بعد قرار الانفصال المُرّ.. أطفال “المطلَّقين”.. ضحايا بلا ذنب!

133

آية البهادلي /

نرفزة مشاعر مُبطنة وخوف طفولي صامت، وحتى الشعور بالذنب والغضب، يعيشها الأطفال بسريَّة عند وصول ذويهم إلى نقطة مغلقة واتفاقهم على شيء وحيد، هو الطلاق، الذي يكون مؤلماً ومربكاً في حياة الأسرة بأجمعها، لكن ثقله على الأولاد أكبر مما هو على الوالدين، إذ ان كل طفل سيتعامل مع الحكاية هذه بطريقته الخاصة، ومع ذلك فإن هناك عدداً من الطرق التي يمكن للوالدين بواسطتها مساعدة أولادهما على فهم الفكرة بصورة تساعدهم في تخطي الفترة هذه الانتقالية الصعبة، وجعلها أسهل قليلاً.
مرارة وتحدٍ صعب
المطلقة منذ خمس سنوات (سرور.ح)، أم لثلاثة أطفال: بنتين وولد مراهق.. تحدثت لنا عن تجربتها في الانفصال وكيف رتبت حياتها باستقلالية لحد (الآن)، وهل أن هنالك ضمانات في تربية الأطفال وحمايتهم من الانفلات، قالت:
“الطلاق مّرّ، لم يدم زواجي سوى سبع سنوات، الأمر جرى على طريقة (بنت العم لابن العم)، الحقيقة أني لم أكن أرغب فيه ولا أجد بيننا أمراً مشتركاً في الشخصية، لكني في ذات الوقت لم أرفضه، وكنت أعتقد أن الحياة الزوجية قد يذوب في داخلها كل شيء، لكن مع دوام العشرة صدمت بطباعه، إذ أن الخلافات بدأت تأخذ منحى الضرب والإهانة، أصبحت علاقتنا جحيماً، لذا زاد إصراري على الانفصال، طبعاً عارضني أهلي كثيراً بسبب تبعات أطفالي، لكن بما أنني موظفة وأحتكم على بعض المال، فقد فكرت بشراء قطعة أرض صغيرة مجاورة لبيت أهلي، بنيتها وسكنت فيها مع أطفالي.
لا أنكر أن بداية الطلاق كانت مريرة مع الأهل والمجتمع، وما دفعني لقطع القرار بحديّة وتوفير الضمان المستقل هو وساوس كثيرة كنت ألمحها على وجوه أطفالي، ولاسيما ولدي الكبير، إذ أشعر أنه مرعوب من فكرة العيش في بيت جده، أو لو انه ذهب مع أبيه المتزوج من أخرى، فهل سيحصل على معاملة جيدة، وهل سيجد ضمانات من عدم الحديث بسوء أمامه من قبل أحدهم على الطرف الثاني.”
الاحتواء والشعور بالطمأنينة
توضح الخبيرة النفسية (سهى أحمد) أن “الحب الذي يقدمه الوالدان إلى أطفالهما يكون مختلفاً بشكل كلي عن حب الزوجين لبعضهما بعضاً، وإن توقف حب الزوجين، فإنه لا يعني توقف حب الوالدين لصغارهما.” مكملة تفسير الحالة وتداعياتها بالقول:
“الطلاق مطب يقع فيه الكثير من الأولاد، الذين يشعرون أن أحد أبويهما سيتوقف عن حبهم والاهتمام بهم بعد الطلاق، وقد يقصر أحد الوالدين في البدء بسبب الوضع النفسي المصاحب لهما، لكن من الضروري أن يوضح الأبوان أن حبهما لأولادهما باق ولن يتزعزع، وهذا ما يساعد في منحهم الطمأنينة، وأكثر ما يرعب الأولاد هو تحول والديهم اللذين كانا يعيشان معهم في نفس البيئة إلى عدوين، وعلى الرغم من أن الكلام يبدو سهلاً في بدايته، إذ يحتم فرض سطوته على الجو المشحون، لكن مع هذا فإن على الأبوين إبعاد اولادهما عن المشكلات، والتأكيد لهما بأن هذه المشكلات مؤقتة، وأن والديهما قد لا يعودان زوجين بعد الآن، لكنهما بالتأكيد سيظلان أبوين ويجتمعان لخدمة أولادهما.”
استمرا بالتواصل معهم
وعن اللحظات المأزومة وما قد تأخذه من شكل في حياة المطلقين حديثاً، تضيف:
“يجب أن يمنح الطفل فرصة كبيرة للتحدث عن شعوره وطرح أسئلة حول التغييرات التي سوف تحدث في الأسرة، وهنا على الوالدين البحث عن طرق إبداعية لمساعدة الأبناء في التعامل مع مشاعرهم وتعزيز الدعم بينهم، كما أن على الآباء إدراك أن أولادهم قد يحتاجون الوقت والمساحة لفهم الأمور بأنفسهم، ومحاولة تجنب إجبارهم على التحدث عن الطلاق إذا لم يكونوا مستعدين لذلك.
لذا فإن ليس على الآباء أن يظهروا لأطفالهم أنهم (فائقو القدرة والقوة)، وأنهم سيقومون بكل شيء، بل إن عليهم احترام عقليات أطفالهم، والمصارحة معهم، والعمل على تخطيهم فكرة الطلاق بطريقة تدريجية، أي أنه ليس شرطاً على الآباء أن يستخفوا بما حدث، وإبرازه على أنه شيء سهل، لأن هذا الأمر لا ينفع الأولاد، بل يسهم بترسيخ الألم في دواخلهم، وعدم إخراجه والتحرر من شعور السوء الذي يتعرضون له، إذ يمكن العمل على الأشياء معاً ودمج اللحظات الرائعة والذكريات كأسرة سوية، ما قد يضيف قليلاً من التقبل والتفهم لدى الأولاد.”
ضياع وتفكك
المختص في مجال البحث الاجتماعي (د.واثق صادق) اعتبر من جانبه أن الطلاق شكل من أشكال التفكك الأسري، قائلاً:
“يلحق ذلك حرمان الطفل من أحد الوالدين، وهو شكل آخر من أشكال التفكك أيضاً، لذا، فإن من أدبيات الحكومات العادلة وعبر مؤسسات الدولة، السعي الى تخفيف المشكلات حفاظاً على تماسك الأسرة التي تعد نواة المجتمع الأولى..
المهم، ليست الأم هي صاحبة الحق في الحضانة، ولا الأب يمتلك هذا الحق، إذ نرى من خلال شواهد كثيرة في حياتنا اليومية أن هناك الكثير من الآباء والأمهات ممن لا يمتلكون الشعور بالمسؤولية، ولا يمتلكون القدر الكافي من الوعي لتربية الأبناء، وأن كثيراً منهم لا يصلحون أصلاً أن يكونوا طرفاً في أسرة.
بل إن الأصلح من بينهما – وأعني الأب أو الأم – والأقدر على تحمل مسؤولية الطفل، هو من يمتلك الحق في حضانته، ومن ثم، فإنه المسؤول عن التربية والرعاية والبناء النفسي والشخصي السليم للطفل، ولا يكون هذا الأمر إلا من خلال وضع معايير وضوابط محددة ومشددة يمكن من خلالها البت في هذا الامر.”