بين النجاح والفشل والتبريرات.. تجربة الزواج الثاني في الميزان

525

فكرة الطائي /

في الوقت الذي تضغط فيه الحياة على الناس، وتتعقد الظروف، تتعرض مؤسسة الزواج إلى هزات عنيفة تجعل استمرارها على نحو سليم أمراً صعباً، .. مجلة الشبكة ارتأت أن تفتح ملف الزواج والعلاقات الزوجية من زوايا متعددة..
قراءة ممتعة

لماذا تفشل العلاقة الزوجية لدى كثيرين وقد تنتهي بالطلاق؟ ولماذا تصعب على الزوجين معالجة سلبياتها؟ لا شكّ في أن العلاقات الأسرية والاجتماعية تتغير وفقاً للظروف المحيطة بها مداً أو جزراً..
اللافت من معاينة شكاوى الأزواج المعلنة والخفية، تلك التي تناقش في المحاكم بين البحث الاجتماعي والقضاة للخروج بقرار تصالح أو انفصال وتلك المشكلات الخفية داخل الأسرة التي تتسم بالعنف الأسري، هو أن تلك المشكلات تترك آثاراً سلبية عميقة في مستقبل العائلة وتؤثر تأثيراً مباشراً في روحية الأبناء ونظرتهم إلى المستقبل فتسلبهم التفاؤل والأمل في حياتهم وفي مستقبلهم من جراء الظروف المحيطة بهم.
تراكم الأخطاء
“لا يمكن أن تبنى حياة أسرية سليمة تسهم في بناء مجتمع رصين أخلاقياً وإنسانياً مع تراكم الأخطاء داخل الأسرة،” هكذا تعتقد المعلمة (بلسم علي – 58 عاماً) في حديثها معي وهي تناقش مسألة التجربة الثانية بالنسبة للمرأة أو الرجل، وهي وإن لم تكن ترغب بالخوض في التفاصيل والأسباب والنتائج في سلبها وإيجابها، لكنها أرادت أن تشدد على جوهر الموضوع الذي يدفع باتجاه الاختيار الثاني ومعالجة هذا الموضوع من أساسه إذ قالت: “لابد للزوج أو الزوجة وهما في بداية حياتهما من ملاحقة المشكلات الصغيرة وحلها في أوانها وألّا يمارسا الهروب إلى الأمام في تجاوز تلك المشكلات لأنها سرعان ما تنفجر في وجهيهما مثل القنابل الموقوتة، وتعقد المشهد الأسري، وأنا هنا أتحدث عن تجربة حياتية وخبرة عائلية، فقد مضى على زواجي أكثر من أربعين سنة ولدي أحفاد، ودائماً ما أنصح الأولاد بحل مشكلاتهم وهي في المهد قبل أن تتطور وتكبر وتصبح عصية على الحل، الحياة الأسرية لا يمكن أن تدوم مع تراكم المشكلات.”
لن أكرر الخطأ
يرى بعض الشباب في الزواج الثاني خطأً كبيراً وهادماً لبناء الأسرة وأنه لن يكون مصدر سعادة لهم، وقد بنوا هذا الرأي في ضوء تجربتهم الأولى، بعضُهم لم يمر بالتجربة أصلاً، من بين هؤلاء الشباب (حسين قاسم، 27 عاماً، يعمل أعمالاً حرة) الذي قال في هذا الصدد: “أنا لا أفكر في خوض التجربة أصلاً، فما رأيته من مشكلات داخل الأسرة والخلافات بين الوالد والوالدة على أبسط الأمور وأتفهها، حتى أنها كانت تبلغ حد العراك أو الخروج من البيت، أوجد عندي انطباعاً سيئاً عن مشروع الزواج وتكوين أسرة قد لا أستطيع تلبية احتياجاتها في هذه الظروف الصعبة، إذ يتعذر الحصول على عمل ثابت يؤمن لي مصدر رزق معلوماً أستطيع على وفقه أن أنظم حياتي المستقبلية من سكن وطعام ومستلزمات أخرى، لذلك أرى أني لن أكرر الخطأ الذي وقع فيه غيري من الشباب.”
أنا زوجة ثانية..!
(حنان عبد الهادي، 43 عاماً، موظفة في إحدى وزارات الدولة) تقول: “ارتضيت أن أكون زوجة ثانية من دون أن يفرض عليّ هذا الاختيار من الأهل أو الأقارب.. بل ارتضيتُ بالأحرى أن أكون أماً لأولاد ليسوا أولادي.”
سألتها: لماذا؟
أجابت: “تزوج الرجل الذي أحببته امرأة أخرى وأنجب منها أولاداً وبنى أسرة، لكني لم أفقد الأمل في أن يعود إليّ ذات يوم، على الرغم من العروض التي قُدمت لي للزواج برجال ميسوري الحال، فأنا من عائلة غنية وأتمتع بجمال لا بأس به.”
تضيف: “يوم تقدم لي طالباً يدي للزواج، كان ذلك يوم سعدي وفرحي على الرغم من معارضة الأهل لقراري بالموافقة، لقد كنتُ أحبه وأعرف أنه يحبني لكن الزمن أراد أن يختبرنا بهذا الفراق، هكذا ارتضيت لنفسي أن أكون زوجة ثانية، وأن أكون أماً لأولاد لم أنجبهم بعد أن توفيت زوجته الأولى من جراء مرض مزمن.”
سعادتي في التجربة الثانية
أما (رياض حسين، 50 عاماً، يعمل في التجارة) فيؤكد أنه وجد سعادته في التجربة الثانية بعد أن عاش أكثر من 30 سنة في تجربته الأولى مع ابنة عمه التي أنجبت له أولاداً وبنات، سألناه “كيف كان ذلك؟” فأجاب بالقول: “تركت البيت لزوجتي الأولى وخصصت لها مصروفاً شهرياً يغطي نفقاتها العائلية وزيادة، وذلك بعد أن كثرت المنغصات التي أخذت تؤثر حتى في عملي خارج البيت، وكان لابدّ لي من اتخاذ القرار والبحث عن امرأة تشاركني التجربة الثانية فوجدتها ووجدت معها سعادتي من دون أن أتخلى عن التزاماتي تجاه عائلتي الأولى.”
الأسرة والبنية الاجتماعية
يقول (أ.د. سعد العطراني، متخصص في علم النفس): “إن الزواج نظام اجتماعي يهدف إلى بناء الأسرة التي تعد الأساس في تشكيل البنية الاجتماعية. ولاشك في أن هناك عوامل مؤثرة تشكل أعمدة هذا البناء مثل العامل الثقافي والاقتصادي والنفسي والاجتماعي، وإذا كانت القاعدة رصينة والأساس متيناً فذلك يؤدي بطبيعة الحال إلى نجاح تلك المؤسسة، وإذا انعكست هذه العوامل سلباً فإن من شأن ذلك أن يؤدى إلى بروز تناقضات وإشكاليات تُخرج هذه المؤسسة عن مسارها الصحيح، ما يؤدي إلى الانفصال أو اللجوء إلى تدابير أخرى، ومنها الزواج الثاني. وهنا نتوقف قليلاً في توضيح أبعاد الزواج الثاني، إذ يلجأ بعض الناس إلى الزواج الثاني لأسباب عاطفية من جراء غياب التوافق لأن الارتباط لم يكن نتيجة الاختيار القائم على الانسجام والحب، فتصبح العلاقة آلية تحدث فيها فجوات عاطفية، وقد يصادف أحدهم من تعطيه الدفء وتفيض عليه بالمشاعر، وقد يكون السببُ الإهمالَ والجمود في العلاقات من جراء الظروف الحياتية، ومن ناحية أخرى قد تكون الأسباب اقتصادية لتحقيق مآرب نفعية أو نتيجة للثراء الفاحش والرغبة في الامتلاك، وفي تصوري فإنه يمكن أن يأخذ الزواج الثاني نصيبه من النجاح إذا تحققت العدالة والانسجام.”