بين الحجر الصحي وممارسة الهوايات.. رُبّ ضارة نافعة

1٬121

#خليك_بالبيت

غيداء البياتي /

بعد ان اوقفت جائحة كورونا كل مناحي الحياة وقطعت ارزاق العاملين والكسبة وساهمت بنشر البطالة والجوع بين بني البشر، هنالك من يجد في تضاعيفها بعض الايجابيات، لا سيما ان العائلات أجبرت على الجلوس مع بعضها، والتقارب فيما بينهم بعد ان اوشك افراد الأسرة الواحدة ان يتحولوا الى غرباء وهم تحت سقف واحد.
هدى القيسي (44 عاماً) بدأت حديثها لـ”مجلة الشبكة” شاكرة فضل كورونا لأنها اعادت للبشرية مشاعر التكافل الاجتماعي، تقول هدى: إن كوفيد _19 جعلني اجلس مطولا مع اولادي واتقرب منهم اكثر، وبذلك تمكنت من غرس اكبر قدر ممكن من العادات والتقاليد المتوارثة من الاباء في نفوس ابنائي، اذكر منها صنع “الكليجة” قبل العيد بأيام والترتيب والتنظيف وتطهير القلب قبل الجسد لاستقبال ايام رمضان والعيد، وتقبيل يدي الوالدين صباح العيد، والاهم من ذلك اعتادوا على اداء الصلاة في أوقاتها، وبذلك فأنهم عادوا الى الله تعالى فتعلموا بناء انفسهم وتنقية قلوبهم بعمل الخير للناس، بدءاً من زراعة شجرة الى اماطة الاذى عن طريق الآخرين، والابتسامة بوجه من يلتقيهم، فهذا الفايروس صاحب فضل كبير على المجتمع لأنه اعاد برمجة حياة اكثر العائلات، فلا يبتلى الانسان دوما ليعذب وانما قد يبتليه الله ليهذب.
عمر الصكار (35 عاماً) صنع لنفسه ولعائلته اجواء جميلة داخل المنزل الذي يؤويهم ويقيهم من تلك الكورونا اللعينة على ما يقول، ويضيف: بعد ان اجبرتني تلك الجائحة على التوقف عن حالة اللهاث المتواصل تحت مطرقة العمل لتوفير لقمة العيش لعائلتي، قررت عمل حديقة صغيرة داخل المنزل لتوفير مزيد من الراحة لأفراد اسرتي واجبارهم على البقاء داخل ذلك المأوى اولا، ولأشغل وقتي بممارسة هوايتي بزراعة النباتات الظلية ثانيا، ولنتنفس هواء الحياة الطبيعية النقي ثالثا، ولتجميل وتزيين واجهة الدار رابعاً، فنسقت حديقة صغيرة داخل المنزل وخارجه، وزرعت شجيرات خضراً ونباتات ظلية متنوعة، وهيأت مكاناً للجلوس مع لوازمه، ليكون مكانا مناسبا للجلوس مع العائلة والاستمتاع بأحاديثهم وافكارهم.
الصكار اكد ان هذا الفايروس بالرغم من انه ساهم بنحو كبير في عملية التباعد الاجتماعي بين البشر، الا ان تأثيره كان اقوى من حيث تقارب الافكار والآراء وبناء العلاقات الحميمية بين افراد الاسرة الواحدة، مثلما فسح لهم وقت الجلوس في المنزل وممارسة هواياتهم، والتفكير بعمق اكبر في مستقبلهم.

اشتياق داخل الحجر الصحي
قضيت فترة الحجر الصحي في صنع اجمل الثياب والاكسسوارات وتطريزها وحياكتها بأدق التفاصيل، هكذا عبرت الخمسينية ام مقداد عن اشتياقها لأحفادها الثلاثة المبعدين عنها كرها وليس طوعا بسبب جائحة كورونا على ما تقول، وتضيف :” مرّ شهر بأكمله لم احتضن احفادي، فقد غادروا برفقة والدتهم لزيارة اهلها في الموصل، ما اضطرهم للبقاء حتى فتح حظر التجوال جزئياً وسمح لهم العودة الى الديار.
ام مقداد تحدثت عن فضل فايروس كورونا فتقول وهي تداعب حفيدتها نبأ : بفضل الحجر الصحي الذي تسبب به ذلك الفايروس اللعين المفيد فإن ماكنة الخياطة التي ركنت في احدى زوايا المنزل منذ سنين قد رأت النور ثانيةً وعادت لها الحياة، مثلما اعاد الابداع لأناملي، وموهبة الخياطة والتطريز تنبض بالجمال مجددا، فقررت ان استغل بقائي في المنزل بصنع اشياء مفيدة للعائلة، فببعض قطع القماش المتوفرة مسبقا قمت بخياطة فستان جميل لحفيدتي مع طوق مناسب لشعرها الطويل، واتممت خياطة فستان آخر لشقيقتها، ودشداشة العيد المطرزة لحفيدي الصغير.
لم تكتفِ ام مقداد بخياطة تلك القطع بل صنعت لوحات مطرزة زينت بها زوايا المنزل، بينما رتبت ابنتها المطبخ واعادت ترتيب ديكوره بشكل اجمل أثناء انقطاعها عن الدوام في الجامعة للسبب ذاته، وصنعت ستائر منسقة مع طاولة الطعام وبعض القطع التي تزين جدران المطبخ وسائر غرف المنزل مستغلين وقت الحجر الصحي بممارسة هواياتهم.
الشابة نهال الخزاعي اشارت الى ان هذا الوباء ليس نقمة فقط كما يعتقد اكثر الناس، فهي تأملت كثيرا أثناء ايام الحجر المنزلي واستثمرت لحظات الجلوس في المنزل بقراءة الكتب والقصص، بينما كسرت شقيقتها حاجز الخوف من كلام الناس واخذت تمارس هوايتها بركوب الدراجة الهوائية برفقة والدها والتجوال في شارع المنطقة.

دعابة الفايروس
كورونا وايام الحجر الصحي داخل المنازل لا تخلو من الدعابة والضحك، فسائق التكسي أبو نصير او سائق السايبة كما يحلو للبعض من اهالي المنطقة مناداته قال: هذا الفايروس لم يعد بالفائدة على أحد، ولم يتفضل على بشر قط، لكنه تفضل عليّ فقط لأنه اعاد لي لون بشرتي البيضاء بعد ان اصبحت سوداء بسبب كثرة تجوالي في شوارع العاصمة.
ابو نصير يقول وهو مبتسم: لقد اصبحت سائق “مخدة” بعد ان كنت سائق “سايبة” والطريف أنني حين ذهبت إلى أحد اصدقائي عند فتح الحظر جزئياً لم يتسنَّ له التعرف عليّ فقد ظنّ انه يقابل شقيقي، حتى انه مازحني قائلاً: “لك انت احلى من اخوك”.

النسخة الألكترونية من العدد 361

“أون لآين -4-”