بنت المطلقة.. دمارٌ بأثرٍ رجعي!

137

صفحة تُعنى بالمشكلات الأسرية التي تصل المجلة عن طريق البريد الإلكتروني أو أرقام هواتف المجلة نضعها أمام مجموعة من المتخصصين بقضايا الأسرة والمجتمع لإيجاد حلول لها.

المشكلة…
عرضت الأخت (ل.م) في رسالة بعثتها إلى صفحة (افتح قلبك)، مشكلتها العائلية المقرونة بالقلق والحيرة، أملاً بوجود حلٍ من المختصة، إذ تقول:
أنا امرأة بعمر ٣٥ سنة، متزوجة ولي ولد وبنت، أعمل رئيسة مهندسين، وناجحة جداً في عملي، أعيش مع والدتي، وهي أيضاً موظفة بمنصب عال، حالتنا المادية ممتازة، وأنا الوحيدة لأمي لأن والدي طلقها حينما كنت في الصف الأول الابتدائي. من هنا بدأت معاناتي داخل المدرسة بسبب عدم رغبة زملائي في صداقتي، إذ كانوا يقولون لي “لا نتكلم ولا نلعب معك لأن امك مطلقة”. معاناة كبيرة عشتها حين كنت أسمع هذه الكلمات، التي استمرت معي لحد الآن، مع العلم أن أمي أحاطتني بالرعاية والاهتمام، ولم تحرمني من أي شيء.
كنت متفوقة في دراستي، وكان حلمي أن أكون مهندسة، وبالفعل نجحت في الإعدادية بمعدل أهلني لدخول كلية الهندسة، وتخرجت فيها. ومع كل هذا لم أستطع تجاوز عقدة أنني ابنة امرأة مطلقة، بل إن تلك العقدة ترسخت في داخلي. وبعد التخرج عُينت، وكنت مهندسة نشطة جداً، ولهذا أصبحت رئيسة مهندسين. في هذه الأثناء تعرفت إلى زميل مهندس كنت مسؤولة عنه، تقرب مني وبدأ يتكلم عن نفسه وعن عائلته، وعلى ما يبدو فإنه كان فقير الحال مادياً وثقافياً، وكان ذلك واضحاً عليه من خلال مظهره الخارجي ومن طريقة كلامه، مع الاعتراف بأنه من عائلة فقيرة، بل معدومة. لهذا عطفت عليه في بداية الأمر، لكنه استغل هذا الاستعطاف، وجاء لخطبتي، لكن طلبه رفض من قبل أمي وأخوالي، الذين نصحوني بعدم الارتباط به بسبب الفوارق الكثيرة والكبيرة بيننا. لكني تمسكت به حتى وافقوا على طلبه، وجرى الزواج بدون اقتناع أهلي به أو بعائلته. كان في البداية شخصاً طبيعياً، لكنه بعد ولادة ابني بدأ يظهر على حقيقته. وبعد سنه ولدت ابنتي، فزادت المشكلات، إذ كان لا يتعامل معي إلا بالضرب والسبّ والشتم حتى مع أمي. ومنذ بداية زواجي منه لم أتسلم راتبي، لأنه كان يأخذه، ثم يرجع إلى راتب أمي أيضاً. بعد ذلك صار يأخذ سلفاً بحجة شراء سيارة، وأخرى لوالده وثالثة لأخته، وأنا وأمي نسدد بدلاً عنهم، وإذا ما اعترضنا كان ينهال علينا بالضرب، إلى أن صار ابني في الثاني الابتدائي، لكنه أصبح يعاني من التبول اللا إرادي، فيما تعاني ابنتي من فرط الحركة والتأتأة في الكلام. ابني وابنتي يكرهان والدهما ويخافان منه كثيراً، هنا تدخل أخوالي وأخبروني بأنهم سيرفعون دعوة طلاق، لكني رفضت بشدة، إذ لا أريد أن يعيش ابني وابنتي كما عشت أنا، ولا أريد أن تكون لديهم تلك العقدة في أن أمهم مطلقة، لكن أمي وأخوالي مصرون على الطلاق، لذلك اتفقوا مع محامٍ، أرجوكم أريد أن تنصحوني، هل أقدم على خطوة الطلاق؟ أم أتحمل وأصبر؟ فأنا في انتظار ردكم على أحر من الجمر، ولكم مني كل التقدير والاحترام.

الحل…
د.شيماء العباسي، اختصاص علوم نفسية وتربوية، أجابت على المشكلة قائلة:
ابنتي العزيزة، في بداية كلامي أريد منكِ أن تسألي نفسك عدداً من الأسئلة، ثم تجيبي عنها في داخلك بكل صراحة، هل أنت الوحيدة التي يطلق عليها (مطلقة) في الشرق والغرب؟ ما النعم التي أنعم الله بها عليك وحرم منها آخرين؟ عددي إنجازاتك ونجاحاتك وأثرها على ابنك وابنتك مستقبلاً، فإنهم سيفتخرون بها وبك أمام الجميع.. عزيزتي إن عدم ثقتك بنفسك سببها تراكمات في داخلك منذ الطفولة، التي تدهورت أكثر بعد طلاق والدتك. لهذا فأنا انصحك أولاً بأن تأخذي قرار الانفصال عن هذا الزوج الذي لا يقاس ولا يقارن بالرجال والرجولة، ولا يمكن أن يكون سنداً لك أو لأولادك، ليس الآن فقط ولا في المستقبل أيضاً. إن اصرارك على الارتباط به منذ البداية كان خطوة غير صحيحة وخاطئة، وها هي نتائج التزمت بالرأي وعدم سماع رأي الأم أو الأخوال قد وضحت الآن. على كل حال أنا لا أريد أن أرجع إلى الماضي وأقلب المواجع عليك لأنه شيء حصل.
أما الآن، فإن عليك أن تكوني واثقة من نفسك، لأنك إنسانة واعية ومثقفة ومن عائلة محترمة. لهذا فإن عليك أن تعتمدي على نفسك، وأن تكوني شجاعة وأن تتخلصي من هذا الرجل وأن تبني ثقتك بنفسك، من خلال تذكر نجاحاتك وإنجازاتك، حتى لو كانت بسيطة، وأن تحاولي أن تعززي ثقة أبنائك بأنفسهم من خلال تشجيعك لهم ورفع معنوياتهم ومدحهم أمام الآخرين، ولاسيما أمام زملائهم، كذلك حاولي إشراكهم في نوادٍ ومراكز رياضية تسهم في بنائهم النفسي والعقلي والانفعالي والروحي والأخلاقي، بالإضافة إلى بناء أجسامهم، وحاولي أن تبتعدي عن كل ما يذكرك بالأيام والأوقات القاسية التي مررت بها خلال فترة الزواج، من التعامل العنيف والقاسي من قبل زوجك. ومع ذلك كله تذكري أننا لا نرى من الناس إلا الظاهر، لكن معدنهم الحقيقي ينكشف خلال المعاشرة، أما النوايا فلا يعلم بها إلا الله عز وجل، الذي كلما زادت ثقتك فيه تحسنت أمورك وزادت ثقتك بنفسك. ختاماً أوصيك بالدعاء والاستغفار وتكرار قول: “ياحي ياقيوم، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني لنفسي طرفة عين.”