بقوى ناعمة تخطف العقول.. الدراما الصينية تدخل بيوتنا
د. علي مولود فاضل/
لا شك في أن الفنون الدرامية الجذابة التي تسوقها -غالباً- دكاكين السوشيل ميديا، تشكل العديد من حيوات المجتمع، وتعكس السلوكيات والأطر العامة والخاصة في حيثياته، فتزرع مفردات جديدة، وتفرض رؤى مختلفة، وتُجذِر انطباعات مغايرة، وتنسج تطلعات حديثة، جُلها ناتج عما تقدمه الدراما بأشكالها المختلفة وتصنعه بدراية واعية.
الظهور التدريجي لجمهور مهووس بأصحاب العيون الضيقة، الذي لم يعد غريباً ولا مستحيلاً، ومع هذا الهوس ازدادت وتيرة الإنتاج والضخ الدرامي المؤثر الذي يقدم نفسه في قالب رومانسي جديد لم نعهده سابقاً.لم تعد البيوتات العراقية على نحو خاص، أو بيوت الوطن العربي، وحتى العالمي على نحو عام، محصنة أو مغلقة -في زمن اليوم- مثلما كانت عليه في السابق، بل إنها مع تقدم التكنولوجيا وانكسار حاجز القيود على المنتج الدرامي، أصبحت النوافذ مشرعة لاستقبال التوافد عليها من مشارب عدة، بضمنها توجهات الدول الكبرى التي تصطف الصين في مقدمتها وتحبو نحو إبعاد شاشاتنا بشكل ملحوظ.
الغزو الفكري
الصين تحشد قواتها بمختلف أشكالها وصنوفها لغزو العالم، وينقر في ذهني -جيداً- مفهوم الغزو الفكري، ورفيقه الغزو الثقافي، والكثير من المفاهيم والمصطلحات التي أصبحت في طي النسيان أو التناسي على قارعة التحديث، أو الأحداث الاصطلاحية المقترنة بالتكنولوجيا والرقمنة المتسارعة. هنا نجد الإعلام الصيني حاضراً بقوة وثبات، هنا نجد القنوات الصينية الموجهة تنمو وتتوسع، هنا نجد الدراما الصينية التلفزيونية، والسينمائية، والكرتونية -مانهو- تزدهر وتزحف نحو المجتمعات العربية، والعراقية على وجه التحديد، هنا نجد مراهقات ومراهقين وأُسراً تجتمع على محبة ومتابعة الدراما التلفزيونية الصينية أو ما تسمى بـ (السي دراما) بشغف عالٍ.
إن الـــدراما التلفـزيونيـــة الصينية ،المـــعــــروفــــة أحيانًا بالعامية باسم C-dramas أو C-dorama، هي دراما تلفزيونية نشأت في الصين أو منطقة الصين الكبرى. تنتج الصين من خلالها مسلسلات درامية تلفزيونية تحاكي الدول الأكثر تأثراً بالمشروعات الصينية التي عانت من مشكلات السطو الأمريكي، وهذه الدراما التلفزيونية الصينية غالباً ما تكون ذات طابع رومانسي أو خيالي يدغدغ وجدان المتلقي، ويلمس مواطن الاحتياج لديه؛ وبالتالي تتفاعل الأُسر وعناصرها معها، وتندمج أو -تتوحد درامياً- مع ما تطرحه المسلسلات الصينية التي تُعد وفق دراية ودراسة وتمحيص حاذق من قبل الجهات المنتجة لها، وتصل إلى العائلات وتتغلغل بأسلوب ناعم إلى النشء من الأجيال المولودة على اللوح الرقمي والمتغذية على تطبيقاته وموادها المتاحة مجاناً.
القوة الناعمة
في وقفة يسيرة حول الدراما التلفزيونية الصينية، أو ما يتعارف عليها بين أوساط متابعيها بالسي دراما، -كما تنادى الكي دراما ويقصد بها الدراما الكورية-، فإننا نجدها تجنح نحو قواها الناعمة الثقافية والفنية، وتُفهم القوة الناعمة على أنها التعبير عن قدرة أية دولة على تحقيق الأهداف المرجوة في قضايا مختلفة ومصالح محددة، دون حاجة للجوء إلى العنف، أو استعمال أدوات القوة التقليدية، مثل الجيوش، أو الأسلحة، أو الضغط السياسي، بل عبر إثارة إعجاب شعوب الدول المستهدفة وجذبها من خلال الثقافة، أو السياسة، أو الدعم المالي والاقتصادي، وهذا ما عملت عليه الدراما ووسائل الإعلام الصينية في الخارج؛ ولاسيما أن الصين حدت من اتصالاتها مع معظم دول العالم منذ الحرب العالمية الأولى ولثلاثة عقود تقريباً. وحتى بعد تطبيع الصين علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع العالم في أواخر السبعينيات، كان تغلغل وسائل الإعلام الصينية إلى الشرق الأوسط في حده الأدنى. لكن مع التطورات الأخيرة لسياسة الصين وتوجهها إلى البلدان العربية إعلامياً واقتصادياً إلى جانب التطور التكنولوجي السريع، الذي أتاح للبلدان النامية في الشرق الأوسط الوصول بسهولة إلى المنتج الإعلامي الصيني كغيره، أصبح حجم المواد الدرامية الصينية المنتجة، او المستوردة، أو الموجهة إلى العرب أكبر، وأعلى نمواً وملامسةً، وتحديداً تلك المنتجة للأسرة العربية والعراقية كما أسلفنا، التي باتت ركيزة أساسية في الوصول إلى الوجدان العائلي والشروع في خطة ستراتيجية عبر الدراما التلفزيونية الصينية إلى بلوغ الأهداف المرجوة، وهذا ما يمكن فرزه من خلال عدد المشاهدات التي تحظى بها المسلسلات الصينية في اليوتيوب أو من أعداد محملي تطبيق سي دراما؛ وهو ما يشي بزحف ملحوظ صوب العائلة العراقية وتقبلها المحبوب للصين مستقبلاً.