بناء شخصية الطفل من حكايات الجدة إلى ألعاب الموبايل

452

فكرة الطائي /

لا تزال صورة الجدة في كتاب القراءة الخلدونية عالقة في أذهان أجيال كثيرة، إذ لايمكن نسيان حكاياتها التي كان لها طعم خاص في مرحلة الطفولة، التي تعد من أخصب المراحل في زراعة القيم الإيجابية في أذهان الأطفال، التي سوف تشكل شخصياتهم لاحقاً، لما تمتاز به من قيم تربوية وأخلاقية، فضلاً عن تنشيط الخيال لكونها عنصراً من عناصر تلاحم الأسرة، التي كانت تتزاحم حول كبير السن في العائلة حين يحكي إحدى حكاياته، التي كانت تعد طقساً يومياً.
ما كان شائعاً في زمن مضى، لم يعد حاضراً اليوم، وغاب عن مجتمع الأسرة واهتماماتها، وذلك بسبب تقدم الصناعات التكنولوجية وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أخذت الحياة بالتطور الذي أوجد الوسائل الترفيهية والتوجيهية التي تناسب العصر.
مع هذا التقدم والتطور، تحن عائلاتنا إلى تلك الأمسيات التي كانت تتجمع فيها حول رب الأسرة لتتمتع بحكاياته.
حنان الجدة :
تقول ندى قاسم – موظفة: “كان زوجي يرغب بالعيش في بيت مستقل في بداية زواجنا، لكني رفضت ذلك، وكانت لهذا الرفض أسباب، أهمها أننا في بداية مشوارنا العائلي وعلينا تكوين وتمكين أنفسنا على الاستقلال العائلي لكي نبدأ هذه الخطوة، كما أننا نعمل في وقت واحد، ما يعني غيابنا –كلينا- عن البيت لساعات طوال من النهار، وغداً سيكون لدينا أطفالنا، فلابد من وجود شخص كبير يرعى ويراقب أطفالنا في وقت غيابنا، وليس هناك أحنّ من الجدة في ذلك وأقدر على تربيتهم، وهذا ليس بكلام نظري، إنما جاء عن تجربة أسرية، إذ أنني مازلت أحن الى صورة جدتي وهي تحتضننا وتحكي لنا حكاياتها، فأنا أشم رائحتها من تلك الحكايات حتى اليوم.”
فيما يقول عماد هاشم غنام – موظف: “كثيراً ما تحولت هذه الحكايات الى مصدر إزعاج لنا، نحن الآباء، لأنها تملأ عقول أطفالنا بالخرافات، وهو ما يؤثر سلباً على نفسية الأطفال وتكوين شخصيتهم مستقبلاً، لذلك دائماً ما أكون في خصام مع الآخرين بسبب هذه الحكايات التي يعدونها مسلية، وأنا لا أراها كذلك “.
تختلف فيحاء كريم – متقاعدة- مع عماد إذ تقول: “على الرغم من وجود أجهزة التواصل الاجتماعي، وما تتوفر عليه المواقع الإلكترونية من وسائل الترفيه والمغريات للأطفال، إلا أني أصر على سرد حكاياتي الخاصة على أحفادي، لما تحويه من قيم تربوية خاصة أريدها أن ترسخ في عقولهم ، فأنا أحاول أن أدخل البهجة والسرور في نفوسهم، كما أساعدهم في التمييز بين الخير والشر، والخطأ والصواب، واحترام القيم العائلية. فضلاً عن أني أنمي لديهم القدرة على الانتباه، وتعليمهم فن الإصغاء، واحترام المتكلم، وبما أن الإنترنيت عالم ضاج بالمغريات يشد الأطفال ويتمسكون به، لكن تبقى حكاياتنا التي نرويها لأطفالنا توجههم وتربيهم، ما يساعدهم في توطيد وتمتين العلاقات الأسرية “.
من ناحيته، يقول عادل عدنان صالح – أعمال حرة- إن “الحياة في تقدمها تحتاج منا الى الكثير من الجهد في تربية الأولاد على القيم الأصيلة، ولا يمكن زرع تلك القيم عن طريق الكلام المباشر أو التوجيه، وإنما يمكن تقديمها عن طريق أساليب مختلفة عما يقدم في عالم الإنترنيت، وذلك بالعودة الى النبع الأصيل في زرع تلك القيم التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، ألا وهي الحكاية، ففي تلك الحكايات المسائية قبل النوم، تزرع القيم والأفكار التربوية التي تسهم في بناء مجتمع سليم “.
أما سجى جمعة – موظفة- ” فتقول: “أنا لي طريقتي الخاصة في بث الأفكار وزرعها في عقول أطفالي، وتتمثل هذه الطريقة في شراء مجموعة من قصص الأطفال، التي أقرأها وأعيد حكاياتها على أولادي بأسلوبي الخاص، مع مشاركتهم في مشاهدة الصور الملونة التي تجسد تلك الحكايات، ثم ترك تلك القصص في غرفة الأطفال ليعودوا الى تقليب صفحاتها واستذكار الحكايات من جديد عن طريق تلك الصور”
الإنترنيت وغياب الوظيفة التربوية
يقول الباحث التربوي موسى حسين القريشي إن “الجدة والأم تعدان مصدري الإلهام والحنان لدى لطفل، فهو لا يجد الدفء والراحة إلا عندهما، وهما أيضاً مصدرا شوق وانشداد للطفل، اذ يجد عندهما الفرح في ما تقصان له من حكايات ممتعة تجعله ينشد إليها دائماً، فلا ينفك من حضنيهما الحنونين أبداً. هذه الحكايات تجعل الطفل يتبع سلوكاً صحيحاً، عندما تكون موجهة وهادفة، إذ أنها تبني شخصيته على وفق عادات وقيم نبيلة، واليوم نحن في عصر الإنترنيت، فقد غاب دور الجدة والأب والأم، إذ ماعاد كل منا يستطيع أن ينفك من هيمنة الهاتف المحمول، وعليه فقد بات الطفل بعيداً عن ذلك الجو الدافئ المليء بالحنان، الذي يتعلم منه أبجدية حياته. حتى المدرسة اليوم غير قادرة على إعادة روح الحكاية الى الطفل بعد هذا التشتت والعناء اللذين لحقا بالمجتمع جراء الفوضى وانعدام السيطرة على الأسرة والحفاظ عليها من أضرار التواصل ووسائله، التي ألقت بظلالها السلبية على حياة الطفل. “