تنمُّر السوشيال ميديا لماذا يَستهدِف النساء؟
#خليك_بالبيت
آمنة عبد النبي /
موجة نسوية غاضبة من بروباغندا السوشيال ميديا الذكورية تجاه ملامحهن الخلقية ومساحتهن الشخصية، فالنساء لا يرين التنمّر (تحشيشة) متداولة، بل عُقد ومكبوتاتٍ نفسية لا تجد لها علاجاً غير الاختفاء خلف خفّة الدم. بالمقابل اعترضت نُخب العالم الافتراضي من الرجال بأن حصر التنمّر بالنساء هو تشخيص متطرِّف، ذلك أن (الترند) الافتراضي يشمل الجميع على حدٍ سواء، بل ذهب بعضهم إلى أن هناك كثيراً من النساء اللواتي يطبِّلن بحفلات التهجم إلى جنب المتنمّر .
فهل يا ترى هنا يمكننا أن نعدّ التنمُّر بشكلهِ العام مرتبطاً بثقافة الانسحاق الثقافي المزمن؟ ومن المسؤول عن الخلط ما بين النقد والتنمّر؟ وما قيمة الثقافة التي لا توجِد فارقاً إنسانياً بين الحالتين؟!
جرمٌ نسوي
“أجزم أن التنمّر في غالبيتهِ جرمٌ نسوي بحت، وإدخال الرجال كطرف أساسي غير صحيح، لأن ما لاحظته في هذا الموضوع، أكثر من مرة، هو مثلاً قيام إحداهن بنشرِ صورة لفتاة بشفاهٍ رفيعة، مشيرة إلى أن هذا النوع تكون صاحبتهِ حاقدة من الطراز الأول”!
هذا الاتجاه المعاكس لفكرة التحقيق جاء حاداً على لسان صاحبة بيج (عراقيات) حنان العزاوي المقيمة في مدينة مالمو، أكملته باستغراب من اتهام الرجال: قد لا يروق رأيي للكثيرات، لكن بصراحة هي الحقيقة، ما لاحظته وأقوله بكل استغراب من تجربتي بإدارة بيج فيه آلاف النساء اللواتي يفترض أنهن يؤازر بعضهن البعض الآخر في قضايا التنمّر التي تنال من أشكالهن أو ملبسهن، كما هو الحال مع الرجال. غير أن ما يحدث غالباً هو العكس تماماً، إلى حد أنه حينما تشاع في السوشيال ميديا صورة لسيدة تجتاحها حفلات تنمّر على الصفحات المختلفة، أجد أنها تنسحب أيضاً لصفحات البيج التي يفترض أنها نسوية. وبدلاً من الإدانة والرفض، تعاد حفلة السخرية والتنمّر والإساءة من جيش نسوي فيه المثقفة وفيه المحدودة التفكير وفيه البسيطة. وعليه فإن قناعتي في الأمر هي أن من يعين الرجال ويروّج لما يتنمّرون به علينا أعدّه هو الذراع والحطب. لذلك أصبحت ظاهرة استهداف النساء تنمّرياً تندرج ضمن ثقافات الانسحاق وتغييب الحقوق الإنسانية عن هذا الكائن النسوي المستضعف. نادراً ما نجد أصواتاً يفترض أنها مثقفة ونخبوية رجالية مهمتها التصدي لتلك الظاهرة بدلاً من المشاركة الفعالة في تلك البروباغندا المشوَّهة إنسانياً.
عُقد نفسية
“التحشيش في التنمر طريقة يستخدمها الرجال لما له من مقبولية لدى القارئ، أو بطريقة كوميدية مبطّنة تضع الآخر يواجه صعوبة في رد التنمّر أو الاعتراض عليه، ولاسيما على برامج السوشيال ميديا، إذ لا تتمكن بعض النساء من رد التنمّر تلافياً للإشكالات وردود الأفعال غير المتوقعة.”
بتلك الصراحة بدأ الناشط المدني (علي قادر) رأيه في ظاهرة التنمّر وتفرعاتها النفسية والتقنية بشكل عام رافضاً حصرها بالمرأة، قائلاً:
التنمّر يحكمه (الترند)، لذلك أرفض الانضمام إلى قائمة مؤيدي اتساع ظاهرة التنمّر ضد النساء حصراً في مجتمعنا، ولا أرى ذلك إطلاقاً إلاّ في حالات ذكورية نادرة، وأكبر دلالة على لجم المسيئين هي أن من يتصدى للظاهرة هم الذكور أنفسهم، على عكس النساء، فمثلاً أن وجود شيء اسمه (غيرة النساء)، وأقصد غيرة النساء السلبية، أي أن إحداهن تغار من لون الشعر أو الملبس أو نسبة الجمال أو الحالة المادية، هنا حينما تحدث حالة تنمّر تجدين في أغلب الأحيان أن المرأة تقف إلى جانب المرأة، حتى عند حدوث الأخطاء أراها تدافع عنها، والأغلب أنها تدافع ليس من مبدأ رد التنمّر وإنما من مبدأ مهاجمة المجتمع الذكوري، علماً أن التنمّر أصبح حالة عامة تستهدف الجميع، حتى الأطفال، وأن حصره باستهداف النساء بالخصوص ناجم عن مواقف خاصة تجعل من المتنمِّر ينظر نظرة عمومية تكون نتيجتها التنمّر على كل من تصادفه بالسبّ والشتم والقذف بتهم لا وجود لها، وحتى الحالات التي تظهرها السوشيال ميديا كظواهر تستهدف النساء من قبلِ بعض المأزومين، فهي في حقيقتها عقد نفسية أو حالات كرهٍ عامة شملت جميع النساء من قِبل المتنمِّر، وبذلك نرى أن حالات التنمّر تكون أقوى وأشد لأنه يرى أن المرأة تتأثر أكثر من الرجل، وأنها قاصرة عن الرد بطريقة رد الرجل نفسها إذا وقع التنمّر عليه. في المحصلة نرى أن التنمّر أشد على النساء من الرجال. وبشأن المسؤولية ومن يتحملها، فأنا أعتقد بأنها تنحصر في الشخص نفسه، لكن هناك أسباباً جعلته لا يفرِّق بين النقد والتنمّر، وهذه الأسباب قد تكون في التربية أو البيئة التي يعيش فيها، أو ثقافته المحدودة، أو تجاربه التي مر بها، أو من خلال تعامل الناس معه. كذلك تنتج عن ذلك عدوانية وخلط في مسألة النقد والتنمّر. أما القيمة الثقافية فهي معدومة من الأساس حين الخلط بين النقد والتنمّر لما له من نتائج نفسية سلبية للمتنمَّر عليه، أما إذا كان هناك فرق بين النقد والتنمّر فنرى أن أغلب الناس يتقبلون النقد برحابة صدر دون مشاكل على ألا يكون النقد هدّاماً.
منبوذ إنسانياً
“العالم الفيسبوكيّ الأزرق ما هو إلا انعكاس افتراضي لحقيقة المجتمع وواقعيتهِ المريضة ظاهراً وباطناً، والتنمّر ضدنا يزداد شراسة في مواقع السوشيال ميديا، وفي الفيسبوك تحديداً، لأنه يعطي للمستخدم حماية بعدمِ إبرازِ الهوية الحقيقية له”!
هذا الرأي المتفق تماماً مع فكرة العَداء الذكوري أتى من ستوكهولم، حيث تقيم المهندسة (سمر رشيد) قائلة: المتنمِّر حالياً حر ومتفنن بتقطيع ضحاياه بعد أن ركنَ ضميره جانباً، أما دوافعه ولماذا يتجه نحو تلك السلوكيات المنبوذة فبصراحة أجد أن العلّة تكمن في ضعف الشخصية أكثر من ارتباطها بعقدهِ النفسية ومكبوتاته لأنه – ظاهراً- متحضر ويخجل من الجهر برجعيته علناً، لذلك يلجأ في لحظات اهتزاز شخصيته إلى هذا الانهيار الخلقي الخفي. وما استغربه أكثر وضمن حفلات السلخ الذكورية هو وقوف بعض النساء تجاه الضحية من بنات جنسهن، ولاسيما اللواتي لا يملكن رصيداً ثقافياً ولا عملياً، هن في العادة أكثر المهاجمات كسباً لرضا الذكور، ذلك أن نجاحهنّ الوحيد في الحياة هو تصفيق الآخرين. وبالمناسبة لا تتصوري أن استهداف التنمّر للنساء موجود في الشرق فقط، أبداً، ثمة في المجتمعات الغربية تنمّر من نوعٍ آخر، تنمّر عنصري سببه تهديد النساء لكراسي السلطة الذكورية المهيمنة قروناً عدة.
وعن الخلط بين النقد والتنمّر والخط الفاصل بينهما، أعتقد أنّ هنالك مسؤولية شخصية تتجلى في تثقيف الشخص لسلوكياته بأدبِ الحوار، أما المسؤولية الثانية فتقع على عاتق المجتمع، إذ يجب أن يكون هنالك خط دفاع مجتمعي يقف بوجه تلك الممارسات المشوَّهة إنسانياً.
روح شريرة
“فكرة العنف الرمزي الملاصق للمرأة ليست وليدة اليوم، بل كان الاستهداف تأريخياً، أليست تلك المخلوقة نفسها التي كانت وما زالت الحكايات تصفها بالشيطان أو الأفعى أو الروح الشريرة؟ الاختلاف ليس بالفكرة اليوم وإنما في الآلية الحداثية”!
هذا ما يعتقده المدوِّن العراقي الشاب (علي أحمد) في رده على ظاهرة الإساءة للنساء بالتنمّر، قائلاً: أقرّ بوجود التنمّر المضاعف ضد السيدات بكثرة في وسائل التواصل الاجتماعي، والمسؤولية في هذا الأمر تقع على الطرفين، لأننا نرى بعض الرجال يتنمّرون على النساء، وأحياناً أخرى النساء هنّ من يتنمر على النساء بضراوة أكثر. المضاربة يحكمها موضوع الساعة المطروق في وسائل التواصل، السبب في اعتقادي لا يعود فقط لما تكتنزه عقول الرجال من عنف رمزي، وإنما أصل مظلمة النساء تأريخية ولها جذور في الموروثات القديمة التي كانت تصورها رمزياً بأنها الأفعى والروح الشريرة، وكلما تقدم بها الزمن تجدينهم يتمادون في السخرية منها وتشبيهها بالشيطان، حتى في الأنظمة الحديثة التي ساوتها مع الرجل استمرت تلك النظرة الجسدية السائدة عن المرأة، وذلك في نظري أسوأ أنواع التنمّر، أما مسلسلات الاعتداء عليها من السلطة الذكورية المطلقة فهذا لا يمكن إخفاؤه.