صيحات الموضة وطلاء الأظافر الفرنسي.”
اتركي النميمة واقرئي
ومن مدينة الضباب لندن (د.وفاء ضياء) حينما سألتها، أكدت بفرح غامر أن “ما يجعلني أشعر بأنني في شباب لا ينتهي هو إصراري على أن أدرس وأتعلم وأبقى مشغولة الى درجة أنسى فيها العمر، لدينا نساء بدون عمل ولا طموح وإنما فقط نكد ونميمة، ولأمثالهن أقول إن المرأة التي لديها أهداف وعمل تقوم به حتى لو كانت أعمال داخل البيت، وأسندتها بالقراءة وتطوير نفسها وأفكارها فإنها لن تجد لا الوقت ولا المتعة في التلصص والتجسس على الأخريات للنيل منهن بقشبة مؤذية.”
غاية سامية وهدف
الأكاديمي (د. ناجي حسن)، شخّص الفارق الثقافي من جوانب عدة ما بين المعرفة والتسطيح قائلاً:
“مامن دين أو نظام وضعي تطرق للعلم وحث عليه كما فعل الإسلام، بل إنه عدّ طلب العلم عبادة للإنسان، رجلاً كان أم امرأة في هذه الأرض، لكي يكون سيداً وحراً ومعمراً لهذه الارض بثقافته وعلمه وعمرانه، والمفروض أن تكون هذه الغايات متغلغلة في التربية بكل مؤسساتها -على وجه الخصوص- وبكل عناصرها والمؤسسات الأخرى التي تمثل التعليم المستمر الذي يقصد به (كل ما يكتسبه الفرد مدى حياته) من المؤسسات التربوية والاجتماعية من برامج تعليمية وثقافية ومهنية باستخدام الأساليب والوسائل التعليمية المتاحة له بما يساعد في استمرار الاستزادة العلمية والثقافية، ولا يعتمد في ذلك على المدارس النظامية وحدها بل بمشاركة المنظمات الأخرى لكي تصبح الحياة مدرسة.”