تحديات تواجه الأمهات العاملات

341

نور اللامي /

تحقيق التوازن بين عمل الأم ورعاية أطفالها وأسرتها، هو بلا شك معادلة صعبة، وتتطلب جهداً مضاعفاً وقدرة عالية على الثبات وتنظيم الوقت وإنجاز المهام المتعلقة بتربية الأولاد والعمل، دون التقصير في أي منهما، ولاسيما أن الأمهات يمثلن الدعامة الأساسية للأسرة. ترى كيف توازن الأم بين المهمتين؟ وماهي التحديات التي تواجهها؟
المرأة العاملة يرافقها دائماً شعور بالذنب تجاه أبنائها، مهما كانت ملتزمة معهم وغير مقصرة، لاسيما مع نظرة المجتمع الجارحة لها طوال الوقت، والاتهام المستمر لها بالتقصير.
نرمين ساجد (٣٤ عاماً)، ممرضة في مستشفى ابن الهيثم، تقول: “تزوجت منذ سبعة أعوام ولدي طفلان، لم أتمكن يوماً من إهمالهما، إذ كنت دائماً أضغط على نفسي من أجل إعطائهما العناية اللازمة، لكني لم أتلقَ الدعم المطلوب من محيطي وأهلي، بل كنت أتعرض الى أقسى أنواع الانتقاد، على الرغم من عدم تقصيري، إلا أن الكلام، عن كون طفليّ يعانيان من ابتعادي عنهما، كان يلازمني، لكني أستطيع أن أؤكد أنني استطعت تفنيد هذه الادعاءات، فهما اليوم يتفوقان على أقرانهما بالذكاء والسلوك الحسن.”
الشعور بالاستقرار والراحة
وتشير نرمين الى أنها اعتادت على ترك ولديها مع والدتها أثناء العمل، لكنها تحرص على تخصيص وقت نوعي لهما، فهي تجلس معهما ساعة قبل النوم بحب وبفائدة، أفضل من جلوسنا سبع ساعات غير نافعة.. كما تقول.
وتضيف: “أنا احرص على إيقاظ ولديّ صباحاً بمزاج جيد وابتسامة، واعتني بهما من أجل إعطائهما شعوراً بالاستقرار والحب، فالطفل يشعر بالإحساس الصادق، ويتلمس المشاعر بسهولة، ما ينعكس على تربيته ونشأته “.
تركت وظيفتي
تعتقد تقوى عبد الله (٢٧ عاماً) أن الجهد الذي تبذله الأم العاملة أكبر من سواه، وأن مسؤولية كهذه تتطلب تضحية بالغة، غالباً ما تأتي على حساب الأطفال، مؤكدة: “عندما تزوجت -قبل ثلاث سنوات- كنت موظفة بسيطة في شركة اتصالات، لكنني بعد إنجاب طفلتي الأولى، رأيت أن من واجبي تخصيص وقت لها أكثر من غيرها، فهي أولى أولوياتي، ولا أظن أن العمل او الوظيفة شيء يوازي أهمية أن تتربى ابنتي بالقرب مني وأمام ناظري، فلم استطع الابتعاد عنها، وفضلت الاستقالة، وأنا الآن ربة منزل ولا انزعج من ذلك أبداً، طبعا لا أقول أن العمل أمر لا يستحق، لكنني أعتقد أن لكل أم قدراتها الخاصة، ولسناً جميعا نمتلك نفس الطاقة والإمكانية، وقضية الموازنة بين العمل ورعاية الأولاد قدرة لا تمتلكها الا المرأة التي تمتلك دعماً ومساندة من الآخرين.”
المرأة المنظمة
“إن المرأة الناجحة ليست هي المرأة العاملة فقط، إنما هي المرأة المنظمة، التي تعرف كيف تدير وقتها”، حسب رأي السيدة فرح حميد (٤٢ عاماً)، وتجربتها مع وظيفتها في التدريس وتربية أطفالها لمدة أربعة عشر عاماً، مؤكدة: إن “الموظفة التي لديها طفل مسؤوليتها أكبر وأصعب، لنتفق على مسألة مهمة، هي أن راحة المرء تكمن في عمله الذي يحبه، ولا شيء أحب للمرأة من تحقيق ذاتها وشعورها بالزهو المهني، ما ينعكس على حالتها النفسية، التي حتما ستظهر في أسلوب تربيتها لأبنائها، فأنا لا يمكن أن أكون أماً ناجحة إن لم أكن أماً سعيدة، وبالتأكيد يرافق ذلك تنظيم صحيح للوقت والمهام، إذ أمنح نفسي فرصة للاعتناء بنفسي ومنزلي وأطفالي، مع عملي كمدرسة بشكل لا يجعلني أقصر في جانب دون الآخر، ولا أقصد أنني أماً مثالية، لكن، وعلى سبيل المثال، أنا صباحاً في دوامي، وبعد الظهر في منزلي، أرتب المنزل وأطهو الطعام وأعتني بالأولاد وأذاكر لهم، ثم أعتني بزوجي وأتسوق وأزور الأصدقاء وأحضر لليوم التالي.. وهكذا، كما أنه من المهم أن أشير الى أنه لا يجوز نقل واقع العمل الى المنزل، لأن ذلك يسبب أضراراً سلبية على علاقة الأم بأطفالها، فمشكلات العمل في العمل، وظروف المنزل في المنزل “.
الأم العاملة
يؤكد الباحث الاجتماعي ولي جليل الخفاجي أن “هناك تحديات تجابه الأم العاملة داخل البيت والمجتمع، منها طبيعة الزوج، إذا كان غير متعاون أو شكاك، أو لا يسمح لها بالتصرف بأموالها، كذلك العادات والتقاليد التي تمنع المرأة من الخروج، ولاسيما إذا كانت عائلة الزوج من هذا النوع، وطبيعة عملها إذا كان شاقاً ولا يتناسب وظروفها.” مضيفاً: “العمل -أحياناً- يؤثر على تنشئة الطفل، إذا لم توفق الأم وتوازن بين العمل ومتطلبات الطفل، أو أن تكون غائبة عن أطفالها فترة طويلة، فذلك سوف يؤثر على الجانب العاطفي للطفل وعلى نموه النفسي والعاطفي، كما أن لطبيعة الأسرة التي تنتمي إليها الأم العاملة الأثر الكبير في نجاح عملها وأسرتها، فإذا كانت العائلة متفهمة لعمل المرأة، سوف تذلل كل الصعاب أمامها، وسوف يسود التعاون فيما بينهم، أما إذا حصل العكس فستعاني من ذلك، وربما تترك العمل مستقبلاً.”
طفل مسؤول
لا شيء أهم من الأولاد بالنسبة للأم، فهم سر وجودها الأول، ومن المؤكد أن لا شيء بإمكانه تغييب دور الأم العاملة في إنضاج ذهنية أبنائها، فقد أكدت التجارب النفسية أن أولاد المرأة العاملة غالباً ما يخرجون منظمين أكثر من سواهم، ولديهم شعور بالمسؤولية والاستقلالية، ويعرفون كيف يقدرون الآخر، ويحترمون النعم والأرزاق ويعتمدون على أنفسهم أكثر من أقرانهم.