ميساء فاضل/
بالأمسِ.. حين كانت الحسناء تَنفث دُخان سيجارتها على شاشاتِ التلفاز، يلتفت العالم بأسرهِ مُستغرباً، أما اليوم فإن دخان “النرگيلة” -باللغة العراقية المُحبّبة- تنفثهُ المراهقات والسيدات من فنجانها المحشو بالمعسل والتفاحتين والنعناع والنكهات الأخرى، التي يعادل تدخينها مئة سيجارة أو أكثر، وبضررٍ مضاعف، وقد أصبح مشهدها، المتجادل عليه اجتماعياً، شبه مألوفٍ في المقاهي والمطاعمِ والأماكن الترفيهيةِ.
مشهد شاذ على الحياة الاجتماعية، بعضهم يراه معياراً لانفلاتِ بعض النساء، والبعض الآخر يعده حرية ومساواة وشأناً شخصياً.
مجلة “الشبكة العراقية” دردشت مع بعض الفتيات والسيدات اللواتي يرافقهن (بربيش) النرجيلة علناً وبدون أي حرج اجتماعي، كذلك كانت لنا أحاديث سرّية مع أخريات
يقتصر تدخينهن في داخل البيوت فقط.
لا علاقة للنرجيلة بالأخلاق
” النرجيلة هي ستايلي وثيمة الشخصية التي أحبّ أن يراني الناس بها، لأنها تعطيني شعوراً بالحرية والتمرد على التقاليد البالية.”.. بهذا الرد المتعالي مع دخان نرجيلتها، تحدثت (شهد هشام ٣٢سنة) خبيرة التجميل عن خياراتها بالتدخين وقالت بوضوح:
“عندما أدخن النرجيلة أشعر بارتياح وسعادة، ولا مانع لدي نهائياً من تدخينها في الأماكن العامة، لأنها ليست ظاهرة شاذة، ولا أعتقد أن أخلاق الفتاة تقاس على تدخين النرجيلة في الأماكن العامة، كما يعتقد الآخرون، صحيح أن النرجيلة فيها أضرار على الصحة، وأنا عانيت من بعض الأمراض التنفسية بسبب إدمانها، لكني لا أستطيع أن أتركها، وهذا شأني الخاص ولا يحق لأحد التدخل فيه.”.
أما (جنان أحمد ٢٧ سنة) الموظفة ، فرفضت تدخين النرجيلة وفضلت عليها السجائر قائلة:
“أنا أدخن السجائر ولا أرغب بالنرجيلة أبداً، لأني جربتها مرة لكني لم أحبها مطلقاً، كما أني لا أحب رائحتها، لذلك أفضل تدخين السجائر على النرجيلة لأنها، حسب رأيي الشخصي، ليس فيها أي طعم أو إحساس بارتياح، ولا تستحق تلك الهالة التي تحظى بها عند الفتيات، علماً أن هنالك فتيات يدخنّ الاثنتين معاً، السجائر والنرجيلة، اي حسب الأماكن التي يرتدنها.”.
استهتار وقلة حياء
” لا أعرف، من أين جاءنا هذا الانفلات المجتمعي الذي حوّل الاستهتار عنواناً للحرية والتمدن والانفتاح الى درجة أننا صرنا نتباهى بشخصياتنا التي تميزها النرجيلة والملابس الممزقة “!..
هجوم لاذع شنتهُ (نور محمد ٢٩ سنة) على عاشقات النرجيلة ومتخذاتها رمزاً للحرية، قائلة:
“تدخين النرجيلة بالنسبة لي موضوع غير لائق لسمعة الفتاة، ولا يضيف لها إلا هالة الاستهتار والتنازل والانفلات، لأن الفتاة -أولاً واخيراً- خاضعة لتربية أسرتها وتقاليد مجتمعها ودينها، لذلك يجب أن تلتزم بالعفة والثقافة والخجل أمام الناس، لأن هناك من يرى أن الفتاة يجب أن تكون ذات خلق عال في تصرفاتها، كي تعكس تربيتها ورصانة فكرها، وغالبية المجتمع الذي يصفق لها هو في الحقيقة لا يتقبلها، بل يراها إذا دخنت السجائر أو النرجيلة أمام الناس فهي فتاة وقحة لا تلتزم بتقاليد مجتمعها الذي تعيش فيه، لأننا مازلنا مجتمعاً عشائرياً ومحافظاً، ولم نتربَّ في بيوتنا عليها، إضافة الى أضرارها التنفسية، لذلك أنا -من وجهة نظري- لا أحب الفتاة التي تدخن النرجيلة أو السجائر، وأجدها تصرفات غير متزنة لا تراعي المسلّمات الاجتماعية، وتسلب الكثير من وقار المرأة وهيبتها.”
نرجيلة ولمة صديقات
(هند مجيد ٢٢ سنة) الطالبة في إحدى الكليات لها قصة عابرة مع النرجيلة التي دخلت حياتها وأدمنتها، قائلة:
“بدأت قصتي مع معشوقتي السرية (النرگيلة) العام الماضي حينما ذهبت مع صديقاتي بگروب في سفرة سياحية وجلسنا في أحد المقاهي، فطلبت صديقاتي نرجيلة بالمعسل، حينها وجدتُ نفسي منبوذة بينهن، وهنا وبرغبة عابرة لتجربتها، طلبت أنا أيضاً للتجربة، وبتشجيع منهن، ولا أنكر طعم الارتياح واللذة اللذين شعرت بهما من خلال نكهتها، او سلوتها النفسية، لذلك اعتدتها واستذوقتها، ومنذ ذلك الوقت وأنا أدخنها بإدمان، ولكن –بصراحة- ليس أمام عائلتي ولا أمام أحد من أقاربي، لأنهم يعتبرونها ممارسة غير أخلاقية للفتاة، وتعكس صورة غير جيدة عن الفتاة وأهلها وتربيتها، لأن المجتمع الذي تربينا فيه جميعنا لا يتقبل مثل هذه الأمور”.
البيوت ستر وغطاء
أما ربة البيت (مريم زهير ٤٥ سنة) التي اتخذت من البيت ستاراً لنرجيلتها، فقالت وهي تشارك زوجها تعمير النرجيلة:
لي أكثر من سنتين وأنا أدخن النرجيلة مع زوجي في البيت فقط، فهو لا يتقبل أن نخرج الى مكان عام وندخنها، حتى لو كانت بمعيته، علماً أن زوجي كان يدخنها في البيت باستمرار، فهي تحلو له هكذا، وطالما أننا نتشارك المكان، فقد تسببت لي رائحتها بالغيرة والرغبة في تجربتها، أي أن الأمر أشبه بالتعودِ على رائحة الدخان بشكل يومي، ولاسيما أن روائحها متنوعة ومغرية كالمعسل والتفاحتين والنعناع، وعليه ظل الأمر مقتصراً علينا، أنا زوجي فقط، بعيداً عن أهلي الذين لا يتقبلون الأمر، لا لسبب اجتماعي، وانما بسبب المضاعفات الصحية التي تسببها، مُذ ذلك الوقت أدخن مع زوجي، وأيضاً لا أدخنها أمام ضيوفنا، فمنهم من لا يتقبل هذه الظاهرة، أو لديه مشكلات صحية تنفسية او تصورات اخلاقية قد يضمرها في داخله”.
جدل لا ينتهي
الباحث الاجتماعي حبيب الموسوي، شخّص النرجيلة بأبعادها المتعددة كأية ظاهرةٍ هي محط جدل اجتماعي مُختلف عليه بين الرجل والمرأة، قائلاً:
“النرجيلة و(بربيشها القاتل) ظاهرة خطرة ومميتة بعيداً عن كل شيء، لكنها آخذة بالانتشار في المقاهي والكافيهات والمطاعم والأماكن العامة، ومنظر الفتيات والسيدات اللواتي يرافق البربيش (گعداتهن) صار لافتاً، وكالعادة هنالك من يعتبر حق النرجيلة كأية ظاهرةٍ محط جدل اجتماعي مُختلف عليه بين الرجل والمرأة بأنهما سيّان ومتشابهان في الحقوق أمامها، وأن محددات العيب والمقبول بتدخينها في الأماكن العامة يجب أن تقوم على أساس المساواة، لا على أساس ما يقبله الرجال أو يرفضونه. أما البعض الآخر فيرفضها أخلاقياً، لأنها من العادات السيئة التي تأتي نتيجة الرغبة في الانفلات والفراغ، ولا يكمن حصر خطرها بالاقتصار على سهولة إشعال النرجيلة، بل بالتحضير للجلسة وإعطائها ساعات طوال من (الونسة)، وهذا دليل على وجود فراغ كبير وغير مستثمر في حياة السيدات، وعملية قتل مقصودة للوقت من خلالها، وبالتالي فإن النرجيلة هي أحد مظاهر الحياة الفارغة المضمون والمنفلتة، علماً أن الأمر كان من المفترض أن يركز على مضارها الصحية والتنفسية، وما يمكن أن تضيفه من سواد وشيخوخة الى البشرة والعمر، لا أن يكون الجدل متعلقاً بالحقوق والتمييز بين الفتاة والشاب اجتماعياً.
على أية حال، في مجتمع إسلامي تحتفظ المرأة فيه بمكانة خاصة، يحفها الكثير من الوقار، تظل ظاهرة تدخين النرجيلة في الأماكن العامة محط استياء لدى كثيرين، ناهيك عن أضرارها الصحية الخطيرة، فهي ظاهرة سيئة على كل حال.”