“تنظيم الإنجاب”.. فكرة تستفز المجتمع
فكرة الطائي /
بين ثقافة تعد الإنجاب وزيادة أعداد الأولاد نعمة كبيرة، وتؤمن بأن الطفل يولد ورزقه معه، وبين ثقافة تعتقد بضرورة تحديد النسل بهدف تأمين حياة كريمة للأطفال، تراعي الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأسرة العراقية في بلد بات عدد سكانه يتعاظم بفعل ارتفاع معدلات الولادات، لابد من نظرة وتأمل.
بالطبع، فإن الحديث عن عملية تحديد النسل في بلاد شجعت حكوماتها المتعاقبة هذه العملية، بفعل حاجتها إلى أعداد هائلة من المقاتلين، وهي تخرج من حرب لتدخل أخرى، حديث غريب وفكرة غير مستساغة لدى العراقيين. لكن تنامي السكان خلال العقدين الفائتين بات مشكلة حقيقية لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، فهي تهدد خطط التنمية في شعب تزداد فيه معدلات البطالة والفقر، ويعاني من أزمات مختلفة يزيدها النمو السكاني تعقيداً كأزمتي السكن والكهرباء، كذلك تراجع الحاصل المحلي في الإنتاجين الزراعي والصناعي.
تحت سقف واحد
تستذكر سيدة بغدادية تلك الأيام التي عاشت فيها عوائل كبيرة تضم العشرات من البنين والبنات تحت سقف واحد، يتبادل أبناؤها الملابس فيما بينهم، وكذلك الدفاتر والكتب المدرسية التي تنتقل من الإخوة الكبار إلى الصغار، كما اعتاد أولادها تقاسم الأشياء كلها من أجل إدامة الحياة العائلية، هكذا عاش العديد من العوائل العراقية، وكان الآباء والأمهات يقودون تلك السفينة داخل البيت وخارجه برغم كل ما يحيط بها من معاناة، فظلت تسير بتناغم وانسيابية من دون أن يشعر أفرادها بمنغصات أو تعب الحياة اليومية أو ضنك العيش وصعوبته، حيث تسود روح التعاون والألفة بين الجميع. ضرورة تحديد النسل، حديث بات يتداول بكثرة بين العوائل العراقية، بل بات يشغل وزارة التخطيط، التي طالما حذرت من النمو الكبير للسكان في البلاد وبين قدرتها على تلبية متطلبات العيش الكريم لمجتمع يتوقع أن يصل عدد سكانه -خلال عقد- إلى 60 مليون نسمة، إذ أن نفوس العراق اليوم تجاوزت الأربعين مليون نسمة، وهو أمر يزيد الجدل الدائر بشأن موضوع تحديد النسل.
هرباً من الضجيج..
تعرب ابتسام -وهي موظفة متزوجة من زميل يشاركها العمل- عن سعادتها بثمرة زواجها، فقد أنجبت خمسة أولاد في السنوات العشر الأولى، وهي الآن حامل في الشهر الأخير، فيما ضجيج الأطفال حولها يجعلها بالكاد تسمع من يحاورها مالم يرفع صوته.
لكن سعادتها سرعان ما تختفي حينما تشعر أن البيت بات صغيراً لا يتسع لأفراد العائلة، وبات أولادها يطالبون بغرفة خاصة لكل منهم -مثل اصدقائهم-. ومع هذا ترفض هذه السيدة أن تناقش فكرة تحديد النسل، فهي تؤمن أن الأولاد نعمة، وأن الطفل يأتي إلى الدنيا ورزقه معه.
ليس بالمال وحده..ليس من السهل تفكيك منظومة مفاهيم سائدة منذ أزمنة ماضية لم تشهد هذا التعقيد الاجتماعي، وإقناع أفرادها أن تحديد النسل مسألة مهمة للأسرة والمجتمع، ومن المؤكد أن المجتمع العراقي يحتاج إلى الكثير من الوعي للتعامل مع مسألة توازن النسل، أو تحديده.
الحياة تزداد صعوبة
تقول فلاير حبيب – تربوية- إنه “كلما تقدمنا في الحياة فإنها تزداد صعوبة وتعقيداً، لذلك، فلابد لنا من سعي حثيث لتخفيف هذه المصاعب وتفتيت عُقد الحياة لرسم مستقبل جيد للأولاد يحفظ كرامتهم ويحقق لهم الحياة السعيدة، لكن لتحقيق ما نبغيه لأولادنا لابد من وضع خطة علمية مدروسة تحقق تلك الأهداف، أول هذه الأهداف -من وجهة نظري- هو تحديد الإنجاب، فأنا أقول إن تربية ولدين تربية صالحة ونافعة أفضل من تربية ثلاثة قد لا تسيطر على أحدهم ليكون منفرداً وخارجاً عن إخوته في السلوك الاجتماعي، كما أننا في تحديد الإنجاب -أو تنظيمه- نتمكن من توفير مستلزمات عيش كريم لعوائلنا. ” عبدالحسين خلف -60 عاماً، كاسب- يستذكر أسلوب حياته البسيط، فقد كانوا إخوة وأخوات يجمعهم بيت واحد وفراش ممدود يسع الجميع، لكن الأحوال تبدلت وبات الأبناء يبحثون عن الاستقلالية. يقول: “أنجبت زوجتي سبعة أولاد، وصرنا عائلة من تسعة أشخاص ما بين ذكور وإناث، لا تشغلنا متطلبات الحياة فيوم يأتي وآخر يمضي.”
طفل واحد
الجيل الجديد من الشباب، المتزوجين حديثاً، يفكرون بطريقة مختلفة عما يفكر به العم عبدالحسين، فهم ينظرون إلى الحياة من منظار آخر لا يفكر بدوامة توالي الأيام و إنما “كيف أعيش يومي وأحقق فيه ذاتي، وكيف يمكن أن يكون هذا اليوم إضافة جديدة في حياتي.”