بغداد بتراثها وحكاياتها القديمة تشرق في لوحات تزين البيت العراقي

1٬246

عواطف مدلول/

قسوة الحياة وتغيرات الزمن أسهمت في فقدان البيت العراقي جزءا كبيرا من ملامحه المعروفة منذ القدم، لكن بعد انتعاش دخل شرائح واسعة من المجتمع استعاد البغداديون شغفهم باللوحات الفنية التي اعادت بدورها نبض الحياة في مختلف أرجاء وجدران المنزل، فباتت تلونها لوحات وصور مختارة بذائقة عالية، مقتبسة رموزها وتفاصيلها للتعبيرعن الواقع البغدادي بجماليته وأناقته الدائمة على مر التاريخ.

وبالرغم من الأزمات والنكبات التي لحقت بالأسرة العراقية جراء ظروف البلد الصعبة لاسيما في السنوات الأخيرة، مازال المواطن العراقي يحرص على انتقاء مايمنح الاشراقة لمنزله مهما كان متواضعا، إذ عادت الرغبة لدى الناس بشغف واهتمام واضح لشراء صور ولوحات فنية تزين جوانبه بها، وانتشرت أماكن بيعها حتى تخصصت أسواق شتى بذلك، كما كثر الرسامون الذين استطاعوا استقطاب جمهور واسع لأعمالهم بأبتكارات حديثة وبطرق إبداعية تفيض وتبعث الحياة وتعطي لمحات ولمسات جديدة للبيت العراقي.

نادرة وجذابة

ولعل انتعاش الجانب الاقتصادي لدى بعض الشرائح شكل عاملا أساسيا في تحسين مستوى تذوق الفرد العراقي لطبيعة مضمون اللوحة وإرتفاع نسبة مبيعاتها وحضورها، يحكي رضا جاسم الذي يمتهن أعمالا حرة أنه من أولئك الذين وجدوا ملاذهم في البحث عن اللوحات النادرة خصوصا بعدما غادر منزل أهله (البيت الكبير) وانفصل عنهم قبل ثلاث سنوات، حقق خلالها حلمه بالعيش في سكن مناسب يضع فيه كل مايعجبه من لوحات تسر الناظر وتجذب كل من يراها، بحيث تخلق أجواء هادئة تضفي على المكان راحة وشيئا من التفرد، ويؤكد رضا أنه غالبا ما يرتاد الأسواق التي صارت تضج بأنواع مختلفة من اللوحات وبألوان متناسقة مع أثاث البيت كما أطلع على العديد منها حينما تهيأت أمامه فرصة السفر خارج العراق وبأسعار متباينة، وعادة ما يحرص على مشورة الزوجة والأبناء للوصول الى رأي مشترك في اختيارالملائمة منها خاصة تلك التي تشغل المساحات الكبيرة بالمنزل.

غلاء الأسعار

في حين بدأ سرمد محمود(موظف) يميل مؤخرا لولوج عالم اللوحات لأنها تذكره بأجمل مراحل حياته عندما كان يدرس بالجامعة، وطقوس اقامة المعارض برغم ندرتها وقلة الموهبة بالرسم آنذاك، يرى أن ما موجود حاليا يعرض بأسعارغالية جدا لاسيما تلك التي تحمل معاني رمزية، ولذلك قد يضطر لشراء بدلا عنها لوحات مصورة لأنها أرخص ثمنا، وفي الغالب لايهمه اسم رسامها مكتفيا بأن تحمل فكرة جذابة بألوان تتناسق مع الديكور، كما يفضل أحيانا اللوحات المباشرة التي تعكس البساطة والتواضع والأصالة، لكنه لا ينفق أموالا كثيرة من أجل الحصول عليها الا بحدود استطاعته بسبب ارتباطه ماديا بمتطلبات العيش العديدة.

الحياة البسيطة

أما سرور محمود فبعد أكمالها الدراسة الجامعية لم تحصل على فرصة عمل لها، والفراغ والعوز المادي دفعاها لأستثمار وأبراز مواهبها المدفونة، وبرغم أن الأمر تطلب منها المزيد من التعب والارهاق وتعرضت للفشل لمرات عدة، مما أضطرها لتقليد بعض الرسومات حتى تمكنت منها وباتت تمتلك حرفة بعد أن اتقنت أساسياتها بشكل جيد، لأنها أحبتها بمرور الوقت خصوصا وقد صارت تعتمد عليها كمورد مادي مضمون، فأشتركت من خلال شبكة التواصل الاجتماعي بكروبات وصفحات لعرض اعمالها فيها ومن خلالها استطاعت بيع وتصريف بضاعتها، وبحسب توصيات الزبائن ومن جانب آخر تسعى دوما لمتابعة كل ماهو موجود بالسوق وما تطلبه أذواق الناس، وتشير سرور الى أن معظمها يركز على مواضيع تعكس الموروث الحضاري والشعبي وعادات المجتمع والطبيعة والألوان الزاهية والحياة البسيطة، وغيرها من الأمور التي انتهت وتلاشت من حولنا وأصبحنا نفتقدها بالواقع ونبحث عنها باللوحة.

طاقة روحية

بينما سميرة عمران (موظفة ) غالبا ما تثير فضولها اللوحات المليئة بالأزقة القديمة وتشعرعند مشاهدتها بأن بغداد تنهض من جديد، كما تعطي مساحة كبيرة للمرأة بتفاصيل حياتها وأكسسوارات بيتها، فتبعث التفاؤل والأمل، وتمنح طاقة روحية للمتلقي، وتحاكي التاريخ وتسجل طقوس المجتمع، وتدعو للألفة ولم شمل الأسرة تقول: يضم بيتي لوحات معظمها تبرز فيها الألوان الزرقاء، وتعتقد بأن كثرة تداول اللوحات تعد ظاهرة ايجابية لأنها توثيق لمراحل مهمة من حياة العراقي برغم التكرار في أفكارها، حتى الشخص حينما يسافر يأخذ منها كقطع هدايا لأصدقائه وأقاربه في البلدان الأخرى، والسائح والضيف القادم الى العراق ينتقي منها مايحمل دلالات وعلامات تجسد تراث وحضارة البلد.

أحياء سياحية

السيد حسن علي الشمري صاحب معرض الصولجان يرى أن الاقبال على شراء اللوحات يعتمد حسب المنطقة، فهناك مناطق عامرة بالزبائن لأن المستوى المعيشي مرتفع فيها، وهي تلك الاحياء التي نالت نصيبا كبيرا من التطور الان خاصة بعد دخول لوحات تركية للبلد، الى جانب اللوحات التي تتناول مواضيعها الطابع الريفي وعادات المرأة العصرية وأزيائها وطقوس الناركيلة والشاي والمقاهي وشارع الرشيد، وجلسات النساء والشناشيل وأماكن من مدن الجنوب والشمال ومختلف اللوحات التي تتميز بوجود النفس الكلاسيكي الهادئ فيها، وعادة أغلبية الزبائن يقصدون الكرادة وشارع الربيعي حتى، الذي يأتي من خارج العراق مثلا لانها ضمن البيئة السياحية، لكن حينما يكتشف الأسعار يذهب الى بغداد الجديدة أو مناطق أخرى أرخص ثمنا، فالتفاوت كبير بقيمتها وثمنها، كذلك هناك لوحات صورية صغيرة تستود من الصين وتجدها متوفرة بشارع المتنبي والشورجة، ولكن جميعها لاتلغي حضور الآية القرآنية التي مازالت تحتل الصدراة لدى الناس لأنها تبعد العين والحسد وتدخل البركة للبيت.