اِمنح قلبك دفقة من البهجة!

706

جواد غلوم/

من منا لا يريد أن يكون سعيداً في حياته ليقضي بقية عمره هانئاً وديعاً ويرى أسرته ومُحبيه وأصدقاءه وحتى بلاده وأهلها بأفضل حال ومآل !؟كيف تجعل من هرمون الفرح والنشوة النفسية والتوادّ، الذي يسميه النطاسيون “الأندروفين”، أن يتغلغل في أعماق نفسك ويخلق من كيانك إنساناً راقياً مبتهجاً رفيع الخلق خالياً من الكراهية والتذمّر والتأفف والضجر وضيق الصدر؟

لست ميّالا لمن يقول لك لا تبحث عن السعادة فإنك لن تجدها إذا سعيت وراءها، فهناك وسائل بسيطة جداً وغير مرهقة أو مكلفة على الصعيد الشخصي تجعل منك مرحاً مليئاً بالبهجة كأن تلاعب أطفالك وأحفادك ومن تحب من الصغار الغرباء وخاصةً ممن أصابه اليتم وحنوّ الأسرة وتقوم باحتضانهم قريباً من صدرك، فما أرخص العناق دواءً شافياً وبلسماً يزيد من الهدأة والسعادة وتقضي معهم ردحاً من الوقت، ولابأس ان يكون لعبُك معهم في متنزه مليء بالخضرة والساحات العريضة المفروشة بالعشب تفترشها أنت وعائلتك وصغاركم وتمدون سُفرة الطعام وتتحلقون حولها ضاحكين مستبشرين في التئام شملٍ ومحبة طاغية ، فليس أشدّ من “بتر الحنان والمحبة” كما يسميه علماء النفس جالباً للتعاسة وطارداً للسعادة المنشودة .

لابأس أيضا من إطالة النظر الى البحر وأن ترافق مع تحب من أفراد العائلة، وخاصّة الأصدقاء والمقربين، ومدّ البصر بعيداً في هذا الخضم المائي الكبير لتقضي ساعات في هذا الرحب المديد لتنسى منغصات الحياة الضاجة المزدحمة بالهموم وتنعم بهدوء البحر وصخبه معاً؛ فهذا الصخب المائي المؤنس يختلف كثيراً عمّا نعانيه من ضجيج حياتنا اليومية المعتادة وهرجها ومرجها.

ولتزداد سعادة أكثر عليك أن تسافر بين حين وآخر سائحاً بعيداً عن محيطك المألوف تغييراً لروتين حياتك المعتاد لترى الجديد من بقاع الشعوب وتتعرف وتندمج مع بعض سلوكهم وتأكل من صحونهم وتُجاري سلوكهم وقد ترطن لغتهم وتتعامل مع فئات قد سمعت عنهم لكن لم يسبق أن رأيتهم من قبل وعرفتهم عن كثب.

سعادتك أيضاً تكمن في القراءة السليمة المنتخبة بعناية وتأنٍ وتوسعة أفق الفكر وتنوير العقل بمصابيح العلم والأدب والفنّ والنظر الى الحياة بتفاؤل وأملٍ تتطلع اليه وتأمل نزوله في ربوعنا ومقاسمة الآخرين أفراحهم وأتراحهم وتعطي جزيلاً وتأخذ قليلاً وتشرح صدرك وتُنشِّط عقلك وتصلُه بالصلاة كيفما كانت عقيدتك ترويضاً للدماغ الثقيل الوزن ( 1700) غم الذي يسبح في سائل النخاع الشوكي فيقل وزنه الى 50/ غراماً دون ان نشعر بثقله وفقا للنظرية الفيزيائية فيفقد وزنه بقدر وزن السائل المزاح، وكلما سجدت او ركعتَ فأنت تعمل مساجاً مريحاً للدماغ من خلال التحريك في حالتي الركوع والسجود لتشعر بعدها بالراحة والسعادة النفسية والذهنية.

وليعلم الغافل والطامع وذوو النزوات المريضة ان السعادة ليست بإشباع الملذّات الجسدية والتخمة المفرطة والسعي نحو الثروة والاكتناز وملء الأرصدة في البنوك وامتلاك العقارات والضياع والتسلّط على الملأ المتعب والغرور وإشباع الشهوات والاستحواذ على حقوق الغير وارتداء الطيلسان والغرور والتبختر والتهديد بالعصا والسوط والسيف.

ابدأ بالطريق الأسهل للوصول الى السعادة بإرواء عصفورٍ صغير قطرةَ ماء وتغذيته حَبّة قمحٍ صغيرة واعتنِ بشجرة تريد أن تنمو وتثمر وتحيا معك وتهبك عطاءها السنوي لأنهما يشاركانك الحياة، ومدّ بصرك الرحيم ليسَع وطنك وأبناءه ووسع أفق رؤياك للعالم كلّه في هذه المعمورة وساكنيها وأعدك بأنك ستحقق ثروة من السعادة تضاهي كثيرا خزائن الأرصدة المالية وما في الجيوب من أموال خالطها الحرام والحلال معاً.